ما رسخه حافظ الأسد جنى نتائجه بشار الأسد السياسة السورية ثوابت قومية ووقفات عز تاريخية .


منذ فجر الاستقلال في الشام ولبنان , كان الكيان اللبناني بفعل انقساماته الداخلية , طائفيا ومذهبيا وتوجها عربيا او انعزاليا , الخاصرة العربية الضعيفة التي تسمح لجميع اللاعبين باستخدامها بسبب المركز الإعلامي اللبناني المؤثر والفاعل في المنطقة العربية .
ذلك ان معظم المصطافين منذ أكثر من ستين عاما يؤمون لبنان وينخرطون في حياته السياسية بشكل غير مباشر فينقلون اهتمامهم به الى بلادهم العربية حتى صار معظم الناس فيها اكثر معرفة بالسياسة اللبنانية وفهما من السياسة المحلية لبلدهم او كيانهم .
ومن دون الدخول في التفاصيل التي أصبحت نتائجها شبه مسلمات , كان للجمهورية السورية على اختلاف الأنظمة الحاكمة فيها , الدور الرئيس في تقرير الكثير من المواقف السياسية في لبنان التي تتطلب " توافقا دوليا " . والأكثر بروزا لهذه الحالة كانت انتخابات رئاسة الجمهورية التي انحصر التأثير فيها بالبدايات بالبطريرك الماروني وفرنسا والشام .

ثم تحول دور فرنسا الى الولايات المتحدة منذ الثمانينات وعندما حاولت الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية ان تلغي الدور السوري لم تصل الى نتيجة ولم تستطع تأمين الاستقرار في لبنان واضطرت الى الاعتراف بالدور السوري .
قد يظن البعض ان سياسة الولايات المتحدة قد تبدلت وعادت الى محاولة الانفراد بالتأثير بالساحة اللبنانية وإقصاء الدور السوري . الا ان الحقيقة ليست كذلك أبدا فالولايات المتحدة تعرف انها لا يمكن لها ان تستفرد بالتحكيم بالوضع اللبناني للاسباب التالية :

1- ان ادواتها ليست لهم الفعالية الكافية على الارض ليؤمنوا لها ما تريده .
2- لان غاية الولايات المتحدة ومصالحها في لبنان تتضارب مع المصلحة اللبنانية . ومن هنا كان منشأ ضعف أدواتها في لبنان التي غالبا ما كانت محصورة بفئة مذهبية انعزالية التحقت فيها في السنوات الاخيرة فئة منشقة عن مذهبها ومصالحه الدينية والوطنية والقومية .
3- غالبا ما يصعب التفريق ما بين المصلحة الامريكية والمصلحة الاسرائيلية في توجيه السياسة اللبنانية بالاتجاه ذاته . ولذلك يعتبر هذا العامل عاملا اضافيا في اضعاف فعالية وتأثير الادوات الامريكية المتعددة الالوان والمواقف خلال فترات قصيرة من الزمن .
بينما يختلف الوضع السوري في لبنان عن الوضع الامريكي على الشكل التالي :
1- ان الفئات والجهات التي تعاونت ولا تزال تتعاون مع الشام تنطلق من وعي وادراك للمصلحة اللبنانية . التي غالبا ودائما ما تتضارب مع المصالح الامريكية المرتبطة مع المصالح الاسرائيلية .
فابدا هناك معاكسة بين المصالح اللبنانية والمصالح الاسرائيلية المرتبطة بالمصالح الامريكية . بينما السياسة السورية هي دائما في سبيل تعزيز ودعم المصالح اللبنانية .
2- ان الشام قدمت كل وسائل العون للبنان عندما كان لبنان على شفير الهاوية بل عندما وصل الى الهاوية ولم يجد من يمد له يد العون وينقذ اطفاله وشيوخه من مختلف الطوائف والمذاهب سوى سورية. بدليل ان كميل شمعون وحلفه الثلاثي شارك في مساعي دعوة سورية للعودة الى لبنان بعد انسحابها في الثمانينات لان جثث القتلى غطت الشوارع وليس من يجرؤ على رفعها .
وعندما اتصل الطرف الانعزالي او المنطقة الشرقية بالامريكان طالبين العون والمساعدة قدمت لهم الولايات المتحدة اسطولها للرحيل لمن يرغب في الهجرة الى كندا وامريكا .
3- قدمت سورية كل ما استطاعت واعادت الامن وسلحت الجيش وعززت قدراته . واذا كان هناك من اساء الى العلاقة بين الشام ولبنان فهم اشخاص لا مؤسسات سورية . والاساءة كانت مؤلفة من ادوات لبنانية اثبتت الايام ضلوعها مع اطراف العصابة من الطرف السوري المتمثل بالخائن عبد الحليم خدام واعوانه .
4- اصدقاء سورية في لبنان هم من المؤمنين بلبنان ومن العاملين للمصلحة اللبنانية المتعاكسة مع المصلحة الاسرائيلية المتبرقعة حينا والظاهرة احيانا بالمصلحة الاسرائيلية . وبالتالي فان علاقة هؤلاء الاصدقاء مع الشام هي علاقة مع المصلحة اللبنانية ذاتها ولصالحها وليس من اجل الاستقواء على فريق لبناني آخرهم على خلاف سياسي معه. حيث كان بامكان اصدقاء سورية لو كانوا مصلحجيين وانتهازيين ركوب الموجة الامريكية ومشاركة الادوات الامريكية المغانم والسلطان بدلا من المحاربة والاضطهاد .
الا ان من يحب لبنان ومن يسعى وراء الاستقرار ووراء العدالة والحقيقة لمعرفة قتلة الحريري لا يمكن ان يقبل بتسليم لبنان الى المجهول عبر محكمة ذات طابع دولي تتشكل وفق رغبات خارجية بعيدا عن المصلحة اللبنانية التي يجب ان يكون لها الاعتبار الاول في مبادئ وقانون تشكيل المحكمة .
5- لا يمكن لاي لبناني ان ينسى انه طوال الوجود العسكري الامني السوري في لبنان لم تتخل ولا وسيلة اعلامية عن مواقفها المعارضة للشام ولم يتعرض لها احد . وظلت المسرحيات الكوميدية تمارس ادائها في فردان وغيرها ( مسرح الساعة 10 ) وتنتقد سورية ورئيسها دون ان يعتدي عليها احد او يمنعها احد .
ان حرية الاعلام التي تباكوا عليها اثناء الوجود السوري كانت نوعا من التباكي والاحتجاج الاعلامي بقصد خلق جو عن تدخل سوري في الاعلام اللبناني . هل منع احد جريدة "النهار"من الصدور او قاضاها وهي لم تهادن الشام ولا يوما واحدا . وهل هناك مـــن عكر صفـــوال lbc المعادية لسياسة الشام بامتياز.؟ ( اما مشكلة الـ mtv فهي مشكلة لبنانية بحت ولاعلاقة لها بالموقف والوضع السوري في لبنان ).

منذ عام 2003 وبدايات الاستعداد للحرب بدأت الولايات المتحدة و" اسرائيل " محاولات الغاء الدور السوري لا من اجل تحقيق مصالح لبنانية من وجهة نظرها وانما من اجل تحقيق وخدمة مخططات ومشاريع تخدم المصلحة الامريكية واسرائيل بالمنطقة عبر احتلال العراق على اساس اعتقادها ان بقاء سورية في لبنان امر حيوي لها ولوعلى حساب ثوابتها القومية.
وانها بتنازلها عن دورها القومي في المنطقة تحمي " مكاسبها " الخاصة في لبنان . فاثبتت سورية ان علاقتها ووجودها بلبنان لا ينفصل عن المصلحة القومية المهددة باحتلال العراق وان تأييد هذا الاحتلال مقابل الاحتفاظ بلبنان هو خيانة للمصلحة القومية وتخلي عنها لا يلبث ان يقضي على سوريا وعلى لبنان معا . ( كما أُكل الثور الابيض ).

لذلك فان ما رسخه الر ئيس الراحل حافظ الاسد في السياسة السورية وخاصة لجهة عدم الفصل بينها وبين المصالح القومية العليا للعالم العربي ويشكل اكثر تحديدا للمنطقة السورية الطبيعية , هو الذي اثبت وجوده بما اكد عليه الرئيس بشار الاسد من الاستمرار بالتمسك بهذه الثوابت ومجابهة التحديات التي تحتاج الى صبر وثقة وايمان بحتمية النصر وبحتمية المستقبل .
اليوم يدرك الذين ارتجفت ركبهم من التهديدات الامريكية عند بدء التحقيقات في مصرع الحريري . وبالتهديدات بالمحكمة الدولية , وبالتهديدات بالمقاطعة الدولية والعقوبات الاقتصادية . ان الموقف السوري , موقف قوي وثابت لانه يتعامل مع الحقائق ومع الاستشرافات المبنية على الحساب الدقيق للمصالح القومية والوطنية لسورية ولبنان خاصة وبقية دول الكيانات السورية عامة بمواجهة المصالح والمطامع الاميريكوـ اسرائيلية .

ان الذين يعرفون طينة جنبلاط يعرفون ان زعيقه وجعيره سببه ما عرفه وادركه من فشل المخطط الامريكي لعزل سورية عن لبنان والعراق والمنطقة واستحالة الاحتفاظ بدور لجان بولاد المسعور بعد ان استعملته الولايات المتحدة فزيعة هو وشاحب ثورة " البرغل " لاخافة سورية ناسية ان الفزيعات تخيف الزرازير والغربان ولا تعلو الى مستوى النسور .

ان عناوين الاخبار السياسية في المنطقة وحدها التي تغطي الصفحات الاولى ومقدمات نشرات التلفزيونات اليوم تعطي الدليل الى اين انتهى مشروع عزل سورية والى اين انتهى وسينتهي غراب المختارة واحمق بزمار . حيث صارت وجوههم كالعصفر , من يوم بدأ
الطالباني اول زيارة رسمية لسورية ثم كرت المسبحة لتتوج وتأخذ الامور وضعها الطبيعي في القمة العربية بالرياض اواخر شهر آذار الحالي .