المقاومة الفلسطينية وفضائية الجزيرة في مرمى نيران النائب نجاة أبو بكر !


 
 
 
بقلم: محمد أبو علان
العديد من القيادات الفتحاوية طالبت الرئيس الفلسطيني محمود عباس إقالة وزير الإعلام الفلسطيني في أعقاب تصريحاته حول أحداث غزة الأخيرة، والتي حمل فيها صواريخ المقاومة ومن يطلقونها في غزة مسئولية المجازر والدمار الذي يزرعه الاحتلال في قطاع غزة، واستنكر في ذات الوقت قتل "الأبرياء" من الإسرائيليين في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الإسرائيلية تقصف البشر والحجر والشجر في قطاع غزة، وكان هذا الموقف الفتحاوي على الرغم من شدة الخلاف القائم بين حركة فتح وحركة حماس التي تحكم في قطاع غزة، ولسان حال هؤلاء الفتحاويون يقول عندما يكون الحديث عن الاحتلال ومجازره فنحن شعبٌ واحد، وتصفية الحسابات السياسية الداخلية لا ولن يكون في ظل مجازر الاحتلال وعدوانه غير المتوقف لا في الضفة الغربية ولا في قطاع غزة.
وعلى الرغم من أن الدكتورة نجاة أبو بكر هي من قيادات حركة فتح ومن ممثليها في المجلس التشريعي اختارت أن تقف في الجهة المقابلة لمواقف جزء ليس بقليل من أبناء حركة فتح الذين يرفضون فكرة أن صواريخ المقاومة هي سبب وليست نتيجة لممارسات الاحتلال، واختارت أن تكون في صف وزير الإعلام الفلسطيني المرفوضة مواقفه شعبياً من كل فصائل العمل الوطني وعلى رأسها حركة فتح، ومواقفها هذه جاءت في معرض حديثها عن الحرب التي أعلنتها على قناة الجزيرة الفضائية وفق ما صرحت به لموقع وكالة "قدس نت" الإخبارية، حيث اعتبرت أن صواريخ المقاومة هي التي جلبت الدمار لقطاع غزة من خلال قولها" قناة الجزيرة سلطت الضوء على الصواريخ محلية الصنع التي أضرت ودمرت غزة"، متناسية الدكتورة نجاة أبو بكر أن الطائرات الحربية والمدرعات والزوارق التي قصفت قطاع غزة هي إسرائيلية ويديرونها جنود أرسلوا لارتكاب المجازر وزرع الدمار في قطاع غزة، وليست وحدات عسكرية تحت إدارة المقاومة الفلسطينية، وإن الصواريخ التي تطلقها المقاومة من قطاع غزة هي جزء من الإمكانيات المتواضعة التي تملكها المقاومة للرد على اعتداءات الاحتلال ومجازره في القطاع المحتل، والقذائف الصاروخية التي فتت أجساد الأطفال والشيوخ والنساء في قطاع غزة هي صهيونية وليست صواريخ المقاومة، وهذا النهج الذي تتعاطى به النائب نجاة أبو بكر هو جزء من تيار آخذ بالتبلور على الساحة الفلسطينية يهدف لزرع وتكريس ثقافة عدمية وعبثية المقاومة الفلسطينية.
وبعد صواريخ المقاومة كانت قناة الجزيرة الفضائية هدف آخر لحربٍ أعلنتها النائب نجاة أبو بكر على هذه الفضائية على اعتبار أن هذه القناة الفضائية تهاجم حركة فتح وقيادتها منذ عشر سنوات، وتسلط الضوء على الزوايا المظلمة أو بعض العثرات التي تعرضت لها حركة فتح والتي سببها الاحتلال، وتابعت القول " كان ينبغي على الجزيرة أن تلعب دورا ايجابيا خاصة فيما يتعلق بتوحيد شعبنا، لكنها تعمدت إغفال الأصوات الفلسطينية التي تنادي بالوحدة وتركز على كل ما من شأنه زيادة الخلافات الفلسطينية"، وهنا لا أريد أن آخذ موقع المدافع عن قناة الجزيرة التي احترمها وأقدر لها جهودها الإعلامية في كشف ونشر جرائم الاحتلال اليومية في فلسطين عامةً، وفي قطاع غزة خاصةً، ولكن قبل الحديث عن قناة الجزيرة الفضائية كان الأحرى بأن تكون الوجه لتقيم الإعلام الرسمي الفلسطيني وبعض الصحف المحلية التي باتت أشبه بمراكز تعبئة ضد كل ما يمت للوحدة الوحدة بصلة، إما عبر برامج تلفزيونية، أو برامج إذاعية، أو بأقلام بعض كتاب الأعمدة الذين سخروا أقلامهم لتكريس الفرقة والاستقطاب في الشارع الفلسطيني، وبالتالي لم تصبح وسائل إعلام حماس وحيده في مجال بث الفرقة والانقسام بل وجدت لها شركاء ولكن في الاتجاه المعاكس.
أما موضوع أن تلعب الجزيرة دوراً ايجابياً فيما يتعلق بوحدة شعبنا، علينا نحن أن نجيب على سؤال واحد وهو ماذا فعلت قيادانتا السياسية ومن كافة الأطياف، وماذا فعلنا نحن في الشارع الفلسطيني لتحقيق وحدة شعبنا قبل أن نطلب ذلك من قناة الجزيرة؟، والإجابة واضحة على الأرض، فغير شعارات الاستقطاب الثنائي بين حركتي فتح وحماس، وشعارات تنم عن عجز وفشل تيارات اليسار الفلسطيني في رأب الصدع الداخلي لن نجد إجابة على تساؤلنا هذا، فالجزيرة قناة فضائية تبحث عن الحدث بتفاصيله الحلوة منه والمرة، ولا يمكننا مطالبة قناة الجزيرة بأن تكون ناطقة باسم الشعب الفلسطيني، وأن لا تظهر غير النصف المليء من الكأس في واقعه السياسي، فهناك جزء آخر من الكأس فارغاً والذي يمثل ما دار على الساحة الفلسطينية من اقتتال داخلي وسفك للدماء بين حركتي فتح وحماس راح ضحيته المئات من أبناء الشعب الفلسطيني، فكيفما عرضت الفضائيات تفاصيل هذه الحرب الداخلية لن تستطيع إخفاء درجة بشاعتها وهمجية من نفوذها.
أما عن تجاهل قناة الجزيرة لنضال كتائب شهداء الأقصى فهذا كلام غير دقيق، فعندما كانت كتائب شهداء الأقصى في قلب الحدث والمقاومة كانت الجزيرة تنقل أخبارها، وبياناتها الإعلامية بأدق التفاصيل، ولكن بعد التزمت كتائب شهداء الأقصى بالتهدئة وسلمت سلاحها ضمن خطة الإعفاء عن المطلوبين منها لم تعد في مركز الحدث، والكلام عن تجاهل نضالات كتائب شهداء الأقصى يفترض أن يوجه لمن سعوا وبكل جهودهم لتحييد هذا الجناح المسلح لحركة فتح والذي كان له الباع الطويل في مواجهة الاحتلال طوال سنوات الانتفاضة، وقدم خيرة قادته شهداء ومعتقلين وجرحى في هذه الانتفاضة لصالح عملية سياسية يكتنفها الغموض وعدم الوضوح، ولن تفضي لشيء عما قريب.
أما أن تتهم الجزيرة بتجاهل دور المرأة الفلسطينية في النضال الوطني فباعتقادي هذا ظلم وتجني ما بعده ظلم وتجني، وهذا الاتهام كان يفترض بالنائب نجاة أبو بكر أن توجهه لفصائل العمل الوطني والإسلامي، ولكافة مؤسسات الشعب الفلسطيني، كون هذه المؤسسات هي التي حرمت المرأة الفلسطينية من حقوقها ودورها الريادي في المجتمع، فكم عدد النساء في اللجان المركزية والمكاتب السياسية لتنظيماتنا السياسية؟، وكم هو عدد النساء في مواقع اتخاذ القرار في مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية؟، وفي مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية؟، وكم عدد النساء في المجلس التشريعي الفلسطيني؟، فإن كان عددهن في هذه المواقع يتناسب مع حجمهن ودورهن النضالي في المجتمع الفلسطيني عندها نستطيع أن نتهم الجزيرة وغيرها بأنها تتجاهل دور المرأة الفلسطينية، أما إن كان الجواب بغير ذلك فعلينا البحث بين ظهرانينا عن سبب تجاهل لا بل إلغاء دور المرأة الفلسطينية في مجتمعها، ولولا أن قانون الانتخابات العامة ضمن للمرأة الفلسطينية مواقع في القوائم الانتخابية لما تمكنت الكثيرات منهن الوصول للمجلس التشريعي الحالي، وحتى موضوع ألكوته النسائية تعاملت معه القوائم الانتخابية وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية بالحد الأدنى وبما يطلبه القانون فقط دون زيادة أو نقصان، فكيف نلقي بهذا الاتهام على فضائية الجزيرة وقوانا الوطنية والإسلامية هي الضالعة به ومنذ عقود.
بالتالي سعي بعض الأشخاص أو حتى بعض الجهات الداخلية على الساحة الفلسطينية بتحميل جهات أخرى لمسئولية ما يجري على الساحة الفلسطينية أو حتى إشراكها بالمسئولية أمر غير منطقي ولا يمت للواقع بصله، فعلاج الداء يتطلب التشخيص السليم له وإلا سيستفحل لدرجة يصعب بعدها العلاج، وقناة الجزيرة الفضائية ومراسليها في فلسطين يستحقون التقدير والاحترام على جهودهما الإعلامية في كشف حجم وتفاصيل الجرائم الصهيونية في فلسطين، وكافة جرائم الاحتلال أينما كان في العراق وأفغانستان كذلك، ولا تستحق أن يعلن عليها الحرب، وحتى إن أعلنت هذه الحرب عليها لن تنجح، فالولايات وبريطانيا أعلنا عليها الحرب منذ سنوات، وقتلت مراسلها في العراق، وسجنت مراسلها في اسبانيا، واعتقلت مصورها في أفغانستان، ورغم كل ذلك بقيت الجزيرة ورحل بلير وسيرحل قريباً من بعده بوش، فالبقاء للأصلح بكل تأكيد.
وفي المقابل هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن يقوم بها أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني على المستوى الداخلي لرأب الصدع الفلسطيني على الرغم من تعطل وشلل المجلس التشريعي، فهم ممثلون لكل الشعب وليس لتنظيم بعينه، ولكن من الواضح أن كافة أعضاء المجلس التشريعي ومن كل الأطياف السياسية اختاروا طريقين لا ثالث لهما، إما السير في طريق الاستقطاب أو في طريق الصمت والحياد، وكلا الطريقتين لن يوصلنا لبر الأمان، لا بل لمزيد من التشرذم والانقسام.