د. أسامه أبو نحل*
بعد أيام قلائل وبالتحديد يوم 16 آذار، سوف تهلّ علينا الذكرى الخامسة لمقتل المناضلة الأمريكية راشيل كوري، تلك الفتاة التي نذرت نفسها من أجل حرية الشعب الفلسطيني، ومساندته ضد قوى الطغيان والتجبر. ففي 16 آذار من عام 2003م، وقفت هذه الفتاة البريئة أمام جرّافة إسرائيلية، محاولة منعها من إكمال هدم الكثير من بيوت الفلسطينيين المغلوبين على أمرهم، والذين كان ذنبهم أنهم يعيشون على الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة. لقد وقفت بكل شجاعة وتحدٍ أمام عربدة الجرّافات التي كانت تمسح بيوت الآمنين وتسويها بالأرض في مدينة رفح الفلسطينية، وقد حاولت بجسدها النحيل أن توقف الجرّافة عن إتمام مهمتها الشيطانية، غير أن سائق هذه الجرّافة أبى إلاَّ أن يضع حداً لتحديها لعنجهية الجنود الإسرائيليين، فدهسها وفاضت روحها إلى بارئها وهي في مقتبل عمرها وريعان شبابها عن 23 عاماً.
راشيل كوري ابنة حي أوليمبيا بواشنطن، والناشطة في حقل مناصرة قضايا السلام، ومناصرة الشعوب المغلوبة على أمرها، لم تأبه للمتغيرات الدولية بعد أحداث 11/9/2001م، وما تبعها من اعتبار المقاومة الفلسطينية عملاً إرهابياً، يتوجّب مناهضته، فأخذت على عاتقها وعاتق غيرها من الناشطين الأجانب، ضرورة حماية الشعب الفلسطيني، ومنع هدم منازله.
وبعد، وفي الذكرى الخامسة لمقتلها عن سابق إصرار وترصّد كما يقول أهل القانون، هل ما زال الشعب الفلسطيني يتذكّر هذه الفتاة التي وهبت نفسها من أجله، هل يقوم هذا الشعب بواجبه الإنساني نحوها بإحياء ذكراها بصورةٍ رسمية وشعبية ؟. للأسف الغالبية نسى هذه الذكرى، رغم أنها تصب في الصالح العام الفلسطيني، وكان بالإمكان تجيير هذه المناسبة لنبين للعالم مدى القهر الذي نتعرض له، وأننا لسنا وحدنا في الميدان وأن الشرفاء والأحرار في العالم يقفون مع عدالة قضيتنا، ولكن على ما يبدو فإن أُفقنا ما زال ضيقاً، لا نهتم إلاَّ بالمسائل الثانوية، والتي لا تجلب علينا سوى المنغصات.
كان حريٌ بنا أن نقدّر جهود راشيل كوري على أقل تقدير بتسمية أحد الشوارع المهمة في قطاع غزة أو الضفة الغربية باسمها، لكي يبقى هذا الاسم نبراساً لنا كفلسطينيين نهتدي به إذا حِدنا عن البوصلة الوطنية، وكذلك لكي يبقى علماً للمجموعة الدولية حتى يعرف القاصي والداني أن لنا مناصرون يهتمون بنا وبحقوقنا، ويقدمون حياتهم من أجل نصرة قضيتنا، حتى من بين الأمريكيين أنفسهم، كما فعلت المغدورة راشيل كوري، ولربما تغار منها الشعوب العربية، فتتحرك فيها النخوة لنصرة أشقائهم الفلسطينيين.
وختاماً آمل أن تكون هذه الكلمات البسيطة، جرس إنذار للمسئولين الفلسطينيين ولأبناء الشعب الفلسطيني، بأن يعيدوا إحياء هذه المناسبة لِما فيها من مصلحةٍ وطنية وإنسانية، سوف تخدم قضيتنا في المستقبل.
* الأستاذ المشارك في التاريخ الحديث والمعاصر
جامعة الأزهر - غزة