الأردن ومصر والسعودية ترهن مستوىتمثيلها بقمة دمشق بانتخاب رئيس لبناني


 

شاكر الجوهري
هل أخطأت سوريا في الإصرار على تمديد ولاية الرئيس اللبناني السابق أميل لحود لمدة سنتين..؟
تكمن أهمية طرح السؤال في هذا التوقيت الآن بارتباطه بالسؤال الأكثر خطورة منه، والمترتب عليه: هل تكون قمة دمشق آخر القمم العربية المنتظمة..؟
للتذكير، قبل العام 2001، حين انعقدت قمة عمان، كان هناك اصرار من قبل بعض العواصم العربية على عدم انتظام انعقاد مؤتمرات القمة العربية.
تجلت هذه الظاهرة "التعطيلية" خصوصا أثناء سنوات الحرب العراقية ـ الإيرانية الثمان، واعقبتها..وبلغ الأمر بالعاهل المغربي السابق الملك الحسن الثاني حد الدعوة ذات مرة إلى قمة عربية بمن حضر، بهدف اتخاذ القمة العربية قرارا صارما لصالح العراق بمواجهة الإصرار الإيراني على استمرار الحرب.
لا نريد أن نستحضر الآن منغصات قومية من ذلك الطراز الذي انبثق عن خلافات عربية ـ عربية اراد بعض اطرافها الحيلولة دون اتخاذ موقف عربي جمعي لصالح العراق بمواجة ايران..ثم ارادت اطراف عربية أخرى بعد عام 1990 الحيلولة دون اتخاذ موقف عربي جمعي لصالح العراق في مواجهة الحصار والعدوانية الأميركية ـ الإسرائيلية فيما بعد. فتلك صفحة يفترض أن تكون قد طويت مع انعقاد قمة عمان، التي دشن انعقادها مرحلة جديدة من انتظام انعقاد مؤتمرات القمة العربية.
لقد تبادلت الأطراف العربية الدور التعطيلي لمؤتمرات القمة على مدى زمني قارب العقدين من الزمن على نحو ألحق أفدح الأضرار بالمصالح القومية للأمة كلها.
وقد آن الأوان لأن نقول كفى لهذا التعطيل وما ينتجه من أضرار. ونريد أن يتوقف ازدواج تلك المنغصات من جديد، وهي التي أدت إلى عقد أكثر من قمة عربية طارئة واستثنائية، وغير عادية في مرحلة أواخر التسعينيات، من أجل حصر جدول اعمال تلك القمم بما انعقدت من أجله من قضايا..مع أن الأصل هو أن مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة يكون سيد نفسه لجهة جدول الأعمال الذي يقرر مناقشته، حتى حين يخفق وزراء الخارجية في الإتفاق على جدول اعمال مقترح.
عدم استحضار المنغصات القومية يهدف في المقام الأول إلى عدم وضع اسلحة في يد الذين يريدون تعطيل عقد قمة دمشق..ما دام الهم القومي يجب أن يظل في مقدمة الإهتمامات العربية.
وبشكل أكثر تحديدا، فإن هذا الهدف يضع في اعتباره أن الأغلبية البرلمانية في لبنان، والحكومة التي تنبثق عنها برئاسة فؤاد السنيورة، دونما حاجة لأي اشارة إلى ما ورد مؤخرا على لسان ضابط موساد اسرائيلي سابق، تعمل على تعطيل عقد قمة دمشق لأسباب تتصل بحسابات ومصالح سياسية ليست بالضرورة عربية.
الجهات الدولية، وفي مقدمتها اميركا وفرنسا واسرائيل، التي تعمل على تعطيل الحلول التوافقية في لبنان..هي ذاتها التي تعمل على تعطيل عقد القمة العربية في دمشق.
ماذا لو كان أميل لحود لا يزال رئيسا للبنان..؟
هل كان سيعمل على تعطيل القمة العربية..؟!
بالقطع لا.
فالرجل الذي مثل انموذجا للسلوك العروبي اللبناني، مثل ذروته الدعم العلني للمقاومة اللبنانية  بقيادة حزب الله في مواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان تموز/يوليو 2006، لا يمكن أن يعمل على تعطيل قمة دمشق..العاصمة التي قدمت كل الدعم اللوجستي الممكن لتحقيق الإنتصار العربي الذي لطالما اشتاق له العرب على اسرائيل، وإيصال الدعم التسليحي الإيراني للمقاومين اللبنانيين، بغض النظر عن أية حسابات سياسية لهذا الطرف أو ذاك.
هنا بالذات تكمن أهمية التجديد الذي تم لولاية الرئيس اللبناني السابق.
التمديد أجل توقيت مواجهة أكثر سخونة مع سوريا.
وهنا أيضا تكمن "الحسبة" السورية التي ترفض التدخل في الشأن اللبناني لصالح تعجيل انتخاب رئيس لبناني جديد لسببين:
الأول: تناقض المنادين بالتدخل السوري في الشأن اللبناني مع انفسهم..فهم يطالبون سوريا بعدم التدخل في لبنان حين يكون التدخل السوري في خدمة استراتيجية دمشق المبنية على رؤيتها للمصالح القومية العربية..ويطالبونها في ذات الوقت بالتدخل في لبنان لصالح الإستراتيجية الأميركية ـ الإسرائيلية..!
الثاني: استحالة تدخل سوريا في لبنان لصالح الإستراتيجية المعادية لمصالحها.
للتذكير سبق لسوريا أن شاركت في قوات التحالف الثلاثيني الذي تولى اخراج القوات العراقية من الكويت سنة 1991 فكان أن اعتبرها الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب في عداد المهزومين في تلك الحرب، وعليه لا يجوز لها المطالبة بالإنسحاب الإسرائيلي من الجولان بالرغم من الوعد الذي يقال إنها تلقته منه بذلك قبل بدء العمليات العسكرية.
آخر خدعة اميركية تعرضت لها دمشق هي اشتراكها في مؤتمر أنا بوليس الأخير، الذي اعقبه فورا تصعيد كبير في الضغوط الأميركية عليها..وها هي واشنطن تقرر الآن تصعيد العقوبات التي تفرضها على سوريا..!
التجاوب مع المطالب الأميركية إذا لا ثمن له، بل رفع لسقف العداء الأميركي لا غير.
الآن، وبعد فقط اسابيع قليلة من انعقاد مؤتمر أنا بوليس، هنالك من العرب من يعمل على ربط عقد القمة العربية في دمشق بخطوة سورية تؤدي إلى انتخاب رئيس لبناني معاد لسوريا..!
المسألة تخرج عن نطاق التحليل إلى نطاق المعلومة..!
الموقف المصري كاد أن ينطق بذلك مؤخرا..لسان حاله يقول لا قمة عربية دون مشاركة رئيس لبناني فيها..!
ذات الموقف تتبناه الآن السعودية والأردن، وإن بدرجات متفاوتة.
السعودية تجاوبا مع مطالب حلفائها السنة (تيار المستقبل) والموارنة (سمير جعجع وأمين الجميل) والدروز (وليد جنبلاط) في لبنان.
والأردن خشية العودة مجددا إلى تعطيل انتظام انعقاد القمم العربية.
أما مصر فلأنها ترفض أي دور اقليمي لا تكون هي صاحبته، ونزولا عند الضغوط الأميركية التي تحولت مؤخرا من الضط السياسي إلى التلويح بخفض سقف المساعدات الأميركية البالغة 2ر2 مليار دولار سنويا.
لكن سوريا لا تستطيع التدخل في لبنان للأسباب المشار إليها، وهي اسباب استراتيجية أين منها القيمة الرمزية المعنوية لانعقاد القمة العربية في ضيافتها..!
دمشق تأخذ هنا بالإعتبار أن تدخلها لصالح انتخاب رئيس لبناني معاد لها، وعلى شاكلة الأغلبية البرلمانية التي ستنتخبه لجهة التحالف مع واشنطن، سيؤدي إلى توظيف شرعية هذا الرئيس من أجل تصعيد الحملات والتآمر عليها عبر فتح جبهة ضدها في لبنان، وتوظيف "المحكمة ذات الطابع الدولي" لابتزاز تنازلات استراتيجية منها على حساب عروبة الجولان المحتل..!
الضغوط، كما المواقف العربية، والمعني هنا مواقف دول الإعتدال العربي ليست متطابقة لجهة التعامل مع سوريا، وعلى نحو بات يهدد حقيقة بحدوث انقسامات في صفوف هذا الإعتدال والدول التي تمثله.
غير أن الموقف الأردني يبدو مختلفا بما يكفي لهذه الجهة، فهو يعتقد أن انتظام عقد مؤتمرات القمة العربية أمر حيوي يجب عدم التراجع عنه، خاصة وأن تعطيل قمة دمشق قد يؤدي إلى توسعة شرخ كبير في العلاقات العربية ـ العربية، ربما تؤدي تفاعلاته إلى الحاق أذى بليغ بوحدة الموقف العربي، وتصعيد خطير بمواجهة التعنت الإسرائيلي قد يؤدي إلى تهديد معاهدة السلام الأردنية ـ الإسرائيلية بأخطار، الأردن ليس مستعدا لها..!
لذا، تكشف مصادر اردنية موثوقة عن أن الزيارة الأخيرة التي قام بها العاهل الأردني لمصر هدفت اساسا إلى اقناع القاهرة بضرورة انعقاد قمة دمشق في موعدها.
في كل الأحوال، وحتى في حالة انعقاد القمة في زمانها ومكانها المقررين، فإن الضرر قد لحق بالفعل بالمصلحة العربية العليا، ما دام جدول اعمال القمة الذي كان مقررا أن يركز على نتائج الحراك الدبلوماسي الذي قامت به لجنة المتابعة المنبثقة عن وزراء الخارجية العرب بعد قمة الرياض، التي جددت تبني المبادرة العربية للسلام، أصبح سيركز الآن على الملف اللبناني، معفيا بذلك اميركا واسرائيل من تبعات عدم التجاوب مع المبادرة العربية والقائمين عليها..!!