
تتصاعد قضية الاطفال المشردين في العراق يوما بعد اخر مع تدهور الوضعين الامني والاقتصادي، مما يعرض هؤلاء الاطفال الى مخاطر كبيرة سواء، باضطرارهم للعمل في مهن صعبة او باستغلالهم من بعض العصابات في عمليات الاحتيال والسلب والنهب، وقيام بعضها الاخر باغتصاب اولئك الاطفال وتحويلهم الى رقيق ابيض.
وتؤكد مصادر عراقية ان الاف الاطفال اصبحوا مشردين في شوارع بغداد ومدنها، وقد ضاقت بهم سبل العيش بسبب الاوضاع المتردية لعائلاتهم، فازداد عددهم في الاونة الاخيرة في الشوارع وقرب فنادق الدرجة الاولى وقرب الاشارات الضوئية ، اذ تدفع بعض العوائل الفقيرة ابناءها للعمل في الشارع.
واجمل مختصون اجتماعيون اسباب هذه الظاهرة بالتفكك الاسري او بالطلاق والهجر والانفصال والمشاحنات العائلية المستمرة بين الوالدين ، ومنها ما يتعلق بانتشار البطالة والتسرب من المدارس .
الشارع بيتي الوحيد
امجد صبحي الذي لم يتجاوز الحادية عشرة من العمر لم يدخل المدرسة، وجدناه مع ثلاثة يشمون بقطعة قماش مغمسة بمادة (الثنر) اخبرنا قائلا: انا لا اعرف ابي ولم اشاهده طول حياتي، انه (مصري) تزوج بامي وسافر ولم يعد، وبعدها تزوجت امي برجل عراقي رفض ان اعيش معهما ، فاصبح الشارع ماواي الوحيد، ومنذ ذلك الحين وانا اعمل شحاذا واقتات على لفة فلافل وقليل من التمن والمرق وعند انتهائي من العمل في الشارع ،اشتري انا ورفاقي علبة "السيكوتين والثنر" نشم فيها كي نسكر حتى ننام.. وخلال هذه الفترة لم تذكرني امي، ولم اعد انا ارغب برؤيتها لانها لم تفكر بي يوما، ولم تتفقدني اوتبحث عني.
اما عدي البالغ من العمر تسع سنوات فقال .. عندما فقدت والدي لم اجد من يحميني ويرعاني، ففي بداية الامر بدات بالتصرف على راحتي، فرحت اتعاطى الحبوب المخدرة واشرب الخمر واتسكع في الشوارع واتعمد ايذاء نفسي بالآلات الجارحة التي احملها عادة في جيوبي ولا اشعر باي شيء لانني تحت التخدير (السكر).
اما الطفل طلال فهو ومع ثلاثة اطفال في سن العاشرة يتخذون من تقاطع الشوارع مكانا لممارسة مهنة التسول ويقول: هناك من ينتظرنا ندفع له مبلغا من المال يوميا مقابل ان يوفر لنا المبيت والطعام، اما الملابس فنشتريها من البالات.
الخلافات العائلية وراء تشردهما
كثيرة هي المعاناة التي تواجه العائلة العراقية في الظروف الصعبة الملازمة لها كظل لا يفارقها، وربما لا يشعر البعض من الناس بل لا يتصوروا ان هناك اناس ينامون فوق ازبال الشوارع وهناك من ياكل خبزا يابسا وهناك عوائل مشردة تنتظر من يلتفت اليها !!
رائد وحنين كانا ضحية عائلة انفصلت عن بعضها ..الاب تزوج من امراة اخرى وقذف برائد وحنين الى امهم التي تزوجت هي ايضا من رجل اخر فاشترط عليها ان لا يعيش طفلاها معها ،فلم يعد امامهما سوى الشارع والتسول .. تقول حنين البالغة من العمر (9 ) اعوام: لم يقبل لا ابي ولا امي ان اعيش معهما ولم تكن حياتنا طيبة معهما حينما كنا اسرة، فكانت امي هي من تتسبب بالمشاكل مع ابي الذي كان مخمورا على مدار الساعة وفي الختام كان الطلاق هو الخيار الاخير، اما نحن فكما تشاهدون نمد يدنا الى اصحاب المركبات كي نسد رمقنا من الجوع وفي المساء ننام في احدى الساحات .
ورنيش وتسول وعصابات اجرامية
اطفال يهربون من دور الدولة ومن المعاهد الحكومية بسبب انجرافهم الى واقع الهاوية ابراهيم البالغ من العمر عشر سنوات مع مجموعة من اصدقائة في حديقة مهملة على امتداد شارع ابو نؤاس يشتركون بقدر مملوء بالوارنيش اشتروه من محل في منطقة البتاويين حيث يغمس واحد بعد الاخر خرقة في السائل ثم يقومون باستنشاقه وبعد ذلك مباشرة ياخذون بالهذيان ويبدو انهم يدخلون في عالم اخر على الرغم من ان بعض اصدقاء ابراهيم يتسولون وقد اختار هو العمل مع عصابه يقودها (احمد الواوي) في البتاويين ويقول ان العصابة تستخدمه لتلبية حاجات افرادها اليومية مقابل مكان ينام فيه ويشاهد قنوات التلفاز الفضائيه ويقول ابراهيم يعطيني ( احمد الواوي) ما لا يستطيع ملجا الرحمة ان يقدمه لي ان هذه الحياة افضل من الملجا الذي لن اعود اليه مهما حدث لانني اتمتع هنا بالحرية .
وفي مدينة الصدر كان باقر ابو جاسم مدير ملجأ الرحمة للاطفال المشردين يجلس في غرفة صغيرة تلاشى الطلاء من سقفها وكانت النافذة الوحيدة في الغرفه مغطاة بالنايلون بدل الزجاج يقول : كان الاطفال في زمن صدام يتعرضون للضرب والاغتصاب على ايدي الحراس والمعلمين في الملجأ وكان احد المعلمين ياخذ الفتيات الجميلات الى مدينه الفلوجة للعمل في قصر عدي صدام حسين.
ويضيف انه وعلى الرغم من ان معظم افراد الملاك قد استبدلوا ، الا ان (86) فقط من الاطفال عادوا والاخرين هربوا بعد مداهمة العصابات للمكان ،ومثل العديد من المعاهد العامة في مدينة الصدر فان ملجأ الرحمة يحظى الان بحماية الجامع في المنطقة.
وتدافع سهام حسن (19) عاما عن المعهد الذي تعيش فيه منذ ان كان عمرها اربع سنوات قائلة : ان الوضع هنا في المعهد لا يختلف كثيرا عن الحياة في عائلة محافظة عادية فعموما لا يمكن للمراة العراقية مغادرة منزلها دون موافقة ابيها وامها وهذا ما يحصل هنا، وتتوقع سهام ان تعيش في الملجا حتى يحين زواجها.
عوامل مختلفة وراء هذه الظاهرة
ظاهرة الاطفال المشردين باتت من الظواهر الخطيرة في العراق،كون بعض العصابات اخذت تستغل هؤلاء الاطفال في التسول وربما بالاعمال الاجرامية، عاصم عزيز وهو احد المسؤولين عن مؤسسة دار الرحمة لايواء الاطفال تحدث عن الاسباب التي تدفع الاطفال الى هذا المصير المجهول قائلا: ان الاطفال الذين ينتمون لعائلات مفككة بسبب وفاة احد الابوين اوكلاهما او الطلاق والانفصال اضف الى ذلك سوء الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية كلها عوامل تؤدي بالاطفال الى هذا المنزلق الخطير.
وعن دور المؤسسة التي يعمل بها في ايواء الاطفال المشردين يوضح عزيز ان الدار تحتضن عددا لا باس به من الاطفال الذي تستلمهم من قبل مفارز الشرطة لكنها في الوقت نفسه لا تستوعب كل الاطفال المشردين الموجودين في الشوارع وعليه يجب العمل على ايجاد مؤسسات اخرى تعنى بهذا الجانب الانساني والوطني سواء كانت حكومية او غير حكومية لرفد هذا العمل النبيل على حد تعبيره.