الرياض بدأت سياسة ميدانية؟


شكل التحذير غير المسبوق الذي أطلقته المملكة العربية السعودية لرعاياها بعدم السفر إلى لبنان، إشارة للمراقبين بنذير شؤم غير واضح المعالم، وإن كانت مؤشراته واضحة منذ عام على الأقل وتبدو الآن بعد اغتيال القائد في حزب اللـه عماد مغنية أكثر صلابة. وبحسب تقديرات محللين ودبلوماسيين غربيين وعرب فإن ملامح أكثر حدة ربما بدأت ترسم للوضع الإقليمي، وللوضع العربي عموماً.

وتأتي هذه التقديرات مرتبطة بجملة عوامل، منها الجولة الدبلوماسية التي قام بها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إلى كل من لندن وبرلين وباريس وموسكو وواشنطن، ومن ثم اغتيال الحاج عماد مغنية، إلى زيارة كل من رئيسي وزراء الكويت والإمارات سورية، والإشارات القادمة من العواصم العربية تجاه قمة دمشق.

إلا أن جولة الفيصل قد تكون المؤشر الأبرز في هذا السياق، وذلك وفقاً لمعلومات مصادر دبلوماسية غربية تقول لـ«الوطن»: إنها سعت أساساً «لمحاولة تشجيع هذه الدول على العمل لإعادة الموضوع اللبناني إلى مجلس الأمن، والعمل لإصدار قرار دولي يدعو للانتخابات الرئاسية اللبنانية فوراً» و«يحمل سورية مسؤولية تعطيلها» وفق ما شرحت مصادر دبلوماسية غربية لـ«الوطن» سبق للفيصل أن زار دولها.

واستبعدت المصادر «تمكن الفيصل من تحقيق هذا الأمر» لأسباب عديدة «بينها صعوبة تحقيق الإجماع الدولي حول صياغة جامعة، ولكونه يتطلب مخالفة صريحة لقرار سابق في مجلس الأمن (1559) حيال تعديل الدستور، إضافة لانعدام إمكانية تطبيقه عملياً».

إلا أن المصادر لم تستبعد أن تكون إمكانية تطبيق عقوبات أحادية الجانب من قبل بعض الدول على سورية والحض على تعزيز العزلة تجاهها أقوى احتمالاً، وإن ظلت هذه المصادر تشكك في إمكانية أن «تكتمل الدائرة حول دمشق، لأن دولاً كثيرة لا تؤمن بعزل سورية، وبعضها الآخر يرفض بشدة». وفي هذا السياق ترى مصادر دبلوماسية عربية أن المملكة بإنذارها أمس الأول لرعاياها في لبنان، والذي جاء مفاجئاً خصوصاً، وأنها لم تفعل ما يشبه ذلك حتى في أكثر الأوقات توتراً على الصعيد اللبناني، «ربما تشير إلى بدء مرحلة جديدة من التوتر» يشكل «هذا الإعلان فيها علامة فارقة، وربما على رغبتها في التدخل الميداني بالأزمة اللبنانية». وبحسب هذا التحليل فإن ثمة مؤشرات كثيرة على اختلاف الدور السعودي الراهن عما كان عليه سابقاً (قبل العام 2001) معتبرة أن هجمات الحادي عشر من أيلول وعودة الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان إلى «البيت» حركتا السياسة السعودية في اتجاهات مختلفة عن السابق. ولذا فإن الدور السعودي «يميل الآن إلى التدخل ميدانياً على الصعد كافة الأمنية والدبلوماسية والإعلامية بعد أن كان دبلوماسياً محافظاً» وذلك بهدف «إضعاف القوى المحيطة إقليمياً»، وقد نجح إلى حد كبير في تحييد المصريين، ويطبق سياسة مشابهة تجاه سورية وإيران. وحددت عوامل مختلفة هذا التوجه، وتتمثل في الصراع الداخلي بين تيارات الحكم داخل العائلة المالكة، بما يعنيه ذلك من بروز تيار بندر (القادم من واشنطن) وتوليه حقيبة الاستخبارات، وثالثاً تأثيرات الحادي عشر من أيلول وانعكاساتها البعيدة المدى سواء على صعيد صورة السعودية الدولية وتحديداً في الولايات المتحدة الأميركية، أم على صعيد وضع المجتمع السعودي الداخلي والالتفاف حول الفكر السلفي القبلي. ورابعاً تأتي الحالة الإيرانية وتخوف المملكة من طموحات إيران في المنطقة وتأثيرها على الأقليات الشيعية في الخليج العربي. وفي هذا السياق يميل هذا الرأي إلى الاعتقاد بأن احتمالات المواجهة سترتفع، الأمر الذي يعني بأن حالة الانقسام العربي قد تكون إلى توسع، خصوصاً في ظل تباعد الإستراتيجيات القائم حالياً. وهي حالة ستحملها ريح الأيام للقمة العربية، التي ربما يكون أبرز ما فيها هو حالة الوضوح في الاصطفاف القادم.