كما توقعت مسبقاً و كما حصل قبل عامين مع نفس المقال .. جاءت ردود بعض السادة القراء لتعبر عن كل كلمة كتبتها في الجزء الأول من المقال عن طريقة تفكير بعض العرب و المسلمين و طريقة تعاملهم مع الأخر .. و كالعادة لم يناقشني أحد في أي كلمة كتبتها .. لم يقرأ أحداً منهم مقدمة المقال ولم يحاول أن يبذل أدنى مجهود ذهني و يفكر في ما تعنيه وما يربطها بالمقال .. الكل كلف نفسه عناء الكتابة و الرد على المقال ليشتم ويسب الكاتب فقط .. و لا أدري في أي جزء من المقال قد يفهم أي كائن حي يعرف القراءة أنني أسأت للإسلام أو النبي الكريم محمد صلى الله عليه و سلم .. و يتأكد لي مجدداً أننا قد أنهينا عصر الغباء و الحمد لله دخلنا عصر الإستحمار.. و أنه لا داعي من التوجيه ولا إسداء النصيحة حتى .. فأنا و غيري .. نؤذن في مالطة. لمن لا يعرف ديانتي ( أستغرب كيف لم يعرفوا ديانتي إن كان أحدهم قرأ المقال أصلاً ) فأنا مسلم و موحد بالله الذي لا إله إلا هو .. و لا أدري ماعلاقة ديانتي بتوجيه النصيحة .. وهل المسلم لا يتقبل النصيحة من غير المسلمين ؟.. يعني مثلاً لو تاه أحد العرب المسلمين في شوارع الصين و هو يبحث عن عنوان مسجد ما .. أنه لن يسأل شخص صيني بوذي ليرشده على الطريق ؟.. ماعلاقة الديانة بتوجيه المعلومة حتى تسألني عن ديانتي لتقرر إن كنت تقبلها او ترفضها و تسبني في النهاية كالعادة. و مع ذلك لن أتبع ذلك الخيط الواهن في الحوار .. و سأدخل لما أردت كتابته لباقي القراء الذين يؤمنون بأن الله تعالى جل شأنه لم ينسى أن يخلق لنا عقل في لب الرأس ... و أننا معشر البشر قد كرمنا الله على سائر المخلوقات بالعقل .. و لذا وجب علينا طاعة الله في إستخدام هذا العقل كما أمرنا سبحانه و تعالى . فيما يتعلق بردة الفعل على الرسوم المسيئة التي إبتدعها الغرب ليثير عاطفة العرب و المسلمين و ذلك لجرهم لحرب إعلامية دولية مفتوحة لهم فيها الغلبة .. في محاولة منهم لإظهار صورة الإسلام على انه دين معادي للأخر و أنه دين لا يسمح بالحريات و هذه الإسطوانة المشروخة . في هذا الصدد نقول أن هذا الإدعاء المتعلق بالسماح بالحريات مردود عليه بالنص القرآني الذي هو كتاب المسلمين المقدس (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف-29.. و قال ( لكم دينكم و لي دين ) الكافرون-6 .. و في هاتين الآيتين تتجلى أعظم صور الحريات .. بل و ممارسة ما يخالف الدين الإسلامي نفسه إن أراد الإنسان ذلك .. وله مطلق الحرية في أن يعتقد ما يشاء ..و لو أن الإسلام دين يصادر الحريات و لا يتعاطى مع الأخر ماكان سمح لأحد أن يبقى غير مسلم في دولة الإسلام على مر العصور.. و ماكان دفع صلاح الدين الأيوبي سلطان المسلمين من ماله الخاص الجزية عن غير المسلمين لضيق حالهم و كان الأولى به أن يرغمهم على الدخول في الإسلام لكنه لم يفعل.. و نرى أن مصر التي بها أعلى مؤسسة تعليمية إرشادية إسلامية في العالم ( الأزهر الشريف ) نفس مصر بها مقر باباوية البطريركية الكرازة المرقسية في مصر و سائر بلاد المهجر بالرغم من أنها بلد إسلامي .. بل والأكبر من ذلك أن المملكة العربية السعودية التي تمثل الرمز الأكبر للدين الإسلامي في العالم - لما بها من مقدسات إسلامية- تحوي بين أبنائها المسلمين ملايين من المسيحيين و البوذيين و اليهود وعبدة الخشب .. و مع كل ذلك لا يستطيع مسلم أن يعيش في دولة الفاتيكان التي هي رمز المسيحية في العالم .. ولا يستطيع مسلم أن يحصل على الجنسية الإسرائيلية – إسرائيل هي رمز اليهودية في العالم - جنسية كاملة أي يتساوى مع اليهودي في الحقوق و الواجبات .. أي أن الإسلام يمنح الحرية في أخطر المسائل و أكبرها على الإطلاق و هي العقيدة .. في حين أن الغرب نفسه يصادر تلك الحرية .. فهل بعد ذلك نقول أن الإسلام معادي للحريات ؟؟ الحمد لله أننا مازلنا بعقولنا و لن نقولها أبداً . أما ما صدر من المسلمين في العالم ( برغم إختلافي الكامل معه ) إلا أنه أمر طبيعي على ما بدر من الغرب .. لأن الغرب لم يستخدم حرية التعبير حينما نشر هذه البذاءات .. و إنما إستخدم الهمجية و البدائية و الأمية إن صح التعبير .. إن جاءني شخص غير مسلم – و هذا يحدث معي كثيرا – و قد سمع شيئاً مغلوطاً عن الإسلام ليحاورني فيما سمع و يحاول أن يعرف الحقيقة بإسلوب إنساني متحضر حتى و إن كان ما جاءني فيه على النقيض من إيمانه هو .. أحاوره بكل عقل و هدوء و أوضح له حقيقة الإسلام مما سمع و أترك له الحكم في النهاية .. وهذا ما يُعرف بالحرية و إحترام الأخر .. لكن أن يأتيني ساخراً من ديني و رسولي و ربي و يطلب مني أن أكون متحضراً معه .. هنا أقول له عذراً .. أنت لم تسمع عن الحريات ولا عن إحترام الأخر .. فلا تطالبني بهما .. و إن أنت بدأت بالهمجية فتقبل ردة فعلي كما هي مهما بلغت . أسأل دعاة إحترام حرية التعبير في الغرب .. هل محرقة اليهود أمر مقدس لدرجة أن التعرض لها يؤدي لدخول السجن في حين عقيدة بليون و نصف البليون شخص ليست على نفس الدرجة من القداسة ؟؟ هل الفعل البشري مقدس قداسة أكبر من الإيمان الروحاني والعقائدي ؟؟ هل هدم تماثيل بوذا أكثر قداسة من التعرض لشخص نبي مقدس عند ربع سكان الأرض حتى ينتفض العالم للأولى و يعتبر الثانية حرية تعبير؟ هل التعرض لسياسة الصهاينة في محارقهم في غزة أكثر قداسة من التعرض لقدوة كافة المسلمين حتى يعاقب مَن تعرض لتلك السياسات للطرد من منصبه كما حدث مؤخراً في فرنسا ؟؟ بأي مكيال تكيلون يا دعاة الحرية .. بل إسمحوا لي ان أقول لكم بأنكم دعاة للهمجية و لسياسة البقاء للأقوى كما تنص شريعة الغاب. و أقول لكم .. إذا كنتم أنتم تخاطبون الرب بإسلوب دنيوي ساذج يفتقر للإحترام كأن تسخروا منه أو تمازحوه و تشربوا الخمر في صحته .. او تتهجمون عليه في ساعات الغضب .. نظراً لإيمانكم بأن الرب كان بشراً يمشي على الأرض يأكل و يشرب و ينام مثل سائر البشر .. إن كان هذا اسلوبكم مع ربكم فأقول لكم نحن المسلمون نؤمن بأن الله تعالى أكبر من كل شئ فهو الذي خلق كل شئ .. و لذلك حينما نخاطب ربنا لابد لنا من التطهر من قذارة الدنيا فعلاً و قولاً حتى نكون على مستوى الخطاب .. كتاب القرأن الكريم الذي يحوي كلام الله لا يمسه إلا المطهرون .. حينما نذكر نبينا الكريم لابد و أن نكون أكثر تأدباً و ان نكون مهذبين مع أنفسنا و مع سيرته العطرة التي أخرجت البشرية من الظلمات إلى النور .. لابد و أن نحترم نبي الله من فرط حبنا و إحترامنا لله .. و هذا ما يفرض علينا إلتزام الأدب حين الحديث عن أي نبي من أنبياء الله و رسله سلام الله عليهم جميعاً .. نحن لا نذكر إسم أي نبي من دون لقب نبجله به و نرتفع به عن مستوى البشر العاديين .. و أعتقد أن هذا هو الفرق بين المسلم و غير المسلم في فهمه لدينه و رسوله و ربه .. و بالتالي لابد ان يختلف رد فعل المسلم عن غيره إذا ما تعرض أحد لمقدساته .. قبل أن تلوم المسلم على ردة فعله إنظر لنفسك أولاً لترى ما اقترفت من فعل تجاه هذا المسلم أوجب عليه أن يفعل أي شئ لحفظ مقدساته من تهجمك الأعمى هذا .. لا تكن همجياً و تطلب من المسلم ان يكون متحضراً معك . أما جماعة التهجم الجديدة و التي تنطق العربية و تقبض بالدولار و التي ركبت أمواج العداء للإسلام من أجل الحصول على جنسية أو إقامة دائمة في إحدى بلاد تصدير الحريات التي تقتل كل البشر خارج حدودها بدعوى نشر الحريات و الديمقراطيات .. أقول لهم عيب عليكم .. التاريخ يذكر لنا ان اول من يتخلص منهم الغازي هم العملاء و خونة بلادهم و ذويهم .. لأنه يعلم جيداً انك ان بعت ذويك بالمال اليوم فسوف تبيعه هو غداً بالمجان .. و التاريخ لا يحتفظ في ذاكرته بالحثالة .. بل ان التاريخ لا يمجد سوى العظماء و الشرفاء و المقاومين و المستبسلين في الدفاع عن أوطانهم و أهلهم و مبادئهم .. أما الخونة و العملاء فليس لهم سوى حافظة نفايات التاريخ التي تضم المستبدين و الظالمين .. إختاروا مكانكم اليوم حتى يعرفكم أبنائكم و احفادكم في المستقبل و انتم أصحاب الإختيار في ان تلبسوهم ثوب المجد او ثوب الخزي .. إنظروا للماضي القريب لتروا ماذا فعلت حاضنتكم أمريكا مع شاه إيران و مع صدام حسين و مع إيران نفسها اليوم بعدما كانت حليفة و مصدرة للسلاح للعراق و ايران في آن واحد في حربهما الضروس .. إنظروا لأمريكا في تبريرها لإدعائها الكاذب لغزو العراق عن الأسلحة .. كيف بررته .. ألم تلصقه بعميلها المخلص أحمد الجلبي و قالت ان معلوماته كانت مضلله .. لتلقى عارها التاريخي على أحد عملائها الذي لا يساوي في مقدارها دولاراً واحداً ؟ ثم ألم تفضح نفس الولايات المتحدة الأمريكية هذه عملائها من العرب في قائمة الواشنطن بوست منتصف السبعينيات من ملوك و رؤساء دول عربية ؟؟ ألم تلقي امريكا بالمعارضة الليبية في المراحيض بعد أن سلم القذافي برنامجه النووي و تصالح معها ؟ أعتقد ان هذه الأمثلة و غيرها الكثير تجعلكم تفكرون ألف مرة قبل أن تبيعوا أنفسكم لشيطان الحريات الجديدة. و أقول لبعض مقدمي البرامج الحوارية ذائعة الصيت أمثال الدكتور فيصل القاسم .. لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين .. و مع انك على درجة عالية من الثقافة و النضوج الفكري .. و مع علمك المسبق بمن تسمى وفاء سلطان و التي لن اتطرق هنا للحديث عنها لأنها أقل من أن أضيع وقتي في الكتابة عنها .. اقول برغم علمك بتوجهاتها و اسلوبها المستفز المبني على جهل محدق بتفسير القرآن ..إلا إنك قمت بإستضافتها المرة تلو المرة .. و هذه المرة الأخيرة ليس لك فيها عذراً بأن تفرض على جمهورك هذه الكتلة من النفعية و الجهل و الحقد لتلوث أسماعنا بما فهمته هي من القرآن الكريم بعد الغرق في مستنقع الجهل و المصلحة الخاصة .. مع أنها لم تغير حرفاً واحداً مما ذكرته في الحلقتين السابقتين .. هي هي الآيات نفسها التي تكررها و تصر على أن توضح للمشاهد بأنها تجهل تفسير القرآن في تفسيرها و مفهموما للأيتين الكريمتين .. يا دكتور فيصل .. انت لم تعد ملك نفسك .. انت أصبحت شخصية عامة و برنامجك يقوم بجزء من عملية التوجيه للمواطن العربي .. أرجو أن ترتقي بمستوى ضيوفك و أن تنأى بنفسك عن الوقوع في هكذا مهاترات من شأنها أن تضر بك أكثر من الفرقعة الإعلامية . إسمح لي عزيزي القارئ أن أقدم في المقال القادم رأيي الشخصي في عملية الرد على تلك الرسوم و غيرها من إساءات الغرب الموجهة للدين الإسلامي و التي تتزايد يوماً بعد يوم . ماهر ذكي |