السفير:ماذا قال الأسد عن عون.. وكيف تستعد سوريا لاحتمال الحرب؟

يسود شعور بالارتياح والرضى في دمشق، بعدما نجحت القيادة السورية في عبور استحقاق القمة العربية بأقل قدر ممكن من الخسائر وبأقصى قدر متاح من الارباح، قياساً إلى طبيعة الظروف التي أحاطت بالقمة قبيل انعقادها

وإذا كان غياب نصف الزعماء العرب تقريباً والحضور المتواضع لعدد من الدول يصنفان في خانة «الخسائر»، إلا أن جردة حساب موضوعية تبين أن نسبة الأرباح كانت جيدة، كما تدل المؤشرات الآتية:
ـ مبدأ انعقاد القمة في دمشق كان بمثابة «إنجاز مجاني» أهداه المقاطعون والمحرّضون على المقاطعة الى سوريا، بعدما حولت الضغوط الإقليمية والدولية الشديدة، ما هو بديهي، أي حصول القمة في زمانها المحدد، الى مكسب سياسي يحسب لدمشق وحلفائها. 

ـ نجح الرئيس بشار الأسد من خلال كلمته «المدروسة» في إحراج خصومه العرب الذين توقعوا خطاباً نارياً يبرر الموقف السلبي من سوريا ويوفر مادة لاستمرار الهجوم السياسي عليها. 

ـ ظهر سلوك الأسد خلال القمة الأكثر اتزانا وواقعية بين كلمة الرئيس الليبي معمر القذافي، الذي ذهب بعيداً في تعرية النظام الرسمي العربي، وبين مواقف الدول المنكفئة، التي ذهبت بدورها بعيداً في الضغط على سوريا الى حدود امتناع 12زعيماً عربياً تقريباً عن المشاركة في القمة العربية. 

ـ بدا ان غياب بعض الزعماء قد قلص من حجم التناقضات الصارخة التي كانت تنوء تحت ثقلها القمم الأخرى، الأمر الذي جعل أعمال قمة دمشق أكثر سلاسة. 

ولكن حرص القيادة السورية على إدارة غير انفعالية لأعمال القمة، انطلاقا من اعتبارات سياسية وتكتيكية، لا يعني أن الشارع السوري كان يتمتع بالقدرة ذاتها على لجم مشاعره المحتقنة تجاه الدول العربية التي قاطع زعماؤها القمة، ولم يكن صعباً تلمس حالة الغضب الشديد على الغائبين، وفي طليعتهم السعودية ومصر، في الأوساط الإعلامية والشعبية والسياسية، وهناك من راح يهمس صراحة بوجوب ان توقف دمشق تصدير القمح السوري الى إحدى دول الاعتدال العربي عقاباً لها على رفض المشاركة في القمة. 

أما الملف اللبناني، فهو مفتوح على مصراعيه في الشارع السوري كما هي حال جرح العلاقات الثنائية. وكلما اقتربت من مراكز القرار «غاص» الكلام في الأسماء والوقائع المتصلة بـ«ماضي» معظم أعضاء فريق 14 آذار وطبيعة العلاقة التي كانت تربطهم بالمسؤولين السوريين. ويؤكد محدثوك ان بحوزة القيادة السورية «فضائح موصوفة»، موثقة بالصوت والصورة، حول جوانب سياسية وشخصية تتعلق بسلوك الكثيرين من «الموالين» راهناً، خلال حقبة الوجود السوري في لبنان، ولكن جرى الامتناع حتى الآن عن نشر أي منها بناءً على طلب الرئيس الأسد. 

ولكن، عندما يتعلق الأمر بالمعارضة فإن الصورة تختلف، علماً أن دمشق تؤكد بأنها لا ترتبط على سبيل المثال بأي علاقة مع أحد أبرز قادة المعارضة، العماد ميشال عون. وفي هذا الإطار، حصل ان الرئيس بشار الأسد اهتم بمصافحة بعض الشخصيات اللبنانية بعد انتهاء أعمال الجلسة الافتتاحية لأعمال القمة العربية، وحين همّ بالسلام على نائب رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني زياد الشويري، قيل له بأن الأخير هو أيضاً المدير التنفيذي في محطة الـ«أو.تي.في» التابعة للتيار الوطني الحر، فابتسم الأسد وقال له: انقل سلامي الى العماد عون ولو كنا لا نعرفه شخصياً. ثم أضاف الرئيس السوري وهو يضحك: كل ما يصدر عنه ينسبونه الينا، وهذا مغاير للحقيقة، لأننا لا نعرفه... 

أما الحضور اللبناني الأبرز في سوريا فهو حصراً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. ومن يعرف هذا البلد جدياً يدرك أنه ليس من السهل ان تُرفع فيها صور لغير الرئيس الراحل حافظ الأسد والحالي بشار الأسد. وحده نصر الله، خرق هذا العرف وباتت صوره تنتشر في معظم المنازل، بما فيها تلك العائدة الى السُنة والمسيحيين الذين يحظى «السيد» في أوساطهم بشعبية جارفة. 

وحتى الذين لا يهتمون بالشأن السياسي من بين السوريين يبدون عاطفة جياشة تجاه نصرالله، على قاعدة أن المقاومة هي مسألة أخرى لا علاقة لها بالسياسة التقليدية ومتاهاتها، بل إن الكثيرين من غير الملتزمين دينياً يعتبرون أن «السيد» هو رمزهم الاول، بما يمثله كقائد للمقاومة. 

ويهزأ السوريون من مقولة أن حزب الله يتلقى التوجيهات من دمشق، بل إن أحدهم ذهب الى حد القول بأن دمشق هي التي تتلقى التوجيهات من الحزب وليس العكس، مستشهداً في هذا المجال بالمعاملة الخاصة والمميزة التي حظي بها فريق تلفزيون «المنار» الى القمة العربية، حيث كانت الأبواب تفتح أمامه والتسهيلات تقدم له، بعيداً عن التعقيدات الأمنية والإجراءات الإدارية، التي تشتهر بها عادة آليات النظام في سوريا، والتي بلغت ذروتها مع انعقاد القمة العربية. 

في سياق متصل، لا يصعب الاستنتاج بأن انتصار حزب الله في حرب تموز قد أنتج جرعات معنوية زائدة سرت في الجسد السوري وأعطى مفاعيل مختلفة، من بينها تأكيد القريبين من مراكز القرار بأن دمشق ستكون شريكة في أي حرب مقبلة، وبأن الاستعدادات قد أنجزت لخوضها على أساس الاستفادة من الدروس المستقاة من حرب تموز، ومن بينها أن الصواريخ ستؤدي دوراً مركزياً في المواجهة المحتملة. 

وعندما تستفسر من المطلعين في دمشق عما إذا كانت القيادة جادة فعلاً في خوض اي حرب محتملة، ولا سيما انه سبق لإسرائيل ان انتهكت سيادة سوريا مرات عدة خلال السنوات القليلة الماضية وكانت تكتفي في كل مرة بالتأكيد انها سترد في الوقت المناسب... يأتيك الجواب: في السابق، كنا لا نريد أن نُستدرج الى مواجهة يتحكم بتوقيتها العدو الاسرائيلي... لقد أردنا ان نتفادى الفخ الذي كان يُنصب لنا. ولكن إذا شنت إسرائيل اليوم إعتداءً جديداً، فإن الرد السوري سيكون حتمياً بمعزل عن الحسابات السياسية. 

ولئن كانت دمشق تحرص على إبداء التزامها بالمبادرة العربية للسلام، إلا أن السؤال الذي يتردد في أرجائها هذه الايام: متى ستقع الحرب... وليس هل ستقع الحرب؟