بقلـم: محمــد أبــوعلان:
حجم المجازر والدمار في العراق اكبر بكثير مما ترصده عدسات الكاميرا، أو أقلام الكُتاب أو حتى الشهادات الحية والمباشرة لعامة الناس، فكل هذه الوسائل تعجز في رصدها عن مجاراة حجم الدمار الذي يلحقه مئات ألاف الجنود الأمريكيين ومثلهم من العراقيين بالشعب العراقي بكل أطيافه سنةً وشيعه وكلدان وغيرهم.
وبعد كل عملية عسكرية في إحدى المحافظات العراقية يعلق في ذهن المشاهد منا نوع معين من الجرائم يكشف حقيقية ما جاء به الاحتلال الأمريكي للعراق تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي هذا السياق لا زالت صور معركة الفلوجة التي دار رحاها في نيسان 2004 عالقةٌ في ذهن كل منا بما كان فيها من الشهداء من بين الأطفال والنساء والشيوخ، وأبرز ما امتازت به هذه المعركة الإبادة لعائلات بأكملها في هذه المدينة إبان هذه المعركة.
وآخر هذه المعارك كانت معركة البصرة والتي لن تكون الأخيرة حصدت في طريقها مئات العراقيين بين شهيد وجريح ومشرد، وأكثر ما استوقفني في مشاهد هذه المعركة هو أحداث ما بعد المعركة وبالتحديد ذلك الطفل العراقي الذي كان يتصبب عرقاً وهو يحاول جاهداً حفر أحد القبور لمواراة عشرات الجثث التي كانت مسجاة بالقرب منه وهو يساعد في حفر القبور لها.
وهذا الطفل العراقي الذي يحفر القبور قياساً بغيره من العراقيين يعتبر من المحظوظين في العراق المحتل بأنه ما زال فوق الأرض لا في باطنها نتيجة الاحتلال وسلوكه في هذا البلد، فآلاف الأطفال العراقيين سبقوه لباطن الأرض بسنيين، ويبقى السؤال ما هو المستقبل الذي ينتظر مثل هذا الطفل العراقي وأقرانه من الأطفال العراقيين إن قدر لهم العيش؟، هل سيمجدون الديمقراطية الأمريكية، وهل سيصفقون للأمم المتحدة التي صمتت على مشاهد الموت لكل العراقيين بما فيهم الأطفال؟، أم سينادون بالقيم الغربية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الفرد؟،.
وناهيك عن الأطفال العراقيين الذين يسقطون بنار جيش الاحتلال الأمريكي وعملائه من العراقيين، هناك الموت غير المباشر والناتج عن تدني مستويات الرعاية الصحية بسبب الاحتلال وممارساته، فقد أشار تقرير صادر عن منظمة أمريكية وهي منظمة أنقذوا الأطفال أن نسبة الوفيات بين الأطفال العراقيين حتى سن خمس سنوات ارتفعت بنسبة 150% منذ دخول القوات الأمريكية لبغداد.
وفي ظل هذه المعطيات وهذا الواقع الذي يعيشه العراقيين بشكل عام والأطفال بشكل خاص ماذا ينتظر الأمريكيين منهم؟، بكل تأكيد سيكبرون ويكبر معهم الحقد والعداء للولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص ولهذا العالم الغربي بشكل العام، وهذا الحقد والعداء سيعمل على خلق أجيال بكاملها يكون همها الأول والوحيد محاربة الظلم والعداء للشعوب المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية وترسانتها العسكرية، وعندها لا يمكن أن تضمن الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون المواجهات في ساحة المعركة فقط، بل أثبتت التجارب وبين التاريخ أن كل أمريكي عسكري أو مدني يمكن أن يدفع ثمن هذه السياسية الأمريكية العدائية تجاه الشعوب المقهورة بشكل عام، وتجاه عالمنا العربي والإسلامي بشكل خاص، فالاحتلال والظلم إن تحملته الشعوب مؤقتاً لن تصبر عليه إلى الأبد، والتجربة الفيتنامية لا زالت حيه في أذهان الأمريكيين بشكل عام، وفي ذهن جزء من الإدارة الأمريكية الحالية، ومن دون أن تزيل أمريكا عدائها للشعوب المقهورة لا يمكن لهذا العالم أن يشهد الهدوء والاستقرار لعقود طويلة.