الجولان في قلب الوطن :

خالد محمد خالد
ونحن اليوم نعيش ذكرى إعلان الإضراب العام والمفتوح الذي نفذه أهلنا في الجولان السوري المحتل ضد قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي,

ضم الجولان وفرض الهوية الإسرائيلية, فإننا نستذكر وطنياً حراً وقائداً مطاعاً تميز بالحكمة وقام بواجب المسؤولية الملقاة على عاتقه مسجلاً أنصع آيات العزة والفخر والكبرياء, إنه الشيخ المرحوم سلمان طاهر أبو صالح رئيس الهيئة الدينية الروحية لطائفة الموحدين الذي افتقدته الأمة العربية بشكل عام والشعب السوري بشكل خاص الذي توفي يوم 2/2/2008 عن عمر ناهز 94 عاماً.‏

لقد كان موقفه حاسماً ومشرفاً في رفض الهوية الإسرائيلية, كذلك وقف ضد الحكم العسكري الإسرائيلي, كما يعد الشيخ الجليل من أبرز الشخصيات الدينية والسياسية في الجولان السوري المحتل. كان له باع طويل في مسيرة الكفاح الوطني ضد الاحتلال الإسرائيلي, فكان سنداً ونصيراً للحركة الوطنية السورية بالجولان. وعرف عنه دوره المركزي في المواجهات التي شهدتها قرى الجولان مع سلطات الاحتلال, كما أن الشيخ أبو صالح حظي بثقة كبيرة من أهلنا بالجولان ساعده ذلك في التصدي للمخططات الإسرائيلية, وله مواقف وطنية واضحة ومعروفة في الحفاظ على هوية الجولان أرضاً وشعباً والانتماء للوطن الأم سورية, ونظرا لمواقفه الوطنية فإن سورية بقيادتها الحكيمة وعلى رأسها السيد الرئيس بشار الأسد قد كرمت الفقيد أبو صالح سواء في التعزية التي قدمها السيد الرئيس أو من خلال تكريمه في حفل التأبين من قبل أبناء الوطن كافة, ونحن إذ نستذكر الفقيد سلمان طاهر أبو صالح فلا بد أن نستذكر الأسرى والمعتقلين السوريين الذين يعانون جراء انتهاك سلطات الاحتلال الإسرائيلية والتي تتعارض والقانون الدولي ومبادىء الحق والعدالة وحقوق الإنسان, مستخدمة شتى أنواع الترهيب والتعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي المتعمد, حيث الإبقاء على الحالات المرضية التي يعاني منها الأسرى كما هي حالة الأسير بشر المقت وشقيقه صدقي المقت والأسير سيطان نمر الولي, ولا ننسى ونحن نعيش الذكرى السادسة والعشرين لانتفاضة الأهل والجولان أن ننحني إجلالاً لهؤلاء الأسرى والمعتقلين العرب في سجون الاحتلال, الصامدين خلف قضبان العدو متحدين عتمة الزنازين, وكذلك إلى شهداء الوطن وشهداء الجولان الذين قضوا دفاعاً عن تراب سورية. وبالعودة إلى موضوعنا الرئيسي فقد اتخذ الكنيست الإسرائيلي في 14 كانون الأول 1981 قراراً بضم الجولان السوري المحتل تحت اسم تطبيق القانون الإسرائيلي المدني على الجولان. وقد أبرز هذا القانون بشكل قاطع السياسية الإسرائيلية القائمة على التوسع والهيمنة, وقد استقبل سكان الجولان هذا القرار بالرفض التام والشامل, فطالبوا قوات الاحتلال الصهيوني بالتراجع والعدول عن قرارها, وإزاء إصرار إسرائيلي على قرارها, علق سكان الجولان الإضراب العام والمفتوح في كافة المجالات والمرافق والأعمال ابتداء من 14 شباط ,1982 حيث استمر الإضراب أكثر من خمسة أشهر تصاعد خلالها النضال الوطني كماً ونوعاً وكان من أهم مظاهره ازدياد تماسك الأهل بالجولان وتعميق وعيهم وانتمائهم للوطن الأم. وفي حينها أعلنت الحكومة السورية أن هذا القرار هو خرق للقانون الدولي القاضي بعدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوة, وأصدر مجلس الأمن قراراً يرفض فيه القرار الإسرائيلي ويعتبره غير شرعي.‏

بعد رفض إسرائيل القرارات الشرعية الدولية ورفضها للمطالب الشعبية واستمرارها في سياسة القمع والاعتقال والتهويد لأرض الجولان وإعلان حالة الطوارىء في قرى الجولان دعا أهل الجولان إلى اجتماع عام وطالبوا حكومة الاحتلال باحترام مشاعر السكان الوطنية والقومية والكف عن الممارسات الإجرامية والإرهابية التي تطول أبناء الجولان والإفراج عن كافة المعتقلين السوريين في سجون الاحتلال وإلغاء قرار الضم والإلحاق والكف عن محاولات تطبيق القانون الإسرائيلي وفرض الجنسية الإسرائيلية, إلا أن سلطات الاحتلال رفضت مطالب أبناء الجولان وردت عليها بالمزيد من الاعتقالات وتشديد القبضة الحديدية على الوطنيين وبعد أن اتضح لهم عدم جدوى التفاوض والحوار من قوات الاحتلال تقرر في اجتماع شعبي عام في 13/2/1982 حضره الآلاف من أبناء الجولان الإعلان عن إضراب مفتوح يشكل كافة المرافق الاقتصادية والتعليمية والتجارية ويمنع أي تعاون مع سلطات الاحتلال احتجاجاً على الممارسات التعسفية الرامية إلى تطبيق القرارات الدولية التي تضمن حق الشعوب التي ترزح تحت نير الاحتلال. ويمكن إجمال مطالب أبناء الجولان بما يلي:‏

- إلغاء قانون ضم الجولان, واعتبار الجولان منطقة محتلة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي وإطلاق سراح كافة الأسرى والمعتقلين , وإعادة الأراضي والأملاك المصادرة, ومعاملة سكان الجولان حسب المواثيق الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية.‏

كما سبق وأشرنا فقد استمر الإضراب نحو ستة أشهر متواصلة, عانى فيها السكان من النقص الشديد في الغذاء والدواء والعلاج فكان الجولان خلالها منطقة محاصرة ومشلولة ومعزولة تماماً, حيث ساءت الأوضاع المعيشية إلى حد لم تشهده قرى الجولان من قبل. وقد كان غزو لبنان من قبل الكيان الصهيوني أحد أسباب إنهاء الإضراب في 20 تموز ,1982 وقرار الإنهاء كان شعبياً أيضاً في إجماع عام استعرضت فيه النتائج التي أفرزتها وأهمها الامتناع عن فرض الجنسية الإسرائيلية على أبناء الجولان ومنع التجنيد الإجباري في جيش الاحتلال وإطلاق سراح كل المعتقلين السوريين والكف عن المضايقات التي تعرض لها أهالي الجولان.‏

لقد اصطدمت إسرائيل بصلابة وموقف الأهل بالجولان العزل, وأرغمت متقهقرة أمام عنفوان الصمود الذي لم يعبأ بالأثقال والآلام, وحول الجولان إلى قلعة تحطمت حولها قرارات الدولة الإسرائيلية وانهار أمامها التبجح بالعظمة والغرور, حتى إن قادتها أصيبوا بصدمة كبيرة نتيجة فشل مشروعهم القاضي بضم الجولان.‏

لقد كان أهل الجولان على قدر المسؤولية الوطنية والقومية الملقاة على عاتقهم, وواجهوا كل الممارسات الإسرائيلية بصلابة وقوة, وتمسكوا بعروبتهم وهويتهم السورية.‏

ونشير أخيراً إلى ما أكده السيد الرئيس بشار الأسد وفي أكثر من مرة (إننا مع أهلنا في الجولان بقلوبنا وإمكاناتنا وإن الجولان هو في المركز دائماً لكي يعود إلى وطنه سورية في يوم آت لا ريب فيه) وأقول: إن مسألة استعادة الجولان هي مسألة وقت وهذا الوقت قريب جداً.‏