في ذكرى إنتفاضة الجولان المحتل.. المنية ولا الهوية الإسرائيلية :

بقلم د. فايز عز الدين
ست وعشرون عاماً مضت, ولا تزال الانتفاضة في الجولان تتجدد, ولا تزال وقفة الأهل في قرى مجدل شمس وبقعاتا, وعين قنية,

ومسعدة تتمسك بالهوية السورية, والثقافة والأصول العربية, وترفض الضم والهوية الاسرائيلية رغم كل ما حاوله العدو, ولا يزال لكي يكسر إرادة أولئك الصامدين, الصابرين الذين لم يستطولوا نضالهم نفاد صبر, بل رغبة جهاد, ومقاومة وكبرياء.‏

نعم منذ أن استدعى مناحيم بيغن- رئيس وزراء العدو الصهيوني- وزير دفاعه حينها آرئيل شارون, ووزير خارجيته اسحق شامير, وأبلغهما قراره بضم الجولان العربي السوري طالما أن سورية لن تسلم بوجود اسرائىل كما قال لهم, وتم إقرار قانون الضم في الكنيست الإسرائيلي بغالبية 63 صوتاً, وصدر بتوقيع رئيس الدولة اسحق نافون, وكتب تحته:أقرته الكنيست يوم 14/12/1981 لم تهدأ لأهلنا في الجولان المحتل مقاومة وهبوا هبة رجل واحد للذود عن حياض أرضهم, وتاريخهم, ووجودهم, وانتمائهم للوطن الأم سورية.‏

ومن المعروف أن سورية- في ذلك الزمان- قدمت لمجلس الأمن الدولي رسالتها التي ترفض فيها قرار الضم وتعتبره بكل مواثيق الأمم المتحدة, والقانون الدولي لاغياً, وباطلاً وهي مصرة على استرداد الجولان بكافة الوسائل الممكنة. وقد تبنى مجلس الأمن الدولي وجهة نظر سورية فصدر قراره رقم 497 بتاريخ 17-12-1981 الذي اعتبر بموجبه أن قرار إسرائيل بفرض قوانينها, وسلطاتها, وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة لاغياً, وباطلاً ومن دون فعالية على الصعيد الدولي وطالب اسرائىل بإلغائه فوراً, وتمسك بأحكام اتفاقية جنيف المعقودة بتاريخ 13-8-1949 والمتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب.‏

ومن المعروف أن هذا القرار لقي تجاهلاً من قبل اسرائىل أسوة بما سبقه من قرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. وكما أن قرار الضم الجائر هذا قد لقي قبولاً واسعاً لدى المستوطنين الصهاينة فقد لقي بالمقابل رفضاً واسعاً من عرب فلسطين, وتضامناً كاملاً مع نضال مواطني الجولان ضد التعسف الإسرائيلي وحصار أهلنا في القرى المذكورة بهدف ثنيهم عن عزومهم, مقولتهم الخالدة.. (المنية ولا الهوية).‏

وعلى الأثر ثارت انتفاضة الأهل بمقاومة شعبية حتى جعلت من اسرائىل تخافها وتحول الجولان بأكمله إلى سجن مغلق كبير, وصدرت ضد المقاومين الذين انتفضوا أحكام جائرة, وأودعوا سجون الاحتلال. وتحدياً لإجراءات العدو تداعى أبناء الجولان لعقد اجتماع حاشد لهم ضم كافة سكان القرى المنوه عنها, وأعلنوا إضراباً شاملاً ومفتوحاً يمنع أي تعاون مع سلطات الحكم الإسرائيلي تعبيراً عن رفضهم تطبيق القانون الإسرائيلي في الضم. وقد قدم المواطنون مطالبهم لقوات الاحتلال حيث كانت: -إطلاق سراح كافة المعتقلين- عدم تبديل الهوية, والكف عن مضايقة السكان, والمس بمصالحهم.‏

-إعادة الأراضي والأملاك المصادرة, والسماح باستخدام المياه- معاملة أبناء الجولان حسب المواثيق الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة, والمنظمات الدولية التابعة لها.‏

ومن المعروف أن أهل الجولان- حينها- قد نفذوا في يوم 14 شباط 1982 الإضراب العام الكبير وشمل قرى مجدل شمس, وبقعاتا, وعين قينة- ومسعدة, فرفعت الأعلام السورية, رغم أن عقوبة رفع العلم السوري تصل إلى حد السجن خمس سنوات.‏

ولكي تخفف حكومة العدو من أهمية هذا الإضراب العام الكبير قامت بفرض حصار شامل على القرى المضربة في 25-12-1982 ومنعت عنهم دعم إخوانهم من عرب فلسطين, وفي هذه الأثناء وقعت اشتباكات كثيرة مع قوات الاحتلال جدد فيها أهلنا روح حرب التحرير المجيدة, وأجبروا العدو على التراجع عما فرضته عليهم ولاسيما بعد أن حطموا سيارة شمعون بيرز وهو بداخلها. ووقتئذ دام هذا الإضراب 157 يوماً ليصبح أطول إضراب ضد الاستعمار في تاريخ سورية, حيث كان قد سبقه في زمن الاحتلال الفرنسي لسورية إضراب الستين يوماً في الثلاثينيات من القرن العشرين المنصرم.‏

وقد أصبح-منذئذ- يوم 14 شباط 1982 يوماً للاحتفال بذكراه, وتجديد الانتماء لسورية والعروبة من المواطنين الذين لم يجعلهم عسف الاحتلال متخلين عن هويتهم, أو ولائهم, أو ارتباطهم بخارطة الوطن العظيم وإزاء وقفة الصمود المشرفة هذه كرمت سورية القائد الخالد حافظ الأسد أهالي الجولان بكل ما يستحقون من رعايتهم, ورعاية أبنائهم حيث فتحت لهم بوابات الوطن لتعليم أبنائهم, وقدرات الوطن لتعزيز صمودهم ويقوم السيد الرئيس بشار الأسد برعايتهم كما تستوجب الرعاية الوطنية, ويكرمون حين تكون لهم زيارات سنوية إلى الوطن الأم, وقد أعلنها الرئيس في أكثر من مناسبة أن الجولان سيعود وأبدى سيادته تفاؤلاً مفعماً بالثقة بأن الجولان عائد إلى سورية, ولن تقوى اسرائيل على مواصلة احتلاله مهما بلغت غطرستها, ومهما كانت قوة داعميها فنحن أصحاب الأرض التاريخيون, والأرض لنا مهما جثم على ثراها الغاصبون.‏

وفي الذكرى السابعة والعشرين لانتفاضة أهلنا في الجولان المحتل نجدد العزم الوطني, والقومي على ألا تستكين لنا همة حتى يتم لنا تحريره.‏