الرئاسيات .. و ثقافة الكراهية في الولايات المتحدة الأمريكية !


بقلم : مـــالك الجــزائــري *
 
ليس صحيحا أن الحملة الإنتخابية للرئاسيات الأمريكية نظيفة، كما يقول جهابذة الديمقراطية في القارة الجديدة ! فما حدث و يحدث في هذه الحملة من دعاية سوداء ضد بعض المرشحين زاد من شحن درجة الكراهية خاصة ضد هيلاري كلينتون و جون ماكين.
 
في وقت من الأوقات، عانت الولايات المتحدة طويلا، من وباء اسمه " المكارثية" نسبة إلى السيناتور " جون مكارثي" الذي شن حملة إرهاب فكري واسعة، ضد كل من يعتنق أفكارا مخالفة لما كان سائدا و مستقرا في أمريكا.. ويبدو أن المكارثية الجديدة عادت للظهور في الحملة الإنتخابية فعلى شبكة الإنترنت، قام المنتدى المحافظ الذي يسمي نفسه " الجمهورية الحرة ( Free Republic) بتحديد أكثر من 200 من مواقع المضادة للمرشحة هيلاري أشهرها ( Hillaryhaters.com ) الذي يلتقي فيه كل الذين يكرهون هيلاري، ومع أن الموقع جديد على الشبكة العالمية، إلا أن عدد الزيارات في إرتفاع مستمر بمعدل 50 زيارة في اللحظة مما أعطى الإنطباع بأن هذا النشاط سيساعد مستقبلا على بروز حركة كبيرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة ستكون مهمتها الرئيسية الوقوف في طريق المرشحة هيلاري في سباق البيت الأبيض. كما ظهرت على الإنترنات إعلانات للبيع أقمصة كتب عليها " معاداة هيلاري " (ضد هيلاري ) .. " هيلاري الشيطان " .. " أوقفوا الكلبة " !
 
الإنترنت حطمت القيود، و أعطت جيلا شابا من الأمريكيين فرصة بث كراهيتهم باتجاه المرشحين وهم في الغالب من الجمهوريين و لكن بصورة متزايدة بين الديمقراطيين خصوصا مع إشتداد الصراع في الحزب الديمقراطي .
 
الصحافية اليسارية (Maureen Dowd)، كاتبة عمود خاص في صحيفة نيورك تايمز، أبدت كراهيتها الواضحة للمرشحة هيلاري إلى درجة أعتبرها كثير من النقاد أنها تشكل تصفية حسابات أكثر منها إنتقاد سياسة. ففي أخر إفتتاحية في نفس الصحيفة التي جاءت بعنوان " ظل و نور" شنت مورس وويد ( ) هجوما عنيفا على هيلاري، و كتبت تقول : " هيلاري كلينتون وصفت ديك تشني ( الحقير جدا في فيلم حرب النجوم ) ..." في إشارة إلى أ ن هيلاري و زوجها كلينتون يعانون من عقدة اسمها " ديك شيني " . و تواصل الصحافية كلامها بتقديم نصيحة لمنافس باراك أوباما : " إذا أراد أوباما أن يصبح رئيسا، عليه أن يقتل التنين. و التنين بالنسبة إليه هو ألة الهجوم " كلينتون " الذي يواصل إطلاق النيران لإعطاء الإنطباع أن هيلاري لا تقهر " .
 
من جهتها مجلة GQ نشرت مقالا في كانون الثاني / يناير تناولت فيه ظاهرة الكراهية ضد هيلاري " الذين يكرهنون هيلاري ".. وقام الصحافي في المجلة جانسون هورويز بلقاء بعضهم و الحديث إليهم، و طرح السؤال عليهم : ماذا تكرهون في شخصها تحديدا ؟ وكانت الإجابة : أنهم هم أنفسهم لا يعرفون ". و في النهاية وصل الصحافي إلى الإستنتاج أن البحث عن نظرية تجمع المتعصبين و المعارضين لهيلاري لا طائل ولا جدوى منه، لأن الإتهامات الموجة لها تكشف المزيد عن شخصيات هؤلاء أنفسهم أكثر من إبداء غضبهم.
 
في مقال في صحيفة نيورك تايمز صدر الأسبوع الماضي، كتبت ستانلي فيش (Stanley Fish)، أستاذة القانون، وجهة نظر بعنوان : " كل ما تحتاجه هو الكراهية " أعربت فيها عن قلقها إزاء هذا الإنفجار في الكراهية ضد هيلاري كلينتون . وقدمت مقاربة بين هذه الكراهية و مسألة معاداة السامية، حتى ولو أنها لم تضع هاتين الظاهرتين في نفس الدرجة.. معاداة السامية ليست بحاجة لليهود، و ليس من الضروري أن يكون (antihillarysme ) لتغذية المخيلة الجماعية.
 
أما بالنسبة للجمهوريين، فالحملة شديدة ضد جون ماكين، لكنها ليست بذات حجم الكراهية ضد هيلاري. المنشط الإذاعي المحافظ (Rush Limbaugh) الذي تبث حصته الإذاعية على 600 محطة إذاعية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، يواصل بإستمرار مهاجمة المرشح ماكين قائلا عنه : " إنه ليس محافظا بما فيه الكفاية " .. أما جيمس دوبسون ( James Dobson) مؤسس المنظمة الأنجيلية المحافظة التي تسمى ( Focus on the Family) قال : " أنه لن يصوت لماكين إذا كان هو مرشح الجمهوريين .. أنا مقتنع و متأكد بأن السيناتور ماكين ليس محافظا ". كما إتهم Limbaugh فريق الحملة الإنتخابية لماكين بأنهم يقومون بحملة " غير شريفة " تستخدم نفس النوع من الأساليب و التكتيكات التي تستعملها هيلاري .. وحملات الصحافي على ماكين ليست جديدة، ففي السابق قال المنشط الإذاعي عن ماكين الذي يسميه " القديس يوحنا أريزونا " (باعتبار أن ماكين أنتخب سيناتور في هذه الولاية ) أنه إعترف بأن التعذيب مورس ضده لما كان سجينا لمدة خمس سنوات عند الفتناميين، وهو ما لم يقله ماكين. هذه التأكيدات حصلت بمناسبة النقاش حول التعذيب في الولايات المتحدة، و كرر ماكين وقتها أن التعذيب لم يمكن من الحصول على معلومات موثوق بها.
 
والدرس المستفاد من كل هذا : أن جورج بوش و مع أن شريعة واسعة من الأمريكيين أبدت كرهها لسياسته و مازالت، إلا أن الرجل نجح في كسب المعركة في إعادة إنتخابه في سنة 2004 .
 
صحيح أن الآلة الإعلامية للمحافظين التي تؤيد دوما الحزب الجمهوري غير راضية عن المرشح جون ماكين الذي تصفه بأنه " ليس محافظا بالقدر الكافي " مع الإشارة أن هذه الماكينة الإعلامية سبق و أن نجحت في الحملة المضادة ضد المرشح جون كيري في سنة 2004 و قبلها ضد ميكائيل ديكاكيس في 1988 .. فهل ستلتزم السكوت في الحملة الإنتخابية القادمة .. أم أنها - و هو الأسوأ في نظر الجمهوريين - ستعزز حظوظ المرشح الديمقراطي ؟! .. هذا السؤال بدأ يطرح نفسه بقوة في وسائل الإعلام الأمريكية.
 
ويبقى ذلك ممكنا، فليس جديدا أن تنتقد الحركة المحافظة عناصر معتدلة من الحزب الجمهوري، يكفي متابعة النقاش الدائر عند الجمهوريين للتأكد و الإقتناع بذلك.. فيما عدا رون بول ( Ron Paul) لم يستطع أي من المرشحين إتخاذ موقف ينأى بنفسه عن السياسة " غير شعبية " التي إنتهجها جورج بوش و الحرب على العراق مثال رائع. فلم يتعهد أي من المرشحين بإستثناء رون بول بوضع حد لها وسحب الجنود. وأكثر الأمثلة المثيرة للإهتمام هي" سياسة التخفيضات الضريبية " الدائمة التي أقرها بوش حتى في زمن الحرب مع وجود عجز والذي من المتوقع أن يصل 400 بليون دولار في العام القادم.. وحتى جون ماكين الذي لم يؤيدها في البداية، يؤيدها الآن.. لماذا يترى ؟ ببساطة لسبب هام هو وجود منظمات محافظة مثل منظمة نادي من أجل تحقيق النمو ( Club For Growth) التي تطلب من المترشحين التعهد كتابيا بعدم زيادة الضرائب والذين يرفضون تشن عليهم حرب بلا رحمة في وسائل الإعلام . و هذا مثال على نوع من الدعم الذي يقدمه النادي من أجل تحقيق النمو في الإنتخابات الأمريكية خاصة لللذين يرغبون في تمثيل الحزب الجمهوري في الكونغرس و الرئاسة.
 
في الجانب الديمقراطي تسود الضبابية، وبالنظر إلى طريقة إرتداء الملابس عند المرشحين الديمقراطيين... فهيلاري ظهرت في يوم " سوبر الثلاثاء " بلباس أصفر، وأحمر قبل ذلك بيوم في حصة (David Letterman ) ، وكان بني في لقاء كاليفورنيا، كما كان أزرق و أخضر في مرات أخرى، و من الضروري أن يقرر الديمقراطيون و يحسمون الأمور قبل أن تستنفد هيلاري كل الألوان المتاحة !!
 
أما باراك أوباما فقد أصبح يهتم بهندامه وظهوره بربطة العنق في كل الخرجات الأخيرة مع أنه في السابق حاول لعب دور ( Bernard Henri Levy) بظهوره بالقميص المفتوح لإعطاء الإنطباع أنه من الجيل الشاب الجديد الذي يحلم بالتغيير ... لكن لسياسة أسرارها وبدأ الشاب بشكل تدريجي خلال الأشهر القليلة الماضية يظهر بربطة العنق وعدم التفريط فيها لاسيما بعد أن كانت إستطلاعات الرأي تكشف عن النتائج لصالحه، وذلك من دون شك للرد على الإنتقادات التي تتهمه بإفتقاره للخبرة السياسة بالرغم من أنه يحاول أن يلعب على نفس الوتر الحساس الذي مكن بيل كلينتون من الفوز في 1992 عندما قام في الحصة التلفزيونية لـ( Arsenio Hall) باللعب بالآلة الساكسون !!
 
  كاتب وصحفي مقيم بباريس / فرنسا