في ذكرى إنتفاضة الجولان المحتل.. متمسكون بوطنيتهم


 حسين صقر
 ( هضبة الجولان المحتلة هي جزء لايتجزأ من سورية العربية وإن الجنسية العربية صفة ملازمة لنا ولانعترف بأي قرار تصدره ( اسرائيل )

لجهة ضمان كيانها وكل من يتجنّس بالجنسية (الإسرائيلية) أو يخرج عن ذلك يكون مجحوداً أو مطروداً من ديننا ومن ترابطنا الاجتماعي ويحرّم التعامل معه أو مشاركته أفراحه أو أحزانه أو التزاوج معه ).‏

هذا ماجاء في مضمون الوثيقة الوطنية التي أصدرها وجهاء الجولان المحتل قبل 27 عاماً تعبيراً عن رفضهم القاطع لضم المنطقة إلى (اسرائيل) أو تطبيق القوانين الاسرائيلية عليها وتوّجوا ذلك بانتفاضة شعبية كبيرة ضمت جميع الفعاليات لإجهاض خطة اسرائيلية طرحتها حكومة مناحيم بيغن عام 1977 تدعو لفرض الهوية الاسرائيلية على أبناء الجولان, ماحدا بحكام اسرائيل لاتخاذ خطوات عدوانية جديدة تمثلت بإقرار الكنيست يوم 14/12/1981 قانوناً يقضي بضم الجولان إلى اسرائيل وتطبيق قوانينه عليه وجاء على لسان اسحق شامير وزير الخارجية حينذاك أن جميع الأحزاب الاسرائيلية بما فيها المعارضة تؤيد قانون ضم المرتفعات وسيعمل الجميع للتعبئة من أجل دعم موقف الحكومة هذا.‏

وبعد ثلاثة أيام من صدور القرار المذكور اتخذ مجلس الأمن الدولي بجلسته المنعقدة بتاريخ 17/21/1981 قراره رقم 497 مستنداً بذلك إلى ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وقرارات المجلس المتعلقة بالأراضي العربية المحتلة والذي أكد فيه أن قرار اسرائيل هذا يعتبر لاغياً وباطلاً وطالب بإلغائه فوراً مضيفاً أن نصوص اتفاقية جنيف لعام 1949 المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب تستمر في انطباقها على الجولان وفي حال رفضت اسرائيل تنفيذ هذا القرار يجتمع مجلس الأمن بصورة عاجلة لاتحاذ التدابير اللازمة طبقاً لميثاق الأمم المتحدة والصلاحيات المعطاة له واتخذت في اليوم نفسه الجمعية العامة قراراً مماثلاً لذلك تحت رقم 36/226 أعلنت فيه بطلان القرار الإسرائيلي وأن ليس له أي صحة قانونية وطالبت بإلغائه فوراً.‏

وأدرك عندها مواطنو الجولان خطورة السياسة الإسرائيلية الرامية إلى سلخهم عن انتمائهم الوطني والقومي وتجريدهم من جنسيتهم العربية السورية وأعلنوا رفضهم استلام الجنسية مهما كلفهم ذلك من تضحيات وقرروا مقاومة المشروع الصهيوني وأدواته وأعلنوا إضرابهم المفتوح الذي استمر 6 أشهر مؤكدين عدم اعترافهم بمثل هذه القرارات ولا بالمجالس المحلية والمذهبية التي يعينها الاحتلال ولم يتوقف هذا النضال بهدف إلغاء الإجراءات الجائرة والتصدي لها.‏

لقد كان احتلال الجولان أحد الأهداف الرئيسية للحرب العدوانية التي شنتها اسرائيل في حزيران 1967 إذ تمكنت من احتلال مساحة 1250 كم2 من أصل 1860 كم2 بما فيها المنطقة المنزوعة السلاح التي تبلغ 100 كم2 وطردت أثناء وبعد العدوان 131 ألف نسمة من سكانه من أصل العدد البالغ قبل الاحتلال 152 ألفاً ليكون هذا الاحتلال تنفيذاً لمخطط صهيوني كان قد أوجزه أول رئيس وزراء اسرائيلي دافيد بن غوريون في العام 1918 حين حدد الدولة العبرية المزعومة من النقب برمته ويهودا والسامرة والجليل وسنجق حوران وسنجق الكرك معان والعقبة وجزء من سنجق دمشق أقضية القنيطرة ووادي عنجر وحاصبيا.‏

إذاً لم يكن قرار بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك الخاص بعرض مشروع قانون ضم الجولان مفاجأة من ناحية مضمون القرار بل تمثلت المفاجأة بالنسبة للجميع سواء داخل اسرائيل أو خارجها بتوقيت الطرح والأسلوب الذي عرض فيه, حيث نصّت الفقرة الحادية عشرة من الخطوط الأساسية للحكومة على أن (اسرائيل) لن تتخلى عن الجولان ولن تزيل أية مستوطنة أقيمت فيه حتى لو تمت مفاوضات مع سورية وعلى الرغم من هذا الوضوح في نوايا الحكومة الإسرائيلية تجاه الجولان فإن بيغن فاجأ الجميع بصدمة التوقيت الذي اختاره لاتخاذ القرار مستغلاً اهتمام العالم بأحداث بولونيا بالطريقة التي عرض فيها المشروع أمام الكنيست مساء 14/12/1981 حيث تمت المصادقة عليه بالقرارات الأولى والثانية والثالثة بأغلبية 63 صوتاً مؤيداً ضد 21 صوتاً معارضاً وذلك خلال جلسة قصيرة استمرت ساعات معدودة ويحتوي قانون الجولان كما جاء في القرار على ثلاثة بنود يدعو الأول فيها إلى البدء بتطبيق القضاء والقانون والإدارة الإسرائيلية على الجولان ويحدد الثاني موعد البدء بتطبيق القانون بالساعة التي يصادق فيها الكنيست طيه أما الثالث فيعطي الصلاحيات لوزير الداخلية صلاحيات الأنظمة الضرورية لتطبيقه.‏

وهكذا تبيّن أن القرارات التعسفية والجائرة التي تصدرها سلطات الاحتلال لا تستند إلى أي شرعية دولية منذ إقامة هذا الكيان الذي وجد أصلاً بطريقة لا شرعية ليتأكد أن (اسرائيل) دولة عدوانية قائمة على الحروب والتوسع وترفض السلام العادل الذي يعيد الحقوق لأصحابها ومايزيدها إمعاناً في عدوانيتها وقوف الولايات المتحدة الأميركية إلى جانبها التي اكتفت في ذلك الوقت ولاتزال بالانتقاد الكلامي وذلك بهدف منع انضمامها إلى قرارات معاقبة (اسرائيل) في مجلس الأمن ويبدو أنها كانت تنفذ التزامات سابقة لربيبتها إزاء مصير الجولان حيث كشف في تعهد سابق قدمته إدارة الرئيس الأميركي جيرالد فورد إلى حكومة اسحق رابين بشأن دعم بقاء (اسرائيل) في الجولان في أية مفاوضات سلمية تتم بين اسرائيل وسورية وحصلت (اسرائيل) على هذا التعهد أثناء المفاوضات على فصل القوات في سيناء.‏

وبالنتيجة فالقرار الذي خلقته حكومة إرهابية لايمكنه أن يلغي تاريخاً كاملاً أو يغير الجغرافيا أو يسلب أصحاب الحقوق هويتهم وانتماءهم ولن يجعل السكان الذين أخرجوا بقوة الإرهاب على الرحيل من ديارهم بعيدين عن حلم العودة إلى المكان الذي ترعرعوا فيه وشربوا من مياهه العذبة لأنه بالنتيجة أي الجولان ليس مجرد قطعة أرض.. وليس هضبة أو مرتفعات.. إنه عنوان العزة الوطنية وجزء من الجسد السوري واسم لملحمة بطولية مستمرة عبر الأجيال.‏