البعد السياسي ليهودية (إسرائيل)!


سليم عبود
الحديث عن يهودية إسرائيل ليس جديداً كما يبدو اليوم لكثيرين.. وليس عادياً كما ينظر إليه بشكل مسطح فهو يندرج في سياق مشروع مخطط له منذ السنوات الأخيرة للقرن التاسع عشر .. وهو الحلقة الأكثر خطورة في حلقات المشروع الصهيوني,وتتجاوز خطورته قيام (إسرائيل) نفسها.

وإذا كان الرئيس بوش, وهو من المتصهينين الجدد الذي مخرت العقائد الصهيونية دماغه,قد أعلن خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل في القدس عن دعمه (ليهودية إسرائيل) متجاوزاً المشاعر العربية وما تعكسه تصريحاته من وضع خطير على مستقبل الفلسطينيين وعلى مستقبل الوجود العربي في المنطقة من النيل إلى الفرات (أرض الحلم الإسرائيلي) وعلى مجمل عملية الصراع العربي الإسرائيلي, وعلى مستقبل فلسطينيي الشتات كمشردين عن أرضهم وأحلامهم ووجودهم, فإن الغرب كله لا ينظر بجدية إلى مخاطر مشروع( يهودية إسرائيل) من مظهر عنصري عدواني وإذا كان بعض العرب غير مبالين إلى الآن بخطورة هذا المشروع الصهيوني الخطير, وبما تحمله تصريحات الرئيس من تحد للعرب ومن دعم لإسرائيل في إجرامها الذي لا يتوقف ونراه اليوم في غزة, فإن الشعوب العربية ستجد نفسها في مواجهة مشروع هو الأخطر عليهم.‏

فكرة (يهودية الدولة) قديمة تعود إلى مؤتمر بال الذي عقد في سويسرا عام ,1897 وفي هذا المؤتمر بدأت الحركة الصهيونية طرح مشروعها القومي وواكب ذلك محاولات من قبل قادة الحركة الصهيونية في تحريف واضح للنصوص التوراتية وللتقاليد اليهودية, وهذا يعني تحويل الديانة اليهودية إلى قضية سياسية في زمن كانت فيه كل دولة من دول أوروبا تؤكد هويتها القومية,ولكن في ضوء رؤية تتقاطع مع مصالحها الاستراتيجية, في هذه الفترة راحت الحركة الصهيونية تسعى إلى بناء كيان قومي بالرغم من غياب الأسس الموضوعية التي كانت تقوم عليها القوميات الأوروبية, وكان ذلك يحتاج إلى خلق تحولات خطيرة في التفكير اليهودي, ولعل من أهم هذه التحولات الانتقال بالميسانية (مفهوم خلاص البشر) إلى القومية, وما يعنيه ذلك من انتقال (للخلاص) من مجال الله إلى مجال النشاط السياسي,من أجل العمل على خلق وتأجيج الشعور القومي اليهودي.‏

ومن تلك التحولات أيضاً رفع شعارات جديدة تهدف إلى الربط العضوي بين مفهومي: اليهودية و(إسرائيل) وشعار تحرير اليهود ووجوب عودتهم من المنفى والتحرر من تبعيته إلى (أرض إسرائيل التاريخية) والتركيز على الربط بين اليهودية والعبرية والإسرائيلية كمحددات جديدة للهوية.‏

لذا عملت الصهيونية على خلق (ثقافة يهودية مشتركة) ولغة جديدة من خلال تحديث العبرية بدلاً من اليديشية كمستلزمات ضرورية للعقيدة اليهودية ولإيجاد الوطن (الإسرائيلي).‏

ركزت الصهيونية و(إسرائيل) (في بداية إنشائها) على استعمال الدولة العبرية كرديف لفظي ل (إسرائيل) كان الهدف القريب لهذه المسألة هو تعميم اللغة العبرية على كل المهاجرين الجدد إلى الدولة كقاسم مشترك لغوي للمستوطنين (الإسرائيليين).‏

أما الهدف الأبعد لاستعمال كلمة (العبرية) فيتلخص في أن هذه الكلمة هي الأضمن لربط التاريخ اليهودي بأقدم العصور, ولجعل عصر اليهود متصلاً بأقدم الأزمنة,وبذلك يتحول تاريخ فلسطين إلى تاريخ يهودي, ولهذا فإن (الباحثين الإسرائيليين) يتمسكون بكلمة (العبرية) ومصطلح العبرانية التوراتية كقرائن تربط بين اليهود والبعد التاريخي لهم في فلسطين وكاحتمال وحيد لإيجاد الروابط المفقودة بين اليهود في جميع المجالات, بالرغم من عدم توفر دليل واحد على أن الإسرائيليين كان لهم وجود رسمي كدولة في فلسطين وأن كل ما هو قائم الآن مجموعة من الأكاذيب التي تنتهجها الصهيونية ولا تمتلك دليلاًعليها, فلا الهيكل وجد بالرغم من البحث الدؤوب عنه, ولا الأساطير الإسرائيلية وجدت لها دليلاً في كل المدن القديمة في ذاك التاريخ, كما يشير الدكتور فايز رشيد في مقال له في هذا الصدد, إن إسرائيل التي احتلت الأرض لم تحاول قضم الأرض العربية قطعة قطعة وحسب, فهي تتوغل في الوجود العربي السياسي والجغرافي والثقافي خطوة خطوة, وها هي اليوم تقيم علاقات سياسية أو اقتصادية مع أطراف عربية متعددة وهذا ما يشجعها على أن تعلن عن مشروعها بجعل (إسرائيل) دولة يهودية, وهذا يعني تفريغ فلسطين عام 1948 من العرب الفلسطينيين ومنع عودة الفلسطينيين الذين طردوا عام 1948 من فلسطين إليها, و(لإسرائيل) أحلام توسعية في الأرض العربية, وهنا نجد أنفسنا كعرب أمام مشروع تصفوي لا يستهدف الأرض العربية وحسب وإنما يستهدف الوجود العربي كله,والغرب ليست لديه مشكلة في كل ذلك, ما زال الصوت العربي ضعيفاً لا يتجاوز حالة الأنين الخافت الذي يطلقه الأموات قبل رحيلهم عن الحياة.‏