لا أهمية لعقد القمة في دمشق...الأهمية بصمود دمشق


د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام – فرنسا
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن محاولات لإجهاض عقد القمة العربية في دمشق، وما ساءني هذا الخبر وما سرّني، فلا ردّ الله علينا هذه القمة، وليتها تذهب فلا تعود وينفرط عقد الجامعة العربية التي ما فعلت لهذه الأمة شيئاً، اللهم إلا ضياع فلسطين واحتلال العراق، ومحاصرة سورية، وطورت أنواع التخاذل العربي، فمنه اليوم الكثير، أقراص وشراب وحقن.
 
ولكي أكون صادقاً، لا بدّ أن أبين أن مسألة انعقاد القمة نفسها لا يعنيني بشيء وأنني أدعو الله على الدوام ألا تعقد هذه القمة لا في دمشق ولا في القاهرة، فإنها محبطة الشعوب ومكسرة الأجنحة، وهي تصيبنا بعقد نفسية منها وجسدية ولطالما دخلنا المستشفى فوراً بعد سماع البيان الختامي الذي يُعدّ لغة وأسلوباً لإرضاء جميع غرف ومكاتب الأبيض في واشنطن.
 
ومن يستطيع منا أن ينسى أن قمة عربية أديرت بلغة عربية، حضرها زعماء عرب وافقت على غزو العراق والتنكيل بشعبه، أو دعونا نقل: أنها في وقت لا حق سكتت عن غزو العراق وتدميره. وكيف ينسى العاقل منّا أن هذه القمم لا تكاد تذكر السودان، وتمرر كلمة الجولان على استحياء وتدعو الصهاينة إلى إقامة علاقات طبيعية وسلام دائم، وتشدد على أنها ستسامح الكيان الصهيوني بنصف فلسطين. ناهيك عن أنني لم أسمع كلمة عربستان في القمم العربية منذ عهد طويل، حتى نسي أعضاء الجامعة العربية أنفسهم هذه الكلمة.
 
القمة العربية، عربية لأنها تدار باللغة العربية، والحق فإن هذا غير صحيح أيضاً، فهي تدار باللهجات المحلية للدول العربية، وبالكاد أفهم كلمات بعض القادة العرب. بل وكنت أسمع كلمات عبرية في بعض القمم العربية، أذكر على سبيل المثال كلمة"جلعاد شاليط"..وقد ظننت في مرحلة ما أنها عُرّبت ودخلت المعاجم العربية.
 
إذاً، لا حزن على القمة لا من قريب ولا من بعيد، وإنما الحزن كل الحزن من الإخوة والأشقاء العرب، الذين ما انفكوا يكيدون بعضَهم ويتآمرون على بعضهم، ولو اتحدت مؤامرات العرب كلهم ضد الصهاينة، ما بقي منهم في فلسطين أحداً ولارتحنا منهم دون حروب. ولكن انصب الكيد منّا وعلينا، على مبدأ "بأسهم بينهم شديد" و" تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى".
 
يروى اليوم، أن الرئيس الأمريكي جورج بوش زار المنطقة لأسباب عديدة، على رأسها، إفشال القمة العربية في دمشق، أو على الأقل ابتزاز سورية، لتقدم تنازلات في الملف اللبناني. ويروى أيضاً أن عدداً من الدول العربية وافق على خطة بوش، ووعدوه"خيراً". فهم سيبذلون جهداً "ستسمعه يا سيادة الرئيس في الأيام المقبلة".
 
ويروى أن هناك تحركات عربية سرية ونصف علنية، تهدف إلى عقد قمة عربية طارئة الشهر الجاري في القاهرة، تضييقاً على فرص عقد القمة العادية في دمشق الشهر الذي يلي. ويذهب بعض الرواة أبعد من ذلك إذ يقولون أن لتدمير غزة وحصارها علاقة بالمسألة من باب أنها ستوفر حجة منطقية لعقد قمة عربية طارئة على وجه السرعة.
 
كان ذلك بالنسبة للتحركات، ولكن التصريحات فهي علنية" لا تخاف في الله لومة لائم" فقد أشار السيد عمرو موسى وكذلك الرئيس حسني مبارك أن قمة دمشق ستتأثر في حال عدم التوصل إلى توافق لبناني على انتخاب الرئيس بالسرعة المناسبة. العجب العجاب أن هؤلاء الأشخاص وغيرهم، هم من طلب من دمشق عدم التدخل في لبنان وترك الديموقراطية تأخذ مجراها، وهم الذين يطالبون اليوم بأن تتدخل سورية وتأخذ مجراها في لبنان.
 
لست هنا في محاولة لتقويم المسألة اللبنانية والخوض فيها، ولست حتى في وارد أن أدلل على أن العرب أجمعوا منذ وقت طويل على عدم الاتفاق والتعاون. وإنما أردت خاصة أن أشير إلى المسألة التي ساءتني في هذه القضية، وهو أنني تلمست، أن الموقف السوري تجاه هذه النقطة ضعيف وليس كعادته. فمع أنني سمعت السيد وليد المعلم قد تطرق بسرعة إلى ثبات دمشق على مواقفها وليحدث ما يحدث، القول الذي كرره السيد مقداد نائب وزير الخارجية، إلا أنني أرى في تصريحات السادة المسؤولين في دمشق تمسكاً شديداً بانعقاد هذه القمة، وكأنها ستخلص الشعوب العربية من نير التحكم الأمريكي، وستحرر بغداد والقدس. وتعرف الحكومة السورية كما يعرف أطفال القرى النائية في أي منطقة عربية أن القمم العربية ما تعقد إلا لتحبط الشارع العربي أكثر وتقضي على آماله في العيش حراً مرفوع الجبين.
 
فليت أن الحكومة السورية تعلن صراحة أنها مصرة على مواقفها التقليدية المعروفة ولتذهب القمة إلى الجحيم أو أبعد من ذلك إذا كان بالإمكان.
 
وإنني لا أفهم أبداً كيف يمكن أن تقبل الحكومة السورية أي ابتزاز في إطار القمة العربية، وهي التي تعرف وقد ذكر ذلك الرئيس السوري مراراً، بأنه لا حاجة لقمة عربية دون مضمون قوي ورسالة واضحة وقرارات ملزمة، وأريد أن أذكر هنا أن الرئيس الراحل حافظ الأسد قد عطّل القمة العربية سنوات عديدة وامتنع حتى عن حضورها، وكانت وجهة نظره آنذاك تقوم على الفكرة نفسها التي نكررها اليوم، وحال القمة اليوم أسوأ من حالها أمس، وهي لن تخرج بقرارات ملزمة وستعيدنا إلى المستشفى وما خرجنا منها بعد.
 
ليس المطلوب من سورية الركض خلف القمة العربية ومحاولة عقدها في دمشق بقطع النظر عن النتائج، بل لعل الأفضل أن تنسحب سورية من الجامعة العربية ولن تخسر أكثر ما خسرت، فالعرب الذين باعوا العراق مستعدون لبيع سورية، وما أسهل هذا الأمر عليهم، وهذا العراق مركز العروبة شاهدتم كيف فعل العرب كل شيء لتسهيل تدميره والتنكيل بشعبه العربي.
 
المطلوب من دمشق هو زيادة الصمود، والعودة إلى الحديث عن ثقافة المقاومة، والوقوف إلى جانب العراق المحتل، العراق الحقيقي وليس عراق المنطقة الخضراء. المطلوب من دمشق نبذ ثقافة الممانعة، فهي ثقافة تشبه ثقافة الحياة التي تحدثنا عنها أمريكا، لا بد من العودة إلى ثقافة المقاومة، وثقافة الوحدة العربية، وثقافة" كيان صهيوني" وعدو أمريكي". أما القمة العربية فهي لا تسمن ولا تغني من جوع وسيكون مآلها كأخواتها، مؤامرات أشد على الإخوة وخلافات أعنف من ذي قبل وهكذا دواليك.
 
لماذا لا تقرر الدول العربية الغنية بثرواتها وبشعوبها أيضاً أن تعقد القمة في القدس رغماً عن الاحتلال، أو بغداد على أنقاض المستعمر الأمريكي الذي سيزول اليوم أو غداً إلى غير رجعة.
 
دمشق يا راحة المؤمنين، أنت لست بحاجة إلى قمة عربية أنت بحاجة إلى الصمود وإلى مزيد من الصمود.