أزمة انقطاع الإنترنت .. حرب خفية بعيدا عن الأنظار !


مــالك الجــزائــري *
قبل أسابيع تناقلت مختلف وسائل الإعلام خبرا عن أزمة انقطاع الإنترنت في بعض مناطق العالم بسبب أضرار وقعت لكابل الاتصالات (SeaWe- 4 - FLAG-Europe) في قاع البحر أدت إلى عطل جزئي وبطء كبير في شبكات الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط و دول جنوب آسيا .
 
ذكرت الرويات الرسمية أن أزمة انقطاع الإنترنت تعود لإستطدام سفينة مجهولة بخط النقل و الإتصالات في منطقة "الإسكندرية" بمصر في نهاية شهر كانون الثاني / يناير، مما أدى إلى إتلاف إثنين من الكابلات الرئيسية التي توفر خدمات الإنترنت في المنطقة. وبعد هذا الحادث بثماني و أربعين ساعة تعرض خط ثالث للإتصالات السلكية واللاسلكية (FALCOM) بدوره للتلف على بعد 56 كيلومتر قبالة ساحل دبي في الخليج الفارسي.
 
وفي وقت لاحق، وبعد مرور اثنتي عشرة ساعة فقط ، تعرض خط رابع يربط بين قطر ودولة الإمارات العربية للقطع بدوره في منطقة حساسة جدا باعتبارها ساحة معركة معرضة للإنفجار في حالة نشوب مواجهة عسكرية بين القوات الأمريكية و القوات الإيرانية، تبعه إنقطاع خط أخر و هذه المرة في منطقة جنوب آسيا قبالة ساحل بينانغ في ماليزيا .
 
وذهبت تحاليل الخبراء إلى القول بأن ا لمستفيد من أزمة انقطاع الإنترنت في هذه المناطق هي الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى لعزل إيران على شبكة الإنترنت العالمية، والمثير للإستغراب أن مدونة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ظلت معروضة على الإنترنت طيلة مدة الإنقطاع.
 
أزمة انقطاع الإنترنت تضررت منها البنوك والبورصات وشركات الأسهم وعمليات الحجز على الخطوط الجوية والقطارات والفنادق في دول الشرق الأوسط و الخليج بإستثناء إسرائيل و العراق التي تتوفر على أسلاك إتصالات مختلفة. كما عانت من هذه الإنقطاعات بشكل ملحوظ بلدان جنوب آسيا .. فدولة الهند مثلا فقدت 80 في المئة من قدرات الإتصالات وأداء البورصات في بومباي .
 
قد يقول قائل إن تعرض الخطوط و كابلات الإتصالات لمشاكل تقنية و إنقطاع مفاجئ و بالصدفة أمر وارد الحصول .. ونقول : هذا صحيح .. ولكن أن تتعرض خمسة خطوط توفر خدمات الإنترنت والإتصالات للتلف في نفس التوقيت و في ظرف عشرة أيام في منطقة جغرافية واحدة فهذا أمر جديد و نادر الحصول و لم يسبق أن حدث من قبل قط .. وهو ما يدفعنا لوضع علامة إستفهام كبيرة حول حقيقة ما وقع و الدوافع من وراء ذلك لا سيما وأن بيان وزارة النقل المصرية ألقى بظلال الشك على ما وقع حين أكد بإستناده لصور الأقمار الصناعية عدم وجود سفينة مجهولة في المنطقة (الإسكندرية) في وقت وقوع الحادث، وبذلك فند ما جاء في الرواية الرسمية التي تم تداولها لتفسير أزمة انقطاع الإنترنت .
 
والسؤال : إذا كان حدوث أزمة انقطاع الإنترنت لم يكن بسبب إصطدام السفينة المجهولة بكابلات الإتصالات تحت البحر.. فمن يقف وراء العملية ؟! و ماهي الوسائل التقنية المستعملة ؟ و من المستفيد من هذه العملية ؟
 
يرى المحللون أن الولايات المتحدة الأمريكية في إطار مواجهتها مع النظام الإيراني ومحاولة عزله عن بقية العالم هي المستفيد الأول .. بدليل أن قدرتها التقنية في هذا المجال موثقة بشكل جيد، ويكفي أن نذكر ما أشار إليه إثنان من رجال الإستخبارات المتخصصيين الأمريكيين ( Sherry Sontag و Christopher Drew ) فيما عرف باسم ( Blind Man's Bluff) عن تاريخ غواصة التجسس الأمريكية التي مارست في السابق عمليات تدخل وفي سرية تامة على عدد من الكابلات تحت البحر للتأكيد على أن الأيادي الأمريكية وراء العملية
 
قبل سنة في شباط / فبراير 2007 تعرض عدد من القنوات التي تبث على القمر الصناعي المصري "نايل سات" لإضطربات و إختلالات في برامجها.. وقتها تم تفسير الخلل بوجود عملية تشويش إرادية و مركزة باستخدام معدات متخصصة تستعمل تكنولوجيا و تقنية عالية جدا، وتم تحديد الولايات المتحدة الأمريكية بأنها الجهة التي تقف وراء العملية لوجود صلة بين عملية التشويش على القمر الصناعي "نايل سات" و قناة "الزوراء" العراقية التي رفعت شعار مساندة المقاومة السنية والتي كانت تبث برنامجها على نفس القمر الصناعي مع تركيز واضح على بث و توزيع أشرطة فيديو عمليات المقاومة ضد القوات الأمريكية في العراق . وتزامنت بداية عملية التشويش التكنولوجي مع طلب إغلاق قناة "الزوراء" تقدمت به الولايات المتحدة للإدارة المسئولة مباشرة على القمر الصناعي"نايل سات"، وهو الطلب الذي لقي الإستجابة بعد أن أثرت عملية التشويش على خدمة الإتصالات لعدة زبائن أخرين يتعاملون مع "نايل سايت" و منهم وكالات أنباء عالمية.
 
والواضح أنه إذا كانت السنة الماضية 2007 قد شهدت هجوما كاسحا على شبكة الإعلام الآلي في دولة "إستونيا " أثار إستياء الجارة روسيا وحصول إختراقات واسعة لأنظمة الإعلامي الآلي في بعض الإدارات الحكومية في بريطانيا وفرنسا و أمريكا اتهمت دولة الصين بالوقوف وراءها .. فإن بداية سنة الحالية 2008 قد عرفت أزمة انقطاع الإنترنت و إتلاف الكابلات تحت البحر ..
 
ويمكننا الجزم بأن ساحات معارك جديدة قد فتحت بالنظر لحدوث هذه العمليات المتزايدة في إطار حروب خفية غير معلنة تدور بعيدا عن الأنظار .