من اعتدى على صحافي فكأنما اعتدى على الناس جميعا




زهير الخويلدي
يحتفل الناس هذه الأيام باليوم العالمي لحرية الصحافة والإعلام  في ظل وضع غير مرضي واستثنائي
تظل الصحافة مهنة المتاعب ويظل الصحفيون عرضة للمطاردة والحصار وتكميم الأفواه والحبس والتهميش من طرف الأنظمة والحكومات ومن طرف المؤسسات التي يشتغلون فيها والقوى الأجنبية التي تهيمن على العالم من خلال جيوشها وشركاتها المتعددة الجنسيات وثقافته الآثمة، ولعل المخيف هو الرقابة المفروضة عليهم من طرف الجميع والتي تقلل من قدرتهم على التأثير والحركة في المجتمع وتنقص من فرصتهم من أن يتحولوا الى سلطة رابعة، بل الغريب أنهم أصبحوا يمارسون رقابة ذاتية على أنفسهم ويخففون من حدة مواجهتهم للواقع ومن صدقية نقلهم للأخبار خشية تعرضهم للملاحقة القانونية والطرد وتخوفا من التعسف من طرف بعض الدوائر العالمية التي تزعجها الحقيقة وتهددها الكلمة الصادقة.
المؤسف أن الحوادث التي تعرض فيها الصحفيين في العالم عامة وفي العالم العربي خاصة للقتل والحبس والملاحقة والتضييق كبيرة وغير قابلة للعد والذكر والبداية كانت بطارق أيوب وأطوار بهجت وسمير قصير ومنذ بضعة أسابيع التحق بهم المصور الفلسطيني فضل شناعة الذي قتل يوم الأربعاء 17 أفريل وسط قطاع غزة بنيران الجيش الاحتلال الإسرائيلي وهو مراسل لحساب رويترز البريطانية وهو يبلغ من العمر 23 سنة وتعرض في العديد من المرات الى مضايقات وتهديدات.
العديد من الصحف والمجلات أغلقت وأحيلت عنوة على التقاعد المبكر وبعض الفضائيات منعت من البث من أقمار صناعية واتهمت بالإرهاب والتشجيع على العنف ومجموعة من الكتاب لا يسمح لهم بنشر مقالاتهم وبترويج أفكارهم في أوطانهم فيضطرون الى الهجرة بحثا عن ملاذ آمن في بعض الواحات الديمقراطية المحايدة ، كما أن القوانين الجزرية والتأديبية تكاثرت والنصوص القانونية التي تضيق مساحة التعبير وحرية النقد والمحاسبة أشهرت في وجه المؤسسات الإعلامية من أجل تخويفها وتقليل مساحة تحركها ومجال نشاطها.
البعض من الصحفيين وجدوا الحل في تكوين النقابات المهنية من أجل الدفاع عن حرية الكلمة وحقوق فرسان الحقيقة والبعض الآخر لجؤوا الى أشكال نضالية مباشرة من أجل الضغط على الأنظمة مثل العرائض والقيام بالاعتصامات وإصدار البيانات المشتركة والتوقف عن الإصدار لرده من الزمن وخوض إضرابات الجوع وكل ذلك اعتراضا على تكميم الأفواه وتنديدا بشراء الذمم بالمال وتشهيرا بالأقلام المأجورة التي تكتب لجهة معينة بمقابل ومنخرطة في مشروع ديماغوجي تخريبي.
المثال الأكثر رمزية هذه الأيام هو مصور الجزيرة الصحفي السوداني سامي الحاج الذي أطلق سراحه بعد أن قضى ستة سنوات من الاعتقال دون تهمة ودون محاكمة في السجن الأمريكي سيء الذكر غوانتانامو والذي تواصلت الحملة ضده حتى بعد أن عاد الى بلده ووقع اتهامه بالكذب والتضليل لما بين للعالم أن حالته الصحية حرجة وأنه في حاجة لعناية طبية مركزة من أجل استعادة عافيته ولما شهر بظروف إقامته الاضطرارية في المعتقل والمعاملة السيئة التي تلاقاها من طرف سجانيه.
الاعتداء على الصحفيين طال أيضا المدونين وكثيرة هي المدونات التي تحجب والمواقع التي تغلق بل وصل الأمر الى التتبع القضائي لبعض المدونين كما حدث في مصر وربما يمتلك هؤلاء المدونين جرأة أكبر ومساحة أكبر من الحرية ومسافة نقدية أكبر من الواقع لكونهم يكتبون بأسماء مستعارة ويخفون هوياتهم الحقيقية.
ان مهمة هؤلاء الصحفيين نبيلة ورسالتهم عظيمة وهي المحافظة على صدقية الأخبار ونقل الوقائع كماهي للناس دون تجميل أو تزييف وينبغي على القوانين أن تساهم في حمايتهم والدفاع عليهم ضد كل منع وتضييق لأن قوة الأنظمة وتقدمها ينبع من أداء ملائكة الكلمة وأمناء الحقيقة لمهمتهم على أحسن وجه ولذلك ينبغي أن تتوقف كل أشكال التضييق والرقابة والحبس ضدهم وأن تنطلق حملة عالمية لإطلاق سراح جميع الصحافيين وإطلاق حرية البث لكل الفضائيات الممنوعة وإتاحة حرية الإصدار والنشر لكل الصحف والمجلات سواء الحكومية أو المعارضة على حد السواء ورفع الحجب عن المواقع الالكترونية والمدونات من أجل التشجيع على الإبداع والخلق والانتاج لأن من اعتدى على صحفي واحد هو كأنما اعتدى على الناس جميعا.