عن أي انقلاب تتحدث قناة "العربية" ؟

أن تصف فضائية العربية شهداءنا على أيدي عصابات الاحتلال الصهيوني بالقتلى ، وكذا المقاومين الذين يسقطون  جراء التصدي للعدوان بذات الوصف ولا تتورع عن تسويق رواية هؤلاء لتبرير قتلهم لأبنائنا فربما نعتبره حرية رأي على وقاحته وخروجه عن كل الأعراف العربية ، أن تقوم بتسويق الدعاية الأمريكية وحلفائها تجاه ما يجري في المنطقة من عدوان واحتلال لأوطاننا وتخفيف اللهجة ضد هذا الاحتلال بل ودعمه علناً فربما يمكن فهم أسبابه ودوافعه باعتبارها قناة خاصة تتبع سياسياً ممولها وراعيها .

لكن أن تصطف بجانب طرف ضد طرف آخر في الصراع الدائر هذه الأيام في لبنان وتصف ما اضطر إليه حزب الله بالانقلاب ، وتضعه عنواناً دائماً لدعايتها المغرضة ضد المقاومة وحزب الله فهذا ليس من حقها ، وهو لا يعبر عن النزاهة والحيادية التي تدعيها هذه القناة والتي من المفترض أن تلتزم بها كل وسائل الإعلام ، خصوصاً أنها تتباكى ليل نهار على حرية الرأي وحرية الصحافة وتعتبر ما قام به حزب الله في السياسة موجهاً لفرض رأي واحد على لبنان ، وها هي قناة "العربية" تفعل نفس الشيء عندما لا ترى سوى ما قام به حزب الله وتصفه بغير الحقيقة التي سنتطرق إليها لاحقاً دون أن تتناول وجهة نظره أو مبرراته .

لقد دأبت قناة العربية على تقديم سمومها ضد مصالح الأمة منذ الغزو الأمريكي للعراق والذي ترافق مولدها غير السعيد معه . وكلنا فوجئنا بالأشرطة الخاصة جداً حول بعض مظاهر ما أسمته العربية في حينه ديكتاتورية صدام حسين ، وتساءل الكثيرون من أين لقناة جديدة هذا الكم الكبير من الوثائق والأفلام التي تبثها لتبرير الغزو وتسويق مسبباته بما في ذلك  قصة أسلحة الدمار الشامل . لقد تجاوزت العربية بما تنقله وتبثه في دعايتها المغرضة كل حدود اللياقة الصحفية لتنصب نفسها مدافعاً عن الشيطان الأمريكي ومعاونيه المخلصين في المنطقة وبشكل واضح كوضوح موقف مديرها العام وكتاباته المسيئة لكل مقاوم حر شريف في هذه الأمة . وبخلاف قناة " الحرة" التي لا تنكر انتماءها أو هويتها السياسية الأمريكية ومصدر تمويلها  من الكونجرس والحكومة الأمريكية ولكن على استحياء تجتهد العربية في تأكيد ذات الانتماء وذات الهوية السياسية بلا حياء أو تحفظ ، بل تقدم نفسها صديقاً وفياً للولايات المتحدة وكل من والاها في المنطقة العربية ولا داعي لعرض الأمثلة على ذلك فهي بالآلاف .

لقد توغلت هذه القناة كثيراً في الانحياز المتعمد لكل ما هو معادي للمقاومة والمقاومين في كل بقعة من الوطن العربي ولم تستثن أي حزب أو دولة ممانعة أو داعمة للمقاومة من دعايتها المشينة وتلفيقاتها الفجة والدليل ما نراه اليوم على شاشتها من أخبار ملفقة حول ما يجري في بيروت ولبنان ، وفيما تقدمه من تحليلات تستضيف لها شخصيات معروفة بولائها للمحتل وللأمريكيين . إن طريقة عمل قناة "العربية" وخياراتها الإعلامية والانتقائية فيما تعرضه وتقدمه للناس يؤشر إلى فشل ذريع لوسيلة إعلامية لا تحمل من العروبة إلا الإسم .

لقد سخر البعض في السابق من هذه القناة ووصفها الكثيرون بالعبرية وهي لغة إسرائيل العدو الرئيسي للأمة والدولة التي تحتل أرضنا وتشرد شعبنا الفلسطيني وكنت أجده وصفاً قاسياً غير أني بعد متابعة لصيقة للقناة وبرامجها وخصوصاً في المشكل اللبناني الطاريء تأكدت بأن للناس كل الحق فيما كانوا يقولوه في توصيف القناة .

والآن لنأتي على قصة الانقلاب والشرعية ، وهنا لابد أن نحدد ما هو الإنقلاب في كل الأعراف وفي اللغة أيضاً ، انه بوضوح اللغة تحويل الشيء والواقع إلى نقيضه وفي السياسة هو تغيير النظام الحاكم بالقوة والاستيلاء على مؤسسات الدولة والسيطرة على كل مفاصل الحياة السياسية والأمنية في البلد المعني ، واحتكار السلاح عبر مؤسسة الجيش التي لابد أن يكون الإنقلاب قد حسم أمرها لمصلحته . وفي الحالة اللبنانية نسأل قناة "العربية" أين هوالإنقلاب ؟ وهل احتل حزب الله السراي الحكومي أو دوائر الأمن ومراكز الشرطة وثكنات الجيش وقام بتغيير العاملين فيها وقادتهم أم ماذا ؟ هل سن حزب الله قوانين جديدة تتفق مع مصلحة  الانقلاب المزعوم  وأعلنها في الإذاعة والتلفزيون الذي استولى عليهما حزب الله مثلاً باعتبار أن أي انقلاب يبدأ بالاستيلاء على وسائل الإعلام لتسويق نفسه وتأكيد هويته وسيطرته على مقاليد الحكم ، فهل فعل ذلك حزب الله ؟ الانقلاب كما هو معروف يقوم بإذاعة بيان يحدد فيه ساعات التجول ومنعها ويصدر التعليمات حول كيفية التعامل مع الخصوم ويلغيهم من خارطته السياسية حال نجاحه فهل فعل حزب الله هذا ؟. وهناك عشرات الاستفسارات والمحددات التي لو توخينا الموضوعية والنزاهة الفكرية لوجدنا أن وصف الانقلاب الذي تطلقه القناة على ما قام به حزب الله دفاعاً عن حقه وشرعية سلاحه هو وصف ظالم ومحرض ومثير للفتنة التي ربما ترغبها هذه القناة . وحتى نكمل الصورة دعونا ندقق في الأسباب التي استدعت كل ما جرى وسمحت لقناة " العربية " بهذا التدخل الفج في الشؤون الداخلية للبنان والانحياز المفضوح لفريق الرابع عشر من شباط حتى ليظن المرء أن القناة هي قناتهم والناطق الرسمي باسمهم وليست قناة تمولها المملكة السعودية  وتدعي الحياد والموضوعية  . اتخذت الحكومة اللبنانية بقيادة السنيورة قراراً بتحويل من ساهم في تركيب شبكة الاتصالات السلكية للمقاومة وحزب الله إلى القضاء وهذا يعني حكماً توجيه التهمة للسيد حسن نصرالله ، كما نص القرار على عدم شرعية الشبكة ومن ثم لابد من نزعها ،وأرفقت الحكومة قرارها بشق آخر يتعلق بتنحية مدير أمن المطار من وظيفته الرسمية على ذات الخلفية . والآن وبعد كل ما جرى وتراجع الوزارة المذكورة عن قراريها وإحالة الأمر لقيادة الجيش الذي أعاد المدير إلى عمله وأعلن حرصه على أمن المقاومة وعدم المس بسلاحها، أين تقف الشرعية والحق ؟ هل هي بجانب جماعة قناة "العربية" أم بجانب حزب الله والمقاومة ؟ لقد تشكلت هذه الحكومة فاقدة الشرعية على أساس بيان وزاري يخول المقاومة وحزب الله اتخاذ كل التدابير اللازمة للدفاع عن الوطن وتحرير أسراه من يد العدو الصهيوني واعتبر البيان أن مقاتلي حزب الله ليسوا ميليشيا ولا ينطبق عليهم القرار الأممي رقم 1559 المتعلق بنزع سلاح المليشيات المسلحة .... الخ . إذن في ظل هذه المعطيات هل كانت قرارات الحكومة اللبنانية المشكوك بشرعيتها صحيحة وقانونية وتنسجم مع مصلحة لبنان والحفاظ على وحدته والسلم الأهلي ؟ الجواب واضح لكل محايد وهو يقول أن الحكومة أخطأت ولم تتوخ الحذر ولا الدقة وكان قرارها بشقيه قراراً أرعناً، ووضع البلد على كف عفريت  واستدرج رد حزب الله بالطريقة التي رأيناها . وحتى تكتمل الصورة فان السيد نصر الله كان شديد الوضوح وكلماته شديدة الدلالة ونواياه معلنة بالرد وقطع اليد التي تمس سلاح المقاومة وشبكة الاتصال روح هذا السلاح ، وعادة ما تكون الانقلابات مدبرة بليل فأين كلام سيد المقاومة من هذا ؟ .

إن لنا ألف مأخذ على قناة العربية وللناس الذين يشاهدوها ذات المآخذ والملاحظات وها نحن نقدم مثالاً مقلقاً ومزعجاً على انحيازها للباطل ولأعداء الأمة رغم أنها تعرف جيداً بوصلة الناس والشعب العربي  تجاه قضاياه وحقوقه ، وان لم تكن تعرف نوضحها بالتالي، ولها أن تستفتي الناس عليها : كل فعل ضد أمريكا ومصالحها في المنطقة هو فعل شرعي ومقبول وكل فعل أو سلوك أو موقف يساند أو يبرر السياسة الأمريكية هو غير شرعي ومرفوض . ومن هنا فكل صديق للولايات المتحدة هو عدو للأمة ومصالحها والعكس صحيح . وبعد كيف ل"العربية" أن تعدل أسلوبها وسياستها لتتلاءم مع هذه البوصلة فربما بعد ذلك يكون وصف القناة بالعربية ممكناً؟ . سؤال نضعه برسم القناة والمشرفين عليها .

 

زياد ابوشاويش