الزيارة العرجاء !


لا نعرف بأي وجه سيحط الرئيس الأمريكي جورج بوش رحاله في المنطقة، بعد يومين، ليشارك في احتفالات ذكرى أكبر جرائم ومآسي التاريخ المعاصر، وهي إقامة إسرائيل في قلب وطننا العربي وعلى حساب الشعب الفلسطيني ليبدأ معها عهد العنف والإرهاب والدمار والدماء في منطقة الشرق الأوسط.
فالأوضاع الراهنة في المنطقة لا تحمل أية بشائر سرور وراحة للرئيس الأمريكي الذي يحاول، يائساً، إنهاء عهده المضطرب والمهتز في البيت الأبيض بإنجاز ما -ولو كان تسوية هزيلة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية- تحفظ له ماء وجهه لدى تقاعده، وتخفف من نقمة الأمريكيين، ومجمل شعوب العالم، عليه وعلى سياساته التي أقل ما يقال فيها إنها خاطئة ورعناء.
ففيما يخص إسرائيل، فإن ربيب بوش الأقرب إلى قلبه، أي إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي، يواجه حلقة جديدة من فضائح الفساد التي يشتد خناقها على عنقه ما قد يجبره على تقديم استقالته.. ولعلها ليست مجرد مصادفة أن تتزامن تلك الأزمة في إسرائيل مع احتفالها بذكرى قيامها الستين، فهي جاءت لتؤكد بأوضح من أي وقت مضى هشاشة أوضاعها السياسية والاجتماعية والعسكرية المتخمة بالفساد والرشاوى والمحسوبية، ناهيك عن تصاغر مسؤوليها دون أي استثناء تقريباً وافتقارهم إلى الحد الأدنى من ملكات القيادة والحكمة.. وتقرير فينوغراد صارخ في هذه التوصيفات.. وما الادعاءات التي أطلقها الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز قبل يومين بأن إسرائيل لم تكن أقوى مما هي عليه الآن إلا أكاذيب هدفها ذر الرماد في عيون الإسرائيليين الذين لم يستفيقوا بعد، وربما لن يفيقوا أبداً، من هزيمة حرب صيف 2006 ومن مشاعر الخوف والقلق وانعدام الأمان التي تنخر في كيانهم.
وبالنسبة للبنان فإن التطورات التي شهدها خلال الأيام القليلة الماضية تؤكد بأن سحر الساحر الأمريكي، ومعه بالطبع أزلامه وأعوانه في لبنان، قد انقلب عليهم جميعاً، وبدلاً من أن يفاجئوا القوى الوطنية المعارضة، وفي مقدمتها المقاومة، بانقلابهم المخطط له في واشنطن، فاجأتهم المعارضة بإعادة الأوضاع إلى نصابها في لبنان، أي رفع الوصايات الأجنبية عنه وقطع دابر المؤامرة التي رمت إلى تحويل لبنان، أو قسم منه، إلى محمية إسرائيلية ورأس جسر أمريكي جديد في المنطقة.
الوضع العراقي ليس أحسن.. فالجعجعة الأمريكية بأن الأمور تتحسن وأن الأوضاع في طريقها إلى الاستقرار، والخطط الأمنية المقررة باتت على وشك أن ترى النور، هذه الجعجعة تتناقض كلياً مع الوقائع الميدانية التي تدل، وللأسف الشديد، على أن الوضع في العراق ينتقل من سيئ إلى أسوأ، وأن معاناة الشعب العراقي ستستمر، بل ستتفاقم، طالما بقي الاحتلال جاثماً على عنقه.
لهذا كله لا بد وأن يسأل الرئيس بوش نفسه لماذا هو قادم إلى الشرق الأوسط؟، وماذا سيجني من زيارته سوى أن يكون شاهد عيان على المزيد من الانهيارات والتداعيات في المنطقة؟!
ولعله سيتمنى أن يلغي تلك الزيارة، ويكفي نفسه عناء مزيد من الهوان اللاحق بسياسة بلاده في المنطقة بخاصة، والعالم بعامة!!.