هزيمة حلفاء أمريكا ما بين معركة غزة وبيروت

 

مهند صلاحات *
على شاكلة ما حدث بغزة، حين حسمت حركة المقاومة  الإسلامية حماس معركتها مع تيار التسوية الموالي لأمريكا في فلسطين، حسم حزب الله والقوى الوطنية اللبنانية من الناصريين والقوميين السوريين وغيرهم معركتهم الداخلية مع تيار الموالاة لأمريكا، وللمرة الثانية يبدي حزب الله وحلفاؤه من وطنيي لبنان أنه ليس ذلك الحزب الطائفي، ولا الدموي الذي ينكل بخصومه كما فعلوا هم من قبل.
ففي العام 2000 حين حسم الحزب معركته مع الاحتلال الإسرائيلي وعملاءه من مليشيا لحد، قام حزب الله بتسلم العملاء الذين استسلموا للقضاء اللبناني، وهذه المرة سلم الحزب المليشيات التابعة لجعجع، والحريري وجنبلاط، للجيش اللبناني دون قطرة دم واحدة، ودون تنكيل أو تخريب، بالعكس من قام بحرق المكاتب وإطلاق النار العشوائي هم مليشيا المولاة لأمريكا الذين شاهدهم كل العالم على شاشات التلفزة -وكان معظمهم مأجور، مدفوع الثمن- يبكون كالنساء، ويسلمون دون خدش للجيش اللبناني.
بالحسم العسكري في بيروت، أثبت حزب الله هذه المرة أنه قادر على حسم معاركه الداخلية والخارجية، وأن سكوته السابق عن شتائم واتهامات زمرة (المولاة اللبناني لأمريكا) له لم تكن سكوتاً عن ضعف، فقد أثبتت السجالات الصغيرة التي خاضها الحزب بأنه قادر على حسم معركته الداخلية خلال أقل من ساعة، وهو ما يعيد إلى الأذهان ذات المعركة التي قررت حماس بعد أن طفح الكيل من تجاوزات واعتداءات تيار (الموالاة الفلسطيني لأمريكا) أن تحسم المعركة خلال ساعات معدودة، وأن كلٌ من حزب الله وحماس دخلا المعركة مكرهين.
ولعل الأمور المشتركة بين كلا المعركتين تبدو واضحة، فتيار دحلان في غزة كما تيار جعجع والحريري وجنبلاط تلقى كلاهما ملايين الدولارات كدعم من أمريكا لضرب المقاومة والقضاء على بنيتها التحتية، كما أن كلُ من حزب الله والقوى الوطنية اللبنانية، وحماس والقوى الوطنية في غزة لم يقرر أي منهم حسم المعركة عسكرياً إلا حين شعروا بأن المقاومة في خطر وأن هنالك من يستهدفها بشكل مباشر.
والأهم من هذا كله، أثبتت معركتي حسم غزة وبيروت، أن تيار "المولاة لأمريكا وإسرائيل" هش جداً، ويسقط بسرعة لأنه نشأة أصلاً على فكرة الارتزاق من الخيانة، وأن المليشيات المأجورة مهما نالت دعماً أمريكيا لن يقوى على خوض أي معركة حقيقية أمام الطرف الذي يستعد بكل ما يملك من أجل الدفاع عن المقاومة وسلاحها النظيف المشروع.
وكما يقال بأن المعركة قائد وجند، فإلى جانب ما أثبته جند حزب الله من بسالة ورباطة جأش في معركة تموز وما قبلها من معركة تحرير الجنوب وحرب الاستنزاف ضد إسرائيل، وكذلك فعلت حماس وحركة الجهاد الإسلامي والقوى الوطنية الفلسطينية في معركتها المستمرة مع الاحتلال، أثبت قادة تلك القوى الوطنية أنهم أيضاً جزء من تلك المعركة، فحين نرى السيد حسن نصر الله يقدم ابنه "هادي" شهيداً في معارك التحرير، لم تكن مفارقة غريبة أن يقدم الزهار في غزة ابناه شهيدان أيضاً في معارك الدفاع عن غزة وكرامتها.
في حين كان السنيورة ينتظر بعد أيام لقاؤه في شرم الشيخ مع بوش، وبنفس الوقت الذي كان يلوم فيه جنبلاط بواشنطن الجيش الإسرائيلي لعجزه عن حسم المعركة مع حزب الله، فأي زمن ذلك الذي أصبحت فيه الخيانة "حكومة" قائمة وتدافع عن خيانتها، وتدعو العدو لأن يضرب مقاومتها، والأغرب أن لها أنصار يدافعون عن مواقفها الخيانية؟
وأي مبرر ذلك الذي يقوم فيه وزراء على شاكلة مروان حمادة ووزراء فلسطينيون بتسليم الإسرائيليين معلومات سراً وعلناً عن تحركات المقاومة، وأجهزتها، وتعدادها، وأسماء أفرادها، بفارق هو أن السلطة الفلسطينية كانت تقوم باعتقال وانتزاع التحقيقات تحت التعذيب، بينما في لبنان لم يكن تيار السلطة ليجرؤ على ذلك؟
أمريكا بعد هذه الهزائم المتكررة لحلفائها، والذين أثبتوا فشلهم، وأن الأموال التي ضختها عليهم، والأسلحة الإسرائيلية التي وجدت في مقار مليشيات الموالين لأمريكا في لبنان، ومثلها في مقار السلطة الفلسطينية، لم تجلب لأصحابها سوى العار، بدأت تشعر أنها بحاجة اليوم لتغيير تكتيك المعركة، وستشهد المنطقة الكثير من التغييرات في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران وسوريا، وخاصة بعد الاستعراض الروسي –حليف إيران- الأخير بالأسلحة النووية لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي والرسائل الواضحة عن الحرب التي أوصلها في خطابه الرئيس الروسي الجديد.
يعتقد البعض أن بإمكان أمريكا فرض حصار على حزب الله ولبنان على شاكلة حصار غزة، لكن لسوء حظ الأمريكان هذه المرة وحسن حظ اللبنانيين أن حدود لبنان على كلا الجانبين هي سوريا والبحر، وبالتأكيد لن تكون لا سوريا ولا البحر مثل مصر التي أغلقت أبوابها بوجه أشقائها الفلسطينيين في غزة وساهمت بحصارهم مع إسرائيل.
كما أن أمريكا بالتأكيد ستعيد النظر في عملائها الذين ثبت فشلهم في بيروت، كما من قبل في غزة، وحُسمت المعركة ضدهم بأقل من ساعة، وستتخلى عنهم كما تخلت من قبل عن محمد دحلان حين حُسمت المعركة ضده في غزة، فهل سيتعظ بقية حلفاء أمريكا بأنها دوماً تترك عملائها حين يفشلون وتثبت هشاشتهم بعد أول معركة؟
ومن سيكون ثور أمريكا القادم ؟ وخاصة أن المعركة العراقية بدأت أيضاً تسير ضد الأمريكان، وبوادر ولاية الجمهوريين الأمريكان على وشك الانتهاء!