حين تغيب المنظومات الأخلاقية

غالب حسن محمد
قبل أيام مرت ذكرى احتلال بغداد والتي أصبحت تاريخاً مريراً لكل شعوب العالم, حيث يقف المرء حائراً وعاجزاً عن تصديق

ما حدث لهذا البلد,وهو يسعى لتوصيف الحالة التي آلت إليها الولايات المتحدة الأمريكية ,وهي في أوج قوتها وتربعها على قمة قيادة العالم ثم انحدارها السريع إلى منحدرات الكذب والخداع والفاشية,وكأن الأمة الأمريكية قد انفلتت من عقالها فجأة وأسدلت ستاراً سميكاً على كل (المنجزات الحضارية والتكنولوجية دفعة واحدة,لا لشيء إلا لإرضاء شهوة المحافظين الجدد في البيت الأبيض المتصهينين في العبث بمصالح الشعوب والأمم ونهب ثرواتها, كما حدث في أفغانستان وكما يحدث الآن في العراق.‏

لن نذهب بعيداً في الحديث عن الأطماع القديمة الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية في بلاد الرافدين,ولن نتطرق إلى الأهداف المعلنة والخفية لتلك الأطماع, من بينها بالطبع وإن لم يكن أهمها حماية أمن الصهاينة في فلسطين المحتلة فهذه وتلك أصبحتا معروفتين والحديث عنهما أصبح مكروراً,ولكن الرغبة الحثيثة التي نود الإشارة إليها وبحثها ولو بشكل مقتضب هي تلك الهاوية اللاأخلاقية واللاإنسانية المتروية التي وجدت الولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادة بوش وعصابته من المحافظين الجدد في البيت الأبيض نفسها فيها,فقد نسي الأمريكيون أو تناسوا وهم في أوج انحدارهم التاريخي أن معظم الإمبراطوريات السالفة في التاريخ قد أخلت مكانها,وتلاشت لا لضعف في قوتها العسكرية والاقتصادية,ولا لهشاشة في بنيتها ,أو مقومات استمرارها ولكنها سقطت لأنها أهملت الجانب الأخلاقي وأسقطته من دائرة اهتمامها,وتطاولت على منظومة المسلمات السلوكية التي تتناغم مع طبيعة البشر,وتداعب الأحلام الإنسانية للمجتمعات البشرية.إنه وفي ضوء القواعد الأخلاقية تظهر الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة بوش والمحافظين الجدد من أركان إدارته ,وكأنها في تضاد تام معها,والمؤلم في الأمر أن الأمريكيين يعرفون ذلك لكنهم يتجاهلون ما يعرفون وهم منقادون وراء تلك الطغمة الفاشية الجديدة التي أوصلت معظم بل مجمل القيم التي تشذق بها الأمريكيون وحاربوا من خلالها معظم الدول والشعوب إلى القاع الأسود وكان آخرها العراق.الذي تعرض لمجموعة من الأكاذيب والافتراءات من الديكتاتورية إلى التعاون مع تنظيم القاعدة,إلى تهديد دول الجوار,وليس ما نراه اليوم ونشاهده على شاشة الفضائيات ,سوى دليل صادق على ما توعد به العراقيون لقوى الاحتلال ,وبكل ما تمتلك من التكنولوجيا العسكرية,وما تنفذه من مجازر بحق الأطفال والشعوب والنساء من قتل وتدمير وحرق وتهجير وتشويه تقف عاجزة تماماً أمام ضربات المقاومة الباسلة على أرض الرافدين,أو تستطيع على الأقل الحد من تواتر عمليات المقاومة,وقد صرح أحد كبار قادة الجيوش الأمريكية في جلسة ضمت عدداً من جنرالات الحرب قائلاً (لقد انتشرت ظاهرة التمرد بين صفوف الأمريكيين الذين يكلفون بالذهاب إلى العراق ,وحين يتعرضون للضغط يخلعون بزاتهم العسكرية ثم يلوذون بالفرار داخل الأرياف والقرى البعيدة).‏

ويصف جنرال آخر الحالة التي وجدت الجيوش الأمريكية نفسها فيها نتيجة لغرور وهمجية جورج بوش وطاقمه بأنها (اهتزاز خطير لمكانة هذه الجيوش),وهذا بالطبع يعتبر نتيجة حتمية لمقاومة الشعب العراقي الذي احتلت أرضه ودمرت مقومات دولته بلا سبب أو منطق.‏

هذه هي الأخلاق الأمريكية التي تنوعت تياراتها بين صفوف المحافظين الجدد,والتي تشرع للمسألة اللاأخلاقية حلولاً متباينة تصدر عن نظرة إجرامية تارة,أو عن تفكير عنصري محض تارة أخرى ,غير أنها جميعاً لا تخرج عن كونها امتداداً وتعبيراً عن فلسفة أصحابها الذي أبادوا الملايين من الهنود الحمر, لإقامة امبراطوريتهم وهاهم يبيدون شعب العراق لتأكيد نهجهم العدواني اللاإنساني .لقد كذب بوش وبالغ في كذبه وادعاءاته الساقطة والغريب أنه لا يتوانى عن المضي في هذا النهج ,ولاسيما حين يدعي أن الوضع الأمني قد تحسن في العراق ,وبالمقابل فإن الصدق لا يعرف طريقاً إلى البيت الأبيض.‏