احذروا آل سعود




نضال نعيسة
بحركة عكسية لا تخلو من مغزى كبير، وفي الوقت الذي كانت  تقترب فيه المدمرة الأمريكية يوإس إس كول من الشواطئ اللبنانية كان زورقاً سريعاً يقل عبد العزيز الخوجة سفير السعودية في لبنان ليحط في ميناء لارنكا القبرصي. ورمزية الحركة تتأتى من تبادل الأدوار، بحلول الأمريكان العسكري في المكان الذي شغره السعوديون دبلوماسياً، الحلفاء التاريخيون للغرب في هذه المنطقة.
 
وواحدة من أفضل تداعيات التطورات الأخيرة في لبنان، هي فرار عبد العزيز الخوجة سفير خادم الحرمين الشريفين(هكذا هو توصيفه الرسمي)، لدى الجمهورية اللبنانية التي يحاول فريق السلطة ومن لف لفه لتحويلها إلى إمارة وهابية مصغرة تنفذ فيها الحدود، وتقطع فيها رقاب الناس علناً في الشوارع، وتغتصب وتنكح وتفخذ فيها الرضيعات الصغيرات باسم شرع الله، وينطبق عليهم التوصيف السماوي حول الملوك الذين لا يدخلوا قرية إلا وأفسدوها، ليعود معهم وبهم لبنان آلاف السنين إلى الوراء. السفير الخوجة كان يفاوض نيابة عن "فريق الموالاة" ويعطي الأوامر والنواهي وكأنه حاكم متصرف في لبنان، ويساوم ويقرر عن جبهة عريضة من اللبنانيين الذين لا حول لهم ولا قوة. لكن عنجهية فريق السلطة انهارت فجأة ولاذوا مذعورين ولا يقوون على الإتيان بأي تصريح بعدما رأوا "العين الحمرا" من فريق المعارضة التي لا تهادن ولا تساوم في خطوطها الحمراء، ولم تنفعهم كل قبلات كوندوليزا، والعناق الحار للسنيورة أمام الرأي العام وضخ المال السعودي بلا هوادة في طواحين الموالاة. وقد كان التوريط السعودي المصري في ما وصل إليه، ووراء كل ما أتى به فريق السلطة من تسلط ورفض للحوار أو إبداء أي نوع من التنازلات معتمداً على ضمانات أمريكية بالحماية والتغطية، غير أن الأمريكيين، وكعادتهم، سرعان ما يتخلوا عن حلفائهم في أحلك الأوقات، وكما فعلوا في فييتنام، والعراق.
 
لقد كانت خطوة فريق الموالاة الأخيرة بالون اختبار لمعرفة مدى قوة المعارضة، وردود أفعالها وما يمكن أن تتخذه من إجراءات بعد أن شعر فريق الموالاة بنشوة النصر جراء الدعم السعودي المصري ومحور الاعتدال العربي اللامحدود له، ولم تنتظر المعارضة وحلفاؤها لتؤكد على أن خطوطهم الحمراء ستبقى حمراء، ولا يسمح لأحد بالاقتراب منها.
 
ومع فرار الخوجة، وتقزيم وتحجيم دور فريق السلطة الذي يبدو أنه لا يملك أية قوة كان يعول عليها محور الاعتدال العربي، يظهر أن واقعاً جيداً بات اليوم على الأرض ولا يمكن معه العودة إلى الوراء، والشروط التي كانت متداولة ومطروحة قبل هذا التاريخ أصبحت في حكم الماضي، وليست ذات بال. ومع ذلك فثعابين آل سعود، ومع 250 مليار كعائد سنوي بترودولاري، يوضغ كله في خدمة الشياطين السياسية في غير مكالن، فهم لا يهدأ لهم بال من التآمر، والكيد فهذا هو ديدنهم وهذا هو دورهم، وقد ظلوا "وراء" الرئيس جمال عبد الناصر حتى أنهوه وقضوا عليه، ودخلت المنطقة بعد ذلك، في منعطف سياسي كبير أدى لما نراه من انهيار عام وعلى كافة الصعد والمستويات. هزيمة فريق السلطة واستسلامه هو هزيمة للمشروع السعودي وأزلامه في لبنان، ومع ذلك يجب ألا يكون هذا مدعاة لأي نوع من التفاؤل والإستغراق في نشوة النصر، فهذه الأفاعي الوهابية لا تكف عن بث سمومها في كل اتجاه، ولا تتوقف عن الكيد والتآمر والعدوان.
 
والملاسنة الكلامية الحادة، غير المسبوقة، التي جرت بين سفير سورية في مصر الأستاذ يوسف الأحمد، ونظيره السعودي سعود الفيصل، تحمل الكثير من الدلالات العميقة على المدى الذي وصلت إليه العلاقات السورية السعودية. وحقيقة ما يضمره السعوديين لسوريا وونواياهم منها، والتركيز على واقع أن السعوديين لا ينسوون، ومجبولون على الغدر والمكر والطعن وعدم التسامح، يجب أن يكون ماثلاً، وألا يغيب عن بال كل من يشتغل بهذا الملف الحساس.
 
المعارضة السورية بفصائلها المتسعودة، بدورها، سرعان ما أعلنت حالة النفير العام واللطم والبكاء على فريق الموالاة المتسعود الذي وضع نفسه في خدمة أمريكا وإسرائيل والسعودية. وهذا ما يؤكد صوابية موقفنا المتوجس من هذه المعارضة، وواقع استحالة الالتقاء معها في ظل خياراتها السياسية وطبيعة وحقيقة دوافعها ومنطلقاتها وأدواتها اللاوطنية. فلا يمكن لأي وطني سوري حقيقي أن يجد نفسه، وتحت أي ظرف وتبرير، في الخندق المعادي لسورية ومصالحها العليا. فحين تصطف هذه المعارضة تلقائياً مع القوى المعادية لسوريا أرضاً وشعباً، وتتلاقى مع مصالحها، وتتماهى مع خطابها، وبات المرء لا يفرق بينها وبين الأبواق السعودية، والإسرائيلية والأمريكية، ومع ذلك تطرح نفسها كمعارضة أبعد ما تكون عن "الوطنية"، فهذا يعني أن شرخاً كبيراً قد صار بينها وبين جميع السوريين؟
 
احذروا أمريكا وإسرائيل مرة، واحذروا آل سعود ألف مرة. احذروهم حذراً شديداً، ولا تأمنوا، أبداً، لابتساماتهم السامة ووجوههم الصفراء.