قناة الفتنة الشمولية

 
محمدعبدالرحمن
مثلما أنّ سنيّة المسلم العربي لا تجزم بعروبته فإنّ شيعيّة المسلم العربي لا تثـلم من عروبته . هذه الحقيقة تكاد تغيب عن عقل الكثيرين  في زمن الفتنة المذهبية التي أطلت علينا بقرونها الصهيونية . والشيعة العرب من هذا الباب لا أحد يستطيع أن يزاود على عمق وأصالة انتماءهم العربي الحضاري الأشمل من إطار الطائفة والأبعد من حدود الدين والأوسع والأقدم من مفهوم الدولة ، فهو انتماء أنثروبيولوجي جيني وراثي تاريخي فوق الشبهات بل من العيب أن يصار إلى مجرد تزكيته أو الدفاع عنه كما لو أنه محط تشكيك ومحل تمحيص .
 
مناسبة التذكير بهذه الحقيقة هي هذه الحملة الإعلامية العدوانية الطائفية المنفلتة العقال التي تقودها قناة العربية على حزب الله الوطني اللبناني المقاوم والعربي القلب والضمير والعقل واللسان بعكس ما يروج له أرباب الفتنة ومشعلي الحرائق وحمالي الحطب من عرب الردة ، بل عرب الإندفاع الإنتحاري نحو الهاوية التسووية الصهيو ـ أمريكية ، وإذا ما كانت (مشكلة) هؤلاء مع حزب الله طوال معركته المفتوحة ضد العدو الصهيوني ومشاريعه التفتيتية تتمثل في انفراد طهران على وجه الخصوص بدعمه مادياً ومعنوياً فهذا بحق عذر أقبح من ذنب مردود على أصحابه جملة وتفصيلاً ، فلو وجد مقاومو حزب الله حاضنة عربية رسمية جماعية غير الإيرانية : هل كانوا سيرفضونها؟! .. هل كانوا لو امتدت لهم يد الأخوة العربية بالدعم المادي والمعنوي لأعرضوا عنها ؟!. ثم : هل في مسلكية حزب الله ما يشير إلى تقديمه مذهبيته الإسلامية على وطنيته اللبنانية وعروبته الفصيحة حتى في ظل علاقته العقائدية مع طهران ؟ أتصح هنا مقارنة المقاتل حسن نصر الله من موقعه القيادي في الضاحية العصماء بأمثال المتخاذل عبد العزيز الحكيم من موقعه الإنقيادي في المحميّة الخضراء ؟!.
 
لن أرحمك ولن أسمح لرحمة الله أن تنزل عليك .. ، هذا هو الشعار الذي ما انفك عرب (السلام الإستراتيجي) يشتغلون تحته على محاربة كل ظاهرة عربية مقاومة ، وبوازع من الشعار إياه لم يتركوا لا سني عربي ولا شيعي عربي ولا سواهم من الذين يرفعون السلاح بوجه المشاريع والأطماع الصهيونية إلا عملوا ويعملون على اجتثاثهم فكراً وممارسة ، وفي قاموسهم فإن السني العربي وكذا الشيعي العربي الذي يقاوم مخططات الإحتلال في فلسطين أو العراق أو لبنان أو أي مكان لا يعدو أن يكون إمّا (قاعدي) الهوى أو فارسي المأرب ، فمقاتلو حركة حماس أو الجهاد الإسلامي أو أية فصيل وطني فلسطيني يجاهر بالمقاومة المسلحة خياراً نضالياً في وجه البغاة الصهاينة إنما يدينون بالولاء (لولاية الفقيه) الفارسية ما داموا لا يرفعون لواء أسامة بن لادن ، أقول حين يفلت هؤلاء من تهمة الإنضواء تحت لواء القاعدة يصار إلى زجهم تحت عباءة (ولاية الفقيه) وعندما لا يعود بالإمكان اتهام المقاومة الوطنية العراقية بشبهة القاعدة يضعونها في جيب طهران ، وعلى هذا المنوال الجوال تدور إعلامياً مدحلة عصابة عبدالرحمن الراشد المخانعة لتسحق كل ظاهرة ممانعة تعـبّرعن المقهور والمقموع والمكبوت والمحجورعربياً رسمياً من تطلعات الضمير الجمعي العربي للتحرر من أغلال الذل والهوان والإمتهان والإنكسار .
 
إنّ قراءة موضوعية لأداء قناة العربية على مدار أيام الأحداث الأخيرة في لبنان لن تخلص سوى إلى تثبيت التهمة على هذه القناة بإعتبارها منبر فتنوي لا يقيم وزناً لأدنى الشروط والمباديء المهنية ناهيك عن الأخلاقية ، فلقد رأينا على شاشتها العجب العجاب من بهلوانيات النفخ السافر الفاجر الكافر في بوق الفتنة الملعونة عن سابق قصد إنتهازي وبتصميم نفاقي غاية في الإصرارعلى استغلال حساسية وتعقيدات والتباسات وهشاشة الظرف الزمكاني الخاص مثل العام ، اللبناني كما امتداده العربي ـ الإسلامي .
 
نعم ، شاهدنا بالمباشر أحط فنون التلاعب الطائفي بمشاعر المتلقي وأنجس أشكال الفرز المذهبي وأخس ضروب التحريض على الإحتراب الذاتي ، فلماذا كل هذا المروق أيها القائمون على القائمين في قناة العربية ؟ هل لأنّ حزب الله شيعي أم لأنه مقاوم ؟ هل لأنّ قيادة تيارالمستقبل سنية أم لأنها منخرطة في مشاريعكم التسووية العبثية؟. ماذا لو كان جمهور حزب الله سني المذهب : هل كنتم ستقفون معه على العكس من وقفتكم المشينة ضد جمهور حركة حماس الفلسطينية السنية بسبب من تمسكه بالكفاح المسلح كحق مشروع تقرّه القوانين والأعراف السماوية والأرضية ؟...، وأيضاً : ماذا لو كان السيد سعد الحريري شيعي المذهب ، هل كنتم ستنصرون السيد حسن نصرالله السّني عليه ؟!.
 
الحق أنكم لا طائفيون ، والثابت أنكم لا تقفون مع السني لأنه سني ولا تحرضون على الشيعي لأنه شيعي ، بل أنتم كذلك لأنكم أصحاب راية الفتنة الشمولية التي لا تعرف لا دين ولاطائفة ولامذهب ، أصحاب راية الخنوع المطلق للرب الصهيوـ أمريكي لا سواه ، فلا الله ربكم ولا القرآن كتابكم ولا محمد نبيكم ولا أي من المذاهب الإسلامية مذهبكم ، وإذ يأمركم هذا الرب أن تجتمعوا على محاربة كل ظاهرة مقاومة وطنية عربية فأنتم لها بكل ما أوتيتم من قوة الدس والتآمر والكيد والخبث والمكر مثلما تشهد لكم وبكم وعليكم قناة العربية .
 
لكنكم حين تمكرون فالله خير الماكرين ، وخير مكـر الله وضعه تعالى في عقول المقاومين فإذا بكم في هاوية مكركم تتدحرجون .