الزعامات السنيــة أزمة تصنيف أم أزمة توصيف



د.محمد احمد النابلسي
عنـدما تقع الجماعة في أزمة وتفقد توجهها فهي  تلجأ الى نخبها في خطوة عاقلة لإيجاد المخارج من الأزمـة وفي رغبـة صادقة وشجاعة لمراجعة الظروف المفضية الى هذه الأزمـة في أمنية عدم إعادة إنتاج أزمات لاحقة عن طريق التكرار الطفولي لأخطائها.
ان عامـة الجمهور يعيد تكـرار السلوك الطفولي وأخطائه لفقدانه قدرة المراجعة ومن هنا لجوئه الى النخب في الأزمـات. وعندها يدرك الجمهور الخيط الرفيع الفاصل بين الغرائزية السياسية وبين النخب السياسية. كما يدرك الجمهور في هذه الحالات حاجته الى أنواع النخب الأخرى من فكـرية وإجتماعية وإقتصادية وغيرها. فالأزمـة المأزق تهز كبان الجماعة بمكوناتها المعنوية وبمستقبلها كما تهدد دور الجماعة السياسي والمستقبلي عداك عن تحديه لقيمها وعاداتها.
إلا أن فعاليـة تدخل النخب والحلول التي تطرحها مرتبط بالانطلاق من قاعـدة القيم الأساسية للجماعة. حيث غالباً ما تعـود الأزمة في جذورها الى إنحرافات وتحاوزات يمارسها الجمهور على هذه القيم. ويكون الأمر أكثر تعقيداً عندما تكون هذه التجاوزات إراديـة ومدفوعـة الثمن مسبقاً.
من جهتها فان النخب السياسية تعتبر العمل السياسي تكليفاً لا تشريفاً وهي لاتتهافت عليه كمنصب. فاذا ما ترشحت هذه النخب فان طريقها يبتعد عن المال السياسي. واليكم مثال الرئيس الحص الذي خسر مقعده النيابي في انتخابات أشرف عليها كرئيس للحكومة. ولعلكم تذكرون أيضاً من احتل ذلك المقعـد مكانه وبأية وسائل ودوافع. وأهم منه تخلي الرئيس كرامي عن رئاسة الحكومة وعن مقعد نيابي لا يساويان في نظره "جناح بعوضة" كما أعلن وكما تحولت هذه المناصب فعلاً.
هكذا إستبعد امال السياسي نخب السنة السياسية وتعرفون بمن إستبدلها وهذا الإستبدال مكمن أزمة هذه الطائفة. أقله ان الآخرون لا يستطيعون التعاطي مع هذه النخب وفق أسلوب تعاطيهم مع الطواريء السياسية. فهل تراجع الطائفة لياقة البدائل التي قدمها المال السياسي لهذه النخب. واذا كان المال السياسي يشتري المناصب فهل تراه يشتري النخبوية والتجـربة السياسية والمباديء المرتبطة بقيم الطائفة ومصالحها؟!.
هل يراجع النائب الحريري وضعية السنة الجنبلاطيين على ضوء الازمة الحالية؟. وحجم التدخل الجنبلاطي في قيادة السنة وتوجيهها؟. وأيضاً الضغوط الممارسة لدفع الحكومة السنية للمواجهة مع حزب الله عبر قرار شبكة الاتصالات؟. وهل يراجع عزيزنا سعـد كفاءة الفريق المحيط به واهليته في إدارة الأزمات؟. وهل يعتبر بعد ذلك انه أحسن الإختيار او الإستثمار كي يفهمنا؟.
ألم يكن أولى بالنائب الحريري ان يتبين أخبار الفاسقين وأن يقف الى جانب كبار ونخب الطائفة في جنازة والده الشهيد؟. فهل تراه يراجع صور الجنازة ويعيد تقويم الظاهرين فيها على ضوء معطيات الأزمة الراهنـة؟. هل يمكن ان نطلب منه مراجعة أرشيف المستقبل في الأيـام التالية للإغتيال وينتبه الى المطالبين بإستمرارية الكرم الحريري اضافة للمطالبين بتنفيذ وعود إدعوا ان المرحوم قطعها لهم؟. وهل تستوي مثل هذه المطالبات والدم لم يجف بعد!؟.
إن تركيزنا على النائب الحريري يعود الى مسؤوليته كزعيم حالي للطائفة وبالتالي كمهتم بايجاد الحلول لأزمتها الراهنـة. وهو ما يستوجب اولاً مراجعة المشاريع الفاشلة بأشخاصها ومجالاتها وتكاليفها وسرقاتها ونتائجها؟.
واذا كانت الحساسية تحول دون اللجـوء الى النخب اللبنانية فلماذا لا نلجأ الى النخب العربية والإسلامية. وهي نخب محايدة في الموضوع الداخلي اللبناني. فما رايكم بمفكرين من أمثال محمد حسنين هيكل وعبد الوهاب المسيري؟.
إن الإستمرار في تحييد النخب والإصرار على البدائل القاصرة يعني إيغال الجماعة في أزمتها وبقائها في حالة فقدان التوجه والضياع في متاهة السياسات الكبرى التي لم تعد جماعة السنة في لبنان قادرة على تحمل مخاطرها ودفع ضريبتها. خاصة بعد ان أصبحت قيم الطائفة نسبية بما يهدد هويتها. فهل تعود الجماعة للإتفاق على كون إسرائيل عـدوة وعلى كـون المتعاملين معها جواسيس؟!. أم نحن نطلب أكثر من المستطاع؟.
رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية