كرهونا فى مصر الله يلعنهم !


 
 
سيد يوسف
العنوان ليس منى وإنما لصديقى وهو باحث فى اللغة والأدب، عف اللسان، حين يشتد به الغضب والغيظ يشتم قائلا :"ولاد الإيه" وهى لفظة مصرية عامية يلجأ إليها بعض الناس حين لا يريدون أن تلفظ ألسنتهم شتائم يندى لها الجبين أو غير ذلك من معان، وبينا أنا جالس إذ زارنى ودار بيننا حوار ظنى أنه يدور فى خلد كثير من الناس أنقله ههنا بلغتى عسى أن يفيد منه بعض الناس.
 
ساءلنى صديقى : أمصر جميلة؟
قلت: ما زلت أراها جميلة.
تساءل: ما أجملُها؟
قلت: رباط أهلها كما فى الأثر.
قال: وهل يُحتفى بأناس لا يدفعون الظلم عن أنفسهم؟
قلت: قسوة القهر تؤخر رد الفعل المرجو.
قال: فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا...أليس كذلك؟
قلت: ما زلت أرى أن استعجال قطف الثمرات يؤخر النصر.
 
قال: فى كل تأخير أناس يموتون غرقا أو حرقا أو غما وكمدا وفى شهداء تابور (طابور) الخبز عبرة لمن يستبطئون الثورة...ألا ترى ذلك معى؟ قلت فى نفسى نعم هذا كلام صحيح لكن ما ينبغى أن نزيد يأس الناس ثم قلت لصديقى موجها دفة الحوار: وفى مصر جمال من نوع آخر قاطعنى صديقى متسائلا: تقصد أرضها ونيلها وتربتها؟ قلت : نعم.
 
قال: وأين تلك الأرض؟ ألم تبع للصهاينة؟ ألم يرخص الحكام دم شهدائنا؟ ألم يفرط حكامنا فى أراضينا ببيع أو صمت مريب كما فى مثلث أم الرشراش؟ ألم تلوث أرضنا بالمبيدات المتسرطنة حتى ضعفت تربتنا وتأخرت نهضتنا الزراعية؟ ولنا فى القطن عبرة وعظة.
 
قلت: فى مصر جمال متعدد: بنية المصرى وسخريته من الأحداث وابتسامته رغم الخطوب ورضاه بالقليل من الدنيا ومساندته للمعوزين رغم احتياجه ولنا فى الذين ساندوا أهلنا فى غزة رغم ضنك معيشتنا ما نستأنس به ههنا.
 
قال: ألست القائل يا صديقى من قبل" كان المصرى يسخر من أحداث الزمن، ومصائب الدهر، وبطش الحكام بالنكتة لا سيما السياسية ولعلماء الاجتماع دراسات حول ذلك، فدراسة هذه النكت تكشف أهم تطلعات المجتمع ورغباته وانتقاداته كما تكشف عن نوعية التفاعل والعلاقات التي تربط المواطنين بذاتهم، كما إنها تمثل إحدى الوسائل الدفاعية اللاشعورية التي يعتمد عليها الإنسان لمواجهة الضغوطات الناجمة عن العالم الخارجي، مثلها مثل سائر الوسائل الدفاعية الأخرى تحاول أن توجد نوعا من التوازن النفسي و إخراج الدوافع والطاقات المكبوتة...وغير ذلك مما هو مجاله علم الاجتماع السياسى، أو علم النفس...لكنى أخشى تبدل البنية النفسية للمصريين/ المقهورين وقد باتوا يرون قيمهم وتراثهم بله أعراضهم تنتهك أن يكونوا فقدوا البسمة لتحل محلها الاكتئاب والإحباط فينتحرون يأسا وتشاؤما"؟!
 
ثم استطرد صديقى قائلا: هل تعلم عدد المنتحرين فى مصر؟! لماذا لا تسلم بأن مصر لم تعد مصر؟ لماذا لا تسلم بأن مصر فقدت جمالها؟ لماذا لا تسلم بأن مصر لم تعد ملك المصريين؟ لماذا لا تسلم بأننا نعيش فى أسوأ ظروف الحياة؟ لماذا لا تسلم بأن شبابنا فقدوا الانتماء؟ لماذا لا تسلم بأن الناس تفضل الموت عن الحياة ههنا الآن فى مصر؟ لماذا لا تسلم بأننا لم نعد نحن؟ لماذا لا تريد أن تصدق؟ لماذا؟! لقد كرهونا فى مصر الله يلعنهم.
 
قلت: لا يمكننى أن أسلم بأن مصر لم تعد مصر لأننا أناسي فينا من نفحة الرحمن وودائع السماء ما فينا، واليأس ترف لا نملك دفع ثمنه... قاطعنى قائلا: دع عنك هذه المثاليات وانظر إلى أطروحات بعض المتكلمين من الفلاسفة والمفكرين عن المصريين تجد قائمة من السلبيات الأكثر شيوعا فى كتاباتهم كالانتهازية، الوصولية، الهبش، الفهلوة وقد أشارت إلى ذلك صراحة دراسة الدكتور حامد عمار، ومنها الأنانية ومن مظاهرها تزايد الاجتراء على المال العام، واستباحة اغتصاب أراضى الدولة، البلطجة، الاهتمام بالشكل عن المضمون، الفرعنة : أى إذا قدر تفرعن وتجبر، السطحية فى علاج المشكلات فمشكلات الماضي هى هى مشكلات الحاضر، ثنائية التفكير إما... أو/ إما صح أو غلط ... وكأن الحلول الوسط عيب وحرام، الانغلاق نحو الذات، الاغتراب : بمعنى شعور المصرى بأنه غريب وسط الناس...ورغم ميل المصرى إلى الجماعية داخليا إلا أنه يريد التمايز على الآخرين باللقب/ السحق أو النفاق/ المكانة أو الوظيفة / السلطة / النفوذ... وقد يعزى ظهور هذى السمات السلبية إلى عوامل متعددة منها تآكل الطبقة المتوسطة والتى هى صمام المجتمع وأمانه، ومنها الشعور العام بعدم المساواة أمام القانون، ومنها تجفيف منابع التدين الصحيح، ومنها غير ذلك لكن على كل حال يصعب معها إغفال الجانب الخلقى والأثر الضعيف لسيطرة الأنا الأعلى حيث الانحراف وما ينتج عنه من الأنانية وحب الذات، التشبه بالعدو وتقليده، انتشار المجون والخلاعة بين المصريين وما انتشار جرائم الاغتصاب وما شابهها إلا مظهر من مظاهر ذلك الانحراف...
ثم بعد كل ذلك أنت ما زلت تتشبث بالأمل!! هيهات هيهات.
 
وانتهى حوارنا وكلٌ متشبث برأيه على أن الذى أثارنى هو دعاء صديقى الصريح " لقد كرهونا فى مصر الله يلعنهم" فمثله – كعهدى به- لا يلعن أحدا لكنه القهر والإحساس بالمرارة والظلم على أنى أريد تبيان نقطة أراها مهمة وخلاصتها أن أبناءنا لا يستحقون ان نهمل حقوقهم بالتخلى عن مقاومة الباطل وأهله، وأن الطغاة لا يستحقون ان ندعهم يهنأون بسرقة مقدراتنا
فإن لم نفعل من أجل ديننا فمن أجل أنفسنا أو حتى من أجل أبنائنا فإن لم يكن من أجل أبنائنا فمن أجل مصرنا حتى لا يقول قائل كرهتونا فى مصر.