أمريكا في العراق .. تاريخ فشل ...!


بقلم : الدكتور فهمي الفهداوي
لا أحد بمقدوره أن يبقى مصدقاً حكومة الإدارة الأمريكية للرئيس بوش ، بعدما تعمَّقت في غوصها المتلاطم ، ضمن أوحال الأكاذيب ، وها هي باتت تنوء بأوزار احتلالها الخاطئ للعراق ، منذ خمسة أعوام مضت ، ويتدوَّنها التاريخ رغمَّاً عنها ، بأنَّه تاريخ فشل ...!
وسيبدو حال الإدارة الأمريكية الجديدة غير محمود العواقب والتبعات وليس محسوداً ، حال تسلُّم التركة المشوهة من المنجزات والسياسات العجيبة ، التي ستخلفها رئاسة بوش الراحلة بالتأكيد إلى كمونها المخزي في مذكرات الفشل وإستحضارات الإخفاق .
فالعراق شوكة النضال والصبر على القهر ، سيكون السرَّ الذي لم تكتشفه أمريكا بعدُ ، عندما تسعى إلى جرد خساراتها المريرة بالدماء قبل الدولارات ، وقبل أحلامها في نهب النفط ، وسعيها في تهديم معالم الحضارة والتاريخ المدون في أوردة شعب الرافدين ، ذلك الشعب المقاوم دون شكٍّ ، الذي حمى الرسالة الإنسانية ، فبقيت عصية على الغزاة والغرباء والمتطفلين ، في كل زمان من أزمنة الخير والشر . 
إذْ ثمة ما يقرب من ثلاثة ترليون دولار أمريكي ، جرى هدرها وإنفاقها ، بطريقة فوضوية غير منتظمة ، عبر عاصفة الحرب على العراق ، وهذه التكلفة لم تقوَ على خلق صفحة بيضاء واحدة ، يُمكّن وصفها بالإيجابية ، لا في الداخل الأمريكي ولا في الداخل العراقي ، وإنما على العكس من ذلك ، فقد أوجدت صفحات سود ، تليها صفحات سود ... وسود ، في جميع اتجاهات الرأي العالمي والدولي والإنساني ...!
أمريكا المتغطرسة في تمثيلات شجاعتها ، لم تُغنِها أكاذيبها المتحركة على طول فضائحها في السياسة والاقتصاد ، من أن تتحول إلى أضحوكة القرن الحادي والعشرين ، ككتلة مريضة ، أفرزتها انعكاسات التشبُّث بمخلفات فلسفة الإمبراطورية ، الحالمة بعبودية العولمة السقيمة ، التي أفقدتها الأهلية والنجاعة ، بكل ما تملكه من تقنية وقوة ورأسمال ، وحولتها إلى حوض مُستقّبِلٍ لأضخم آثار التدهور الاقتصادي ، الناجم عن قرارات السياسة العسكرية ، عوضاً عن السياسة الدبلوماسية ، في معالجة الأزمات الدولية والمشكلات العابرة للقارات .
إنَّ منطق الحروب الإستباقية ، للعقلية السياسية في الإدارة الأمريكية للرئيس بوش ، لهو منطق مُستعاد التفعيل من الذهنية الفاشستية ومنظور النازية التسلطية ، التي عبثت بالبؤرة العالمية للوجود الإنساني ، من خلال سلسلة قاهرة من الحروب والعبث والدماء ، اكرماً لإرادة الزعيم الخارق الأوحد ، واستسلاماً عند رغبة اللامرئي من النوايا والتطلعات ، والرئيس بوش يُمثل النموذج الأكثر باطنية في هذا الاتجاه من الفوضى ، كما يُمثل الأخطر حضوراً في معادلات الخطأ والارتجالية السياسية ، التي دأبت على الأخذ المتزايد بذلك المنطق الغريب للحروب الإستباقية .
-           أمريكا لديها فقراء يجأرون من الجوع والمرض والبطالة والتفكك الأسري ...!
-           أمريكا لديها جرائم اجتماعية كبرى ، ستظل في حالة اتساع وتشابك دون معالجة جادة ودون احتواء مفيد .
-           أمريكا لديها إشارات مُهلكة ، ستُصيب أوضاعها الاقتصادية بالعجز والركود ، وقد تؤدي إلى نشوب حروب داخلية وصراعات اجتماعية ، بين فقرائها الكثيرين – المتضررين وأغنيائها القليلين - الطغمويين .
-           أمريكا لديها عجز تامّ عن مواجهة مخلفات الأعاصير الطبيعية والفياضنات المائية ، التي لحقت ببعض ولاياتها ، وأصابت سكانها بحالات التشرد والضياع ، وثمة تعتيم مقصود ، حول كل ذلك العجز ، من باب الحرص الأمني ، لكي لا يكون ثغرة دالّة على تحليلات معاكسة ، وغير مرغوب باستنتاجاتها . 
فهذه المؤشرات الصميمية ، التي يعاني منها المجتمع الأمريكي الآن ، كلها نجمت عن خيارات الإدارة الأمريكية ، وعن سياساتها المغامرة في حروب طويلة ، كما تخوضها اليوم في أفغانستان والعراق ، بما يفضي إلى قيام فجوات واسعة بين أطراف المجتمع الأمريكي ، الذي أخذ يدرك مدى تأثره بالانعكاسات المدمرة لمستفبله ومساره الاجتماعي ، من حيث تفاقم أرقام المديونية للاقتصاد القومي الكلي ، وانكماش برامج الخدمة العامة وتناقص جودة الخدمات الصحية والعلاجات الطبية ، وتضاؤل الاهتمام بالمرافق التعليمية الحيوية ومؤسسات التغذية الوطنية .
لقد فشلت إدارة الرئيس بوش وطاقمها المتاجر بالنفط مقابل الدماء ، في أن تحافظ على توازنات المقايضة في خططها وإستراتيجياتها الاقتصادية ، فبالقدر من اضطلاعها في هدر الدماء ، لم تنجح في حيازة النفط ، إلاّ من خلال جعله رهناً في جيوب المافيات واللصوص والسماسرة ، على حساب رأسمالية الدولة الحقانية ، وممتلكاتها العامة المتحققة بشرف المنال .
ونفط العراق ، يمثل النموذج الصارخ ، لكل حالة من حالات الفساد ونهب ثروات الشعوب والتسلط على ممتلكاتها ، التي تُسرق لصالح نزوات الجنرالات والتجار العسكريين والمهربين الانتهازيين الخارجين من بوتقة الاحتلال ومفهوم الغزو .
-           أمريكا خسرت ماضيها في كونها داعية للتحرر ، مع كونها داعية للعبودية أصلاً وأساساً .
-           أمريكا خسرت حاضرها في كونها حريصة على رفاهية مجتمعاتها ، مع كونها في حقيقة الأمر ، حريصة على قيام لوبيات المالكين للثروة والسلاح والنفط والدماء ، ضمن عقلية وفلسفة صناعة ما يعرف برأسمالية الصالة وكازينو القمار واللعب .
-           أمريكا خسرت مستقبلها في كونها الأسد الذي يحكم غابة الكرة الأرضية ، مع كونها لم تكن إلا دولة اللصوصية الأولى للأقوياء غير الشرفاء .
إنَّ كل هذه الخصائص التحوّلية ، التي تغبَّرت بها شواهد الدلالة الأمريكية للسلوك السياسي ، بجميع مدخلاته وعملياته ومخرجاته ، ما هي إلاّ اختزال واضح للحقيقة السلبية المعروفة عنها ، عبر مسيرتها التاريخية ، وبالتالي فهي أمام كراهية عالمية ، ستنطلق في اتساع مداها من داخلها أولاً ، ومحيطها ثانياً ، ثم من جميع أنحاء الدنيا ثالثاً ، وهذا كله سيؤدي إلى تفكيكها إلى دويلات متهالكة على بعضها البعض شعبياً ومجتمعياً وعرقياً وقومياً ، من أجل الثروة المتناقصة ونقص الطاقة وإرتفاع سعر الوقود ، وتداعي مفاهيم المدنية والحرية والديموقراطية ، التي كشفتها ويلات الشعوب المحتلة ، واصطبار شعوبها في النضال ، ضد عمليات الغزو والاحتلال الأمريكي ، الساقط من سفر الإنسانية ، سقوط الحشرات بفعل المكافحكات ، التي تُوثّق بأنَّ أمريكا في العراق ، تاريخ فشل ...!