نجاح القمة رهن بجدية المؤتمرين .

بعد أيام ستنعقد القمة العربية برئاسة الدكتور بشار الأسد مؤذنة بنمط جديد للقيادة سمتها الرئيسية الشباب والأمل. ربما تعود المواطن العربي على النظر لهكذا ملتقيات باستخفاف نتيجة العجز العربي عن حل أي معضلة نواجهها وما أكثرها ، كما بقناعة ترسخت عبر جيل كامل من الهزائم والنكسات بعدم جدية القرارات التي تصدرها القمة، وان وجدت فالتنفيذ يكون عادة مؤجلاً إلى ما شاء الله والحكام . إذن ما الذي يجعلنا نعتقد بأن هذه القمة ربما تكون أفضل من سابقاتها ووسمناها بالأمل والشباب ؟
في الدرجة الأولى تلعب سمتان لهذه القمة دوراً في جعلها متميزةً بالمعنى الايجابي ، الأولى كونها تعقد في سوريا التي حملت ولا تزال حلم الوحدة العربية والتضامن العربي والمقاومة العربية في أكثر من ساحة وبمستويات متعددة وتعرضت ولا تزال لهجمة أمريكية صهيونية شرسة ومن هنا فحرص البلد المضيف على النجاح سيكون كبيراً ونوعياً . الثانية أن هذه القمة تنعقد بقيادة رئيس من فئة الشباب العربي المتنور والمطل على قضايا المنطقة ومنغمس فيها منذ نعومة أظفاره كما حساسيته الشديدة تجاه كرامة شعبه وأمته ، وهو القائل بأن العدوان على سوريا إن كان له أن يقع فان أفضل من تقديم التنازلات المهينة مواجهة العدوان بشجاعة صاحب الحق ، وفي هذا نكسب شرف التصدي للدفاع عن وطننا وحقوقنا . إن وجود رئيس للقمة بهذه الحيوية والفهم لطبيعة الصراع سيكون حتماً لمصلحة نجاح هذه القمة.
وبالتدقيق في الملفات المعروضة على القمة والتي لابد أن يكون لها موقفاً وقراراً حاسماً فيها سيكون الملف الفلسطيني واللبناني أكثرها سخونة وحرجاً ، وفي الباطن ستكون المصالحات العربية العربية محوراً للقاءات كثيفة ومريرة .
إن نجاح القمة العربية بالإضافة لما ذكرناه حول عوامل هذا النجاح سيرتبط بهذا القدر أو ذاك بمدى جدية المؤتمرين في البحث عن حلول مرضية ومشرفة لمعاناة الشعب العربي في فلسطين ولبنان والعراق وكل مكان وضعت فيه أمريكا بذرة الفوضى " الخلاقة " لتمرير مشروعها الاستعماري المعروف والهادف تأمين مصالحها الإستراتيجية وفي مركزها النفط و لحماية إسرائيل من أي تبعات لسياستها العدوانية ولسلوكها المخالف لأبسط قواعد الشرعية الدولية والقانون . ولعلني لا أبالغ إن افترضت أن ما يسمى بمحور الاعتدال العربي سيكون له الدور الرئيس في تمهيد الطريق أمام نجاح سوريا ورئيسها في لملمة الوضع العربي والجهد العربي ووضعه في سياق جديد ومختلف عما تعودناه في القمم السابقة ، سياق يحدد جبهة الأعداء والأصدقاء بوضوح يراه المواطن العربي ويعرفه ومعها يرسم لوحة واضحة لمصالح الأمة العربية بعيداً أو قريباً من السياسة الأمريكية وشروط التعامل معها بما يحفظ لنا حقوقنا ويوقف العدوان على بلداننا في أكثر من مكان . ليس لسوريا مصلحة في معاداة الولايات المتحدة الأمريكية في ظل موازين دولية لا تترك مجالاً للاجتهاد في مآلات الأمور غير أن ذلك لا يمنع سوريا من التصدي للسياسة الأمريكية المعادية لمصالح وحقوق العرب في أكثر من قضية وأكثر من محفل دولي ، ولهذا فان حديثاً صريحاً وواضحاً على هذا الصعيد سيكون في أولويات الرئيس بشار الأسد أمام القمة ، وقد عهدنا الرجل واضحاً صريحاً ، وأيضاً يمتلك بالإضافة للجرأة حكمة الكبار وأصحاب الخبرة ومن المرجح أن يبدي مرونة سورية تجاه بعض المسائل وخصوصاً المعضلة اللبنانية والتي يعرف الأسد قبل غيره حساسيتها وتعقيدها وحجم التدخل والتداخل في مواضيعها الشائكة ، غير أن الرئيس الشاب في حاجة لموقف مساند ليس من الجماهير التي قدمت له ذلك خلال الأسابيع الماضية بتبنيها رؤية سورية للحلول المفترضة للمشاكل التي يواجهها هذا الوطن ، بل من جانب الرئيسين حسني مبارك ومحمود عباس كما من جانب ملك السعودية والأردن .
إن الواقعية السياسية التي تبنتها سوريا على مدار العقود الماضية لا تزال مستمرة ولكن في حدود المصالح الوطنية والقومية وبلا مهادنة مع أي عدوان سواء كان أمريكياً أو إسرائيليا ومن هنا نستطيع إدراك نقاط القوة لمصلحة نجاح القمة ارتباطاً بعقدها في سوريا وبقيادة الدكتور بشار الأسد .
إن الدعوة التي أرسلتها سورية لرئيس الحكومة اللبنانية يعني التزاماً سورياً بشرعية الجامعة العربية وما تقرره بخصوص التمثيل وغيره من القضايا ، وفي هذا فان هذه الدعوة وان بدت مخالفة لقناعة تتعلق بالشرعية وصحة التمثيل إنما تقدم الدليل على حكمة النظام السوري وأبوابه المشرعة لكل تقدم باتجاه المصالحة والوفاق حتى لو على حساب مصالحها ومصالح حلفائها ، رغم احتجاجات البعض في لبنان سواء ما تعلق بمستوى حامل الدعوة أو بشرعية من تم دعوتهم .
المواطن العربي ينتظر القمة ويرقب نتائجها ولديه كل الحق في التخوف والحذر من تلك النتائج بسبب سوابقه معها ، غير أن صعوبة الظروف التي نمر بها وتشابك الأزمات في المنطقة واتضاح العدوان كما الانحياز الأمريكي لهذا العدوان وممارسته بدون خجل أو مواربة يجعل الأمر صعباً على حلفائها مهما كان ارتباط مصالحهم بأمريكا ، وأشكال التعبير التي مارسها المواطن العربي على امتداد الشارع وتجاه أكثر من عنوان وخصوصاً العدوان الوحشي على غزة يقدم التنبيه الأعلى صوتاً للجميع بأن الكيل قد فاض وأن الوقت قد حان لخطوة عربية شجاعة تخطوها قيادات الأمة إن أرادت أن يبقى هناك القليل من الثقة والاحترام لها في أوساط جماهيرها ، وان أرادت أيضاً أن يعير مواطنها قراراتها أي اهتمام . ومما تقدم يتضح كم هو ضروري وحاسم أخذ المواضيع المدرجة على جدول البحث بالاهتمام والجدية المتناسبة مع حجم الألم والغضب الذي يعتمل في الشارع.
إن الأمل معقود على هذه القمة لرأب الصدوع ورفع الظلم عن أمتنا واختطاط طريق جديد تبدأه دمشق ويقوده الرئيس بشار الأسد ... وان غداً لناظره قريب.

زياد ابوشاويش
Zead51@hotmail.com