هل شاهدتم انغيلا ميركل وهي تزور نصب المحرقة اليهودية؟

رشيد شاهين
أن تقوم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بزيارة الدولة العبرية فهذا شيء طبيعي ولا غرابة فيه، فالكل يزور إسرائيل وخاصة القادة الغربيين وهم على أي حال يفعلون ذلك بالعلن- أفضل ممن يقومون بذلك في السر من "العربان"- وأن توقع اتفاقيات مع دولة الاحتلال في شتى المجالات سواء الاقتصادية أو السياسية أو العلمية أو في أي مجال آخر فهذا أيضا مفهوم وطبيعي، وان تقوم بوضع أكاليل من الزهور على ضحايا هتلر النازي الألماني – ابن جلدتها- فهذا أيضا مفهوم، فالكل يقوم بذلك وهي ليست – اقصر- منهم ولا أقل باعا في التزلف والنفاق وحتى الخضوع لإسرائيل، ونحن نستطيع أن نتفهم ذلك- صرنا نتفهم الكثير من الأشياء التي لم نكن لنفعل لولا هذا الخنوع العربي-.

ما هو غير مفهوم - بالنسبة لي على الأقل - في مواقف السيدة ميركل وخاصة الموقف الأخير خلال زيارتها للكيان العبري، هو هذا الانفصام في الشخصية، وهذا الكيل بمكيالين بشكل واضح لا لبس فيه، وهي التي من المفروض أنها تقود دولة من أهم دول الاتحاد الأوروبي، دولة عريقة وقوية اقتصاديا على الأقل، وهي الدولة التي التزمت بكل ما عليها أكثر مما التزمت بما هو لها، خاصة بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وخضوعها لشروط القوي والمنتصر ونحن نقول -أن القوي...-.

اعتقد أن ليس بالإمكان لشخص ما – أي كان هذا الشخص- يدعي الإنسانية وأنه يحمل الكثير من الأحاسيس والعواطف أن يقسم عواطفه أو أن يجزئها على هواه، فيشعر مع هذه الضحية بالتعاطف، ومع ضحية أخرى لا يشعر بمثل ذلك، بل هو لا يشعر ولا يكن إي إحساس ولا يعترف بالضحية الأخرى وربما لا يعترف بوجودها أصلا، برغم أنها تعاني بشكل ربما يفوق لا بل هو فعلا يفوق معاناة من يدعي بأنه ضحية، وهو – الذي يدعي بأنه كان ضحية--وإن كان كذلك فعلى أي حال فهذا كان قبل عقود من الزمن اندثر خلالها إن لم يكن كل فأغلب الذين عانوا في حينه.

هل تعتقد السيدة ميركل بأن الوجع اليهودي هو أكثر إيلاما من وجع الآخر، بغض النظر عمن يكون هذا الآخر، وهل إذا ما جرح الإنسان "اليهودي" يكون شعوره بالألم أقوى وأكثر من الإنسان الآخر، أم ترى هي تعتقد أن التركيبة الجسمانية- الجسدية- للآخر تختلف عن التركيبة المتعلقة بالإنسان اليهودي، وإذا كان الأمر كذلك أفلا يدلل هذا على "عقلية عنصرية".

لكن وحيث أننا لا نريد أن نتهم السيدة ميركل بالعنصرية ولا يمكننا ولا نرغب بذلك، فإننا نريد أن نوجه لها سؤالا نرجو أن تجيب عليه بنفس الشفافية التي شاهدنا وهي تقف أمام النصب التذكاري لمحرقة اليهود على يد ابن جنسها هتلر، ترى هل تعتقد أن وجع الإنسان الفلسطيني يختلف عن وجع الإنسان اليهودي، وهل الإنسان الفلسطيني أو الأوروبي أو حتى الألماني يكون أقل إحساسا بالألم أذا ما تعرض لأذى معين كالجرح مثلا أو الذبح أو الحرق، كيف يمكن للسيدة الألمانية الأولى أن تظهر كل هذه المشاعر تجاه ضحايا النازية من اليهود - والتي لا اعتقد أنها مسؤولة عنها بشكل شخصي فهي كانت طفلة في ذلك الوقت- ولا تظهر هذا الفيض من المشاعر وهذا الإحساس بالحزن الشديد تجاه كل الملايين من الشعوب الأوروبية الذين سقطوا خلال حقبة هتلر وكانوا ضحايا لجنونه.

هنا لا بد من أن أشير إلى أنني لا أناقش قضية المحرقة اليهودية وحقيقة حدوثها من عدمه، أو أعداد الضحايا من اليهود أو من غير اليهود،"ليس في هذا المقال على الأقل"، وذلك حتى لا يتم اتهامي بالعنصرية ومعاداة السامية برغم أنني اعتقد بأنني سامي إلا إذا كان الأمر غير ذلك بالنسبة لمن لن يعجبهم ما أقول، وإنما أناقش كيف يمكن للنفاق السياسي إن يكون فجا وبدون حدود، وإلى أي درجة من الانحدار يمكن أن يصل بالشخص حتى لو كان بمنزلة قائد لدولة عظيمة مثل ألمانيا.

عواطف السيدة ميركل وآدميتها ظهرت بكل تجلياتها أمام نصب المحرقة إلى الدرجة التي اعتقدت أنها سوف تسقط مغشيا عليها من شدة انفعالها، لا بل اعتقدت للحظة بان السيدة ميركل تتقمص الدور بشكل أكثر من أهالي الضحايا أنفسهم، ولا أبالغ في القول إنني اعتقدت بان السيدة المحترمة قد تكون يهودية – ولن استغرب لو كانت كذلك، فمادلين اولبرايت إذا كنتم لا تزالون تذكرونها لم تعلن عن يهوديتها إلا في مرحلة متأخرة وبعد أن استطاعت إن تتسلق أعلى المراكز القيادية في الولايات المتحدة الأميركية-.

المشاعر الجياشة التي أبدتها السيدة المستشارة أنغيلا ميركل لم نر أو نسمع أو نلمس منها شيئا فيما يتعلق بالمعاناة الفلسطينية، برغم أن ضحايا "المحرقة" الإسرائيلية لا يعيشون في قارة أخرى، إنهم لا يبعدون عن مكان وقوفها في نصب المحرقة اليهودية سوى عدة مئات من الأمتار.

ترى هل كانت السيدة المحترمة في غفلة من أمرها عن ولو مجرد إشارة أو لفتة واحدة لهؤلاء؟ أم أن انغماسها في "الدور" أنساها هؤلاء الذين عانوا ولا زالوا على مدار سنوات الاحتلال الإسرائيلي؟، أوَ ليس أبناء الشعب الفلسطيني جزء لا يتجزأ من ضحايا أوروبا و"محرقتها" بشكل عام حتى لا نتهم بلدا بعينه؟، بعيدا عن بريطانيا التي تورطت بشكل مباشر في المعاناة الفلسطينية، أوَ ليس سبب الهجرة المتنامية لليهود إلى فلسطين هو كل ذلك الاضطهاد الذي تعرضوا له على أيدي الأوروبيين بمختلف جنسياتهم؟ وهذا ما شجعهم على مغادرة بلدانهم الأصلية وسهل على القوى الصهيونية جلبهم إلى "أرض الميعاد" وبالتالي تم ما تم للفلسطينيين بسبب ذلك، أوَ بعد هذا كله تستطيع السيدة " الحساسة" أن تقول أنها كانت في غفلة من أمرها عن معاناة الشعب العربي الفلسطيني على أيدي "ضحايا هتلر"، ترى هل سمعت السيدة ميركل بما قاله فيلنائي خلال مجازر جيشه في غزة؟ أم ترى لم تصلها تقارير من سفارتها بهذا الصدد، كنت أتمنى أن تمارس السيدة المحترمة المستشارة المبجلة دورا فيه القليل من التوازن تجاه ضحايا "محرقة" فيلنائي على الأقل.