لا تراهنوا على أوباما !!!


 
رشيد شاهين
لم يكن ممكنا أن يكون المرشح باراك حسين أوباما، المتنافس على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للوصول الى المكتب الرئاسي في البيت الأبيض مثيرا لكل هذا الجدل لو أنه لم يحمل اسما "عربيا" أو "إسلاميا"، كما لم يكن من الممكن أن تتشكل كل هذه الحالة من النقاش والجدل لو إن والد السيد باراك أوباما لم يكن من أصول إسلامية عدا عن كونه "أسود"، حيث كانت هنالك تجربة ليست بعيدة وهي تجربة القس "الأسود" جيسي جاكسون الذي تنافس على الرئاسة للفوز بمقعد الرئيس في الولايات المتحدة، إلا أن ذالك الترشح من قبل القس جاكسون لم يثر مثل هذا الذي نشهده الآن من زوابع ونقاشات لا تتوقف.
 
    بتقديري أن السيد باراك أوباما لعن في سره " أبو الساعة واليوم اللي كان فيه ابنا لذاك الأب" وعلى أي حال فهذا تقديري الشخصي برغم أنني اعتقد انه تقدير صحيح، كما اعتقد بأنه أيضا تقدير لا بل إقرار من السيد أوباما نفسه، حيث كان قد كتب بنفسه في هذا الموضوع بالذات، وهو عمليا "لعن ذلك اليوم أو تلك الساعة التي أشرت إليها" بطريقة قد لا تبدو بنفس المباشرة التي اكتب بها الآن.
 
     في كتاب له بعنوان "أحلام من والدي" كتب يصف طفولته أو "بالأحرى والده" حيث لا وجود للوالد فيها إلا من خلال صور قد تكون بهتت وتغير لونها، "كان أبي يبدو بالنسبة لي أنه لا يشبه كل أولئك المحيطين بي، فقد كان يبدو كما – الزفت- فيما والدتي تبدو كالحليب وهو قلما علق في ذهني". أو ليس هذا بالضبط ما قلته أو ما أشرت إليه أعلاه، وهل يمكن أن يفهم مما كتبه السيد أوباما غير أنه "يلعن اللحظة التي كان ابنا لهذا الوالد".
 
    أما وقد استعملت ما كتبه السيد أوباما بنفسه، فإنني سوف أستعير شيئا آخر مما كتب، حيث بالإمكان أن نجد مزيدا من الشعور بالإحباط الذي ميز هذا الرجل، فهو يضيف، أنه وخلال مرحلة شبابه عمل "جاهدا من أجل تجاوز كونه من أصول عرقية مختلفة"، كما أضاف بأنه كان يكثر من شرب الكحول وأنه تعاطى المخدرات- ماريجوانا وكوكايين- في العشرينات من عمره، وكتب بأنه كان يفعل ذلك "من أجل أن يبعد الأسئلة المتعلقة فيمن يكون هو عن ذهنه". أو ليس بهذا تكون جهينة – وجهينة هذه المرة هي السيد أوباما- قد قطعت قول كل خطيب؟.
 
    إن هذا الشعور "بالدونية" والخوف من أصوله ولونه وما قيل عن إسلامه ، كل ذلك دفع بالسيد أوباما إلى الركض أماما باتجاه أكبر قوة صهيونية منذ بداية حملته الانتخابية، حيث قام قبل عام من الآن – آذار الماضي بالتحديد- بإلقاء كلمة أمام منظمة ايباك -الجماعة الصهيونية الأقدر والأكثر قوة في أميركا- وأظهر ما قال عنه المراقبون بأنه الالتزام الأكثر وضوحا وقوة تجاه الدولة العبرية، و قد تعهد بأن يحافظ على " التزام كلي لعلاقة متينة مع إسرائيل"، ولم ينس أن يشير إلى المفاعل النووي الإيراني، كما واظهر استعدادا عاليا لمنع إيران من الاستمرار في برنامجها النووي حتى لو تطلب الأمر عملا عسكريا على حد قوله.
 
   الركض وراء التمنيات التي يبديها بعض مثقفي "العربان" إنما يدلل على إحساس بالعجز في الذهنية العربية، وهذا الإحساس هو الذي يدفعها إلى تغليب العواطف على التفكير المنطقي والمنطق العلمي والموضوعي في النظر إلى الأحداث.
 
    برغم أن السيد أوباما كان واضحا في أكثر من مناسبة في مواقفه وفي دحضه لكل ما يتم ترديده عن ديانته، إلا أن هنالك إصرارا من "البعض" على التمسك بوهم لا يعيش إلا في زوايا العقول العربية التي أدمنت على العيش في "عوالم" لا علاقة لها بالواقع.
 
    كون الرجل تعرض لهذه الهجمة الشرسة لا يعني بالضرورة بأنه سوف يفوز، أو أنه إذا ما فاز فأنه سوف يقف مع العرب وقضاياهم "العادلة أو غير العادلة"، وعلى أي حال فهو كان واضحا عندما قال في أكثر من مناسبة بأنه ليس مسلم، وانه اعتنق الديانة المسيحية منذ شبابه. لكن لماذا المراهنة على الرجل وبأنه سوف يكون المخلص للأمة العربية والإسلامية حتى وإن كان مسلما.
 
    أَوَ ليس بين "ظهرانينا وأمام عيوننا وعلى أكتافنا ويكتمون أنفاسنا" من هم من أصول إسلامية أبا عن جد؟، أَوَ لا يمارس هؤلاء ضد أمتهم وضد شعوبهم ما هو أسوا مما يمكن أن يمارسه ألد الأعداء؟، أوَ ليس في كل تلك الأقطار من هم "عربان" أقحاح هم أكثر عداوة لأبناء جلدتهم من الأعداء أنفسهم؟، إذاً، علام المراهنة على الرجل؟ بحيث " جننتوه" ولم يبق أمامه إلا أن يقسم لمراسلي الصحف بأنه ليس مسلما، وأنه لم يكن أبدا كذلك، أو ليس هذا ما فعله مع مراسل صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية؟ التي نقلت عنه في 27-2-2008 " قبل كل شيء يجب معرفة الحقائق كما هي، أنا لست مسلما ولم أكن أبدا كذلك، لم أحلف على القرآن بل أنا ملتزم بالمسيحية".
 
    أوباما كان قبل ذلك قد أكد لصحيفة السفير اللبنانية الصادرة الأربعاء 30-1-2008 "كانت هنالك حملة تلطيخ مستمرة استهدفتني خاصة في أوساط المجتمع اليهودي. إنها خاطئة تماما. لم أعتنق الإسلام يوما، تربيت على والدتي العلمانية وأنا عضو في الدين المسيحي وأمارس مسيحيتي بنشاط". إذاً الرجل يعتبر اتهامه بالإسلام ليس سوى "تلطيخ لسمعته"، أي أن هذه تهمة أو "عار" هو بريء منه، ولا يريد أن يكون له صلة بهذا "العار" على حد قوله.
 
    ما تمت الإشارة إليه ليس سوى نماذج من "حرب" السيد أوباما ضد ما يقال عنه، فهو مثلا وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية هو يقف ضد حق العودة للاجئين، كما أنه أكد على قضية "يهودية" الدولة العبرية، هذه النغمة التي يتعالى الحديث عنها ويزداد ضجيجها "صخبا" والتي تحمل مضامين خطيرة تشير فيما تشير إلى تهديد مبطن لفلسطينيي عام 1948 والمحاولات الإسرائيلية لتغيير المعادلة الديمغرافية لصالح أغلبية يهودية مطلقة.
 
 وبرغم أن هذه ليست سوى عينات مما يقوله الرجل في رد "التهمة عن نفسه، إلا أننا لا نزال نجد من يراهن عليه وأنه سوف يكون السند والمساند للأمة العربية وقضايا هذه الأمة "العادلة".
 
   وبالعودة إلى ما قاله في آذار الماضي أمام الإيباك يقول إنه فيما لو تمت مهاجمة إسرائيل "فإن علينا أن نقف بقوة إلى جانبها"، وقد أعطى مثالاً على ذلك حرب صيف 2006 مع لبنان وكرر التزام أميركا بأمن إسرائيل، "في حالات كهذه فإن الحلفاء لا يتخلون عن بعضهم البعض"، وقد انتقد أوباما اتفاق مكة لأنه لا يلبي مطالب الرباعية حسب رأيه.
 
    السؤال الذي لا بد منه للإخوة المتفائلين بوصول السيد أوباما إلى البيت الأبيض وبتسيد العالم، هل كان صدفة أن يصل السيد أوباما إلى هذا المستوى المتقدم في صفوف الحزب الديمقراطي، أو ليس هنالك ضوابط ومعايير لا بد من التمسك بها وبمراعاتها لكي يستطيع أي من أعضاء هذا الحزب أن يواصل التقدم أماما، السيد أوباما جاء من خلال نشاطه في الحزب والتزامه بكل السياسات التي يتبعها هذا الحزب وعلى هذا الأساس فإن من غير الواقعي أن نحمل الأمور أكثر مما تحتمل، أو نبني على وصول الرجل إلى المكتب البيضاوي آمالا لا تستند إلى واقع وأساسها من الرمل.
 
    في الواقع كنت قد كتبت مقالتين حول ترشيح السيد اوباما لنفسه في معركة الرئاسة أو التنافس ضمن حزبه من أجل الفوز بما يصبوا إليه، وقد استعرضت كل هذه "الهيصة" وكل هذا التهليل الذي نسمعه ليل نهار من قبل بعض " السذج" من العرب والمسلمين الذين يعتقدون بان "شمس حريتهم" أو خلاصهم من المواقف المعادية لهم من قبل الولايات المتحدة الأميركية سوف تكون على يد هذا "المُخَلصْ" بغض النظر عما إذا كان هذا "المخلص" يسوعا أو مهديا.
 
    قد نفهم هذا الترحيب من قبل الذين "يأملون" بفوز الرجل "المُخَلٌَصْ" لو أنه أظهر ولو قليلا من الاحترام لماضيه، أو لجذوره، أو لو أنه أظهر الحد الأدنى من التقدير للذات، خاصة وأننا لا نقرر من هو والدنا عندما نأتي إلى هذا العالم، كما أننا لا نقرر في معظم الأحيان ما هو الدين أو العقيدة التي نعتنق، وإن فعلنا فإنما بعد أن نصبح في مرحلة من العمر تؤهلنا لفعل ذلك، هذا إن فعلنا، عدا عن أن ليس لنا علاقة "ولا ذنب" بما هو الدين الذي يكون عليه الآباء.
 
    ربما نستطيع فهم هذا الترحيب بالرجل لو أننا لمسنا منه محاولة ولو صغيرة لكي يقف مدافعا عن هذا الماضي "وعدم الشعور بالعار" وأن لا عيب في أن يكون "أسود" اللون أو من أب مسلم أو من هذا الحسين ذو الأصول الإسلامية أو الإفريقية، لكن أن "يبهدل" نفسه بهذه الطريقة التي أقل ما يمكن أن يقال فيها وعنها أنها غير مقبولة، فهذا ما يبعث على التشاؤم، وأن لا مجال لبناء أوهام وتمنيات سوف لن تتحقق حتى لو فاز الرجل ليس فقط لفترة رئاسية واحدة لا بل لفترتين رئاسيتين.
 
    السيد باراك حسين أوباما الذي لا نحمل له بغضا أو ضغينة، ومنذ أن بدأ معركته الانتخابية اختار مع من سيقف، وحدد الجهة التي سوف يساندها ولن يتخلى عن دعمها، لا بل وأظهر استعدادا عاليا لكي يصطف في صفها عند أول أزمة قد تواجهها. لا بل هو عمليا اصطف معها من خلال المواقف العلنية المعلنة له، فهو مثلا حث المندوب الأميركي في مجلس الأمن على التصويت ضد أي قرار قد يصدر أو يبدو فيه أية إدانة لإسرائيل في كل مل تفعل ضد الفلسطينيين، كما كانت له مواقف مؤيدة لدولة الاحتلال فيما يتعلق بالموضوع اللبناني هذا عدا عن مواقفه فيما يتعلق بإيران والعراق.
 
     بالنسبة لنا كعرب أصحاب قضية تعتبر من أكثر القضايا عدالة في هذا الزمن " السيئ"، فإن من الواضح أن أوباما حدد حلفاؤه بدون أي لبس أو ضبابية، لقد قال بالفم الملآن – فم الحصان حسب تعبيره- بأنه يقف في الصف المعادي لهذه الأمة وأنه لن يتخلى عن ذلك، وأنه سوف يحافظ على أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي وتفوقها – اعتقد بان الكل يدرك المعادلة القائلة بأن صديق عدوي عدوي، وبالتالي فهو اختار أن يكون في الصف المقابل أو المعادي لهذه الأمة سواء قبل "العربان" ذلك أم لا .
 
    شخصيا، ليست لدي أية مشكلة في أن يقف الرجل مع الدولة العبرية، فهذا هو ديدن الولايات المتحدة منذ قيام إسرائيل، واعتقد أننا إذا ما أردنا أن نغير هذه السياسة التي أصبحت قاعدة في التعامل مع العرب، فإن علينا أن نغير أنفسنا وطرق تفكيرنا. علينا أن لا نراهن على أي من الرؤساء الأميركيين طالما هم "يتراكضون" باتجاه الايباك لنيل رضا الجماعات اليهودية و الصهيونية، هذا التراكض سوف يستمر طالما بقيت هذه الأمة " مطية" لأميركا وغير أميركا وهي على أي حال يبدو أنها استساغت الأمر.