لو حضر "شاليط" لحضروا!

د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام – فرنسا
لست من الدعاة إلى القمم العربية ولا إلى حضورها ولا أثق بالقادة العرب، ولا بقراراتهم، ولا بالسيد عمرو موسى أمين الجامعة ولا حتى بأمين الجامعة السابق. فالمسؤولون العرب، اللهم إلا من عصم الله، لا يصدرون قرارات ذات قيمة فضلاً عن أن ينفذوها، بل إنهم يجتمعون لتبادل المؤامرات وتنفيذ مخططات العدو، وفي بعض الأحيان يلتقون لتبادل الشتائم الثقيلة والسباب المركز.
 
أمين الجامعة بدوره، ترك عمله السياسي وأصبح طبيباً، يحي عملية السلام ويميتها، وفي آخر تصريح له، بين أن وضع مؤتمر أنابوليس المذل في خطر وأن عملية السلام تترنح وهي في أيامها الأخيرة. وفي مؤتمر القمة على مستوى المندوبين في القاهرة، هدد المسؤولون العرب بسحب مبادرة السلام العربية، إذا لم يتفاعل الكيان الإجرامي الصهيوني مع عملية السلام المريضة كما عرفنا من الطبيب عمرو موسى.
 
فلا يكفي القادة العرب أنهم خرس بكم عمي عما يجري في العراق من تقتيل وإجرام من قبل الإدارة الدموية في البيت الأبيض، ولا يكفيهم صمتهم المريب عما يحدث من مجازر يومية في فلسطين الغالية، ولم يشعروا بالأذى لما قامت قوات البربرية الأمريكية بإعدام الرئيس صدام حسين رحمه الله على مرأى منهم ومسمع. لم يكفهم كل هذا وقرروا أن ينطقوا، فإذا بهم يصمتون دهراً وينطقون كفراً وإذا بهم يهددون الصهاينة بسحب مبادرة السلام العربية المهزلة، بدلاً من أن يجمعوا الجيوش ويوحدوا الكلمة ويعلنوها حرباً حتى التحرير والنصر لا بديل عن ذلك، ولكن أسمعت لو ناديت حياً.
 
اليوم وقبل انعقاد القمة ، انتقلت المعركة مع العدو على ما يبدو، إلى معركة مع الشقيق، فهذا قائد سيغيب عن القمة وذلك يخطط لترهيب دمشق، وآخر يلمح لفشلها، والمعركة لم تنته بعد.
 
مسكينة سورية العربية، لو نظرتم إلى وسائل إعلامها!!، في الصباح، صباح الخير يا عرب، وفي المساء، مساء الخير يا عرب، وبرامج المنوعات تدور الدول العربية من المحيط الخليج، وبرامج التعريف بالأشقاء لا تتوقف، ذلك تماماً في الوقت الذي يخطط فيه كثير من العرب في سابقة لا مثيل لها، لإفشال القمة العربية بأوامر واضحة من الولايات المتحدة، إذ بلغ الذل عند هؤلاء أن يفتخروا بخضوعهم السافر للبرابرة الأمريكان وما زيارة ديك تشيني وأوسمته الرفيعة التي تلقاها إلا أدل دليل على ما نقول.
 
كنت أتمنى ولا أزال ألا تعقد هذه القمة أبداً لا في دمشق ولا في القاهرة أو الرياض، وأن تلغى مؤسسات المهزلة التي اسمها الجامعة العربية، وأن يستقيل عمرو موسى ويحفظ ما بقي من ماء وجهه. فهذا لعمري خير من القمم التي لا تجلب للأمة إلا المهانة واستهزاء الأمم المتمدنة. وإذ كنت أحلم بهذا، فليس من باب أن القمة ستعقد في دمشق بالمعنى السطحي للمعلومة، بل من باب أن قمة تعقد في دمشق بركة الإسلام وقلب العروبة وراحة المؤمنين، لا بد أن تكون قمة الحرب لتحرير فلسطين، وقمة الجهاد في العراق، إلى أن يرحل المغول الأمريكان، وسيرحلون إن شاء الله. فأنا لا أتوق لقمة يتبادل فيها حكامنا الصور والابتسامات، وقلوبهم مليئة بالحقد على بعضهم بعضاً. ولم أكن أريد لدمشق أن يرتبط اسمها بقمة عربية كل طموحها أن تقنع العدو بمبادرة السلام العربية التي تبيع نصف فلسطين للكيان الصهيوني. ولم نكن نريد لدمشق أن تستضيف عملاء الأمريكان في العراق على أرضها الطاهرة وتعزف الموسيقى وتطلق المدفعية للطالباني الذي تآمر مع عدونا ليقتل نصف الشعب العراقي. وإذ أنني أتمنى ألا تعقد هذه القمة، فخوفاً على صورة سورية العربية أن تهتز لما يقرأ الطبيب عمرو موسى البيان الختامي، ويؤكد على عودة عملية السلام إلى الحياة، ويتكلف هو بزيارة واشنطن وباريس ولندن ويشرح المبادرة العربية، لصغار المسؤولين في تلك الدول كما حدث معه ذات مرة بل كل مرّة لما رفض المسؤولون لقائه في واشنطن.
 
أردنا لدمشق أن يرتبط اسمها على الدوام بثقافة الشهادة والمقاومة، لا بثقافة المبادرات، ولا بما يسمى السلام الاستراتيجي، الذي تصبح فيه الصهيونية دولة حقيقة تعيش في أقدس منطقة عرفها التاريخ الإنساني كله.
 
كنا نتمنى ولا نزال، أن تقوم سورية نفسها بتعطيل أي محاولة لعقد قمة عربية لا تصدر عنها قرارات واضحة ملزمة لأعضاء الجامعة العربية كلهم دون استثناء. فما فائدة قمة عربية يتحالف بعض أعضائها مع أعداء العروبة والإسلام.
 
لا نشك، أن السياسة السورية الخارجية والتحركات النشطة التي قادها المسؤولون السوريون في أكثر من اتجاه سيكون لها أثراً على قمة دمشق، ولكنه أثر محدود، سينحصر في أحسن الأحوال بزيادة عدد الوفود الحاضرة أو سيرفع مستوى التمثيل قليلاً لعدة دول عربية. وهذا بالطبع ليس مكسب لسورية في كل الأحوال، فلو حضر القادة العرب كلهم وحلفوا الأيمان ورقصوا بالسيوف فإن قرارات القمة لن تطبق وسيلتف عليها من حضرها إرضاء لحمالة الحطب وسيدها جورج بوش.
 
أما عن حضور القادة العرب كلهم هذه القمة، فالأمر سهل ولا يحتاج لسياسة متينة، فإذا أرادت سورية أن يأتي الزعماء العرب ركضاً دون أحذية إلى دمشق، بل وكباً على وجوههم، بحيث ينسوا عباءاتهم ونظاراتهم، فما عليها إلا أن تدعوا لهذه القمة إرهابياً صهيونياً، ليفني مثلاً، أو باراك، أو حتى أمريكياً مثل تشيني ولا بأس بإرهابي صغير "كجلعاد شاليط"، عندها ستتقاطر الوفود على دمشق، ولن يتغيب أي زعيم أو وزير عربي وسيحضر هذه القمة رهط عظيم.
 
أحلام كاتب هذه السطور انتهت بعدم عقد القمة فلم يبق إلا القليل لذلك، وإنما بقيت الآمال، أن يلقي الرئيس الأسد كلمة عاصفة يوضح فيها دون لبس كل ما جرى في كواليس ما قبل القمة، وأن يقول بملء فيه ماذا طلبت الدول العربية من سورية كي يحضر بعض القادة العرب. وفي تلك الحالة فقط، تكون القمة العربية، ولأول مرة في تاريخ الجامعة المغدورة قد حققت شيئاً سيغير مجرى تاريخ هذه المنطقة، وستكون هذه القمة عندئذ قمة الشرفاء الذين جاءوا لدمشق ليقفوا صفاً واحداً ليس فقط ضد العدو وإنما ضد الخونة من أبناء جلدتنا الذين ما انفكوا عبدة للطاغوت الأمريكي، وأداة في يده تنفذ كل ما يطلب منها دون أن ترفع بصرها للسماء ولو مرة.