"الحق على المقاومين في كل مكان والشهيد صدام" ... وليس على الصهاينة والأميركان!!


 
نسخة جديدة من "الفبركات" الأميركية عشية الذكرى الخامسة لاحتلال العراق
 
كيف تُشكّك أقلام المارينز بـ "أصحاب نظرية المؤامرة"؟
 
.. وكيف تعيد كل أسباب الهجمات التي تستهدفنا إلينا وتبرىء ساحة أعدائنا؟
 
 
 
نبيل أبو جعفر*
كما العادة في ذكرى كل مصيبة تحلّ بأمتنا ، تطلع علينا ماكينة الإعلام المعادي بسيل من الأخبار والأسرار المفبركة بهدف التغطية على هذه الذكرى ، وحرف الإنظار عن فظاعتها المعروفة المصدر والأهداف في أغلب الأحوال ، تماما كما حدث بالتزامن مع الذكرى الأولى لإعدام الرئيس الشهيد صدام حسين .
 
   في الذكرى الخامسة للغزو الإحتلالي للعراق حدث نفس الشيء ، حيث "فاجأتنا" ماكينة الإعلام الأميركي بكمّ من الأخبار والأسرار الجديدة ، واستحوذ البنتاغون هذه المرة على الجزء الأبرز منها ، بعد ان احترقت ورقة مصداقية "السي آي إي " أمام العالم بسبب إنكشاف مسلسل فبركاتها التي فاقت حد العقل والخيال معا . وكان آخر ما طالَعَنا عشية الذكرى دراسة أعدّها مركز دراسا ت العمليات التابع للقوات الأميركية ، تمحورت حول الرئيس صدام وتجربة البعث والحكم ، ثم غزو الكويت في العام   1990 . وإذا اردنا الدقة اكثر يمكن القول انها تركزت على ما اسمته الدراسة قراءة شخصية الرئيس صدام ، وربطها بما آلت اليه الحرب فالإحتلال .
 
   معروف انه سبق ل "السي آي أي" أن قامت بهذه القراءة بعد صدور روايته الأولى "زبيبة والملك"                                          ، وأعلنت عن ذلك صراحة في وقتها رغم انها لم تحمل اسمه ، ثم عاودت الكرّة بعد صدور روايته التي حملت عنوان "القلعة الحصينة" . فما معنى إجراء هذه القراءة لمرة ثالثة وتعمّد نشرها الآن ، وما معنى العودة لقراءة غزو الكويت أيضا بعد مرور 18 عاما عليه ؟
 
   لن نتوقف طويلا للإجابة على ذلك ، فمجرد السؤال يفتح أعيننا على المعاني والأهداف المقصودة بداهة من وراء هذه القراءة الأحادية الجانب والنظرة ، وهي محاولة الإساءة للتجربة وتشويهها ولو من زاوية منطق الأميركان وحدهم ، مع مساندة سائر كلابهم النابحة من أنظمة وأقلام عميلة .
  
 "مآخذهم " تشرّفنا
 
 أوضح مثال على منطق الأميركان تركيز دراسة البنتاغون على ما تم وصفه ب" هََوس العداء للصهيونية لدى صدام" على اعتبار ان هذا "الهوَس" يمثّل إساءة ما بعدها إساءة لصورة الرئيس الشهيد ، وجريمة توجب فرض أقصى العقوبات عليه وعلى بلده وشعبه ، حيث نقرأ فيها : " كُره صدام للحركة الصهيونية مستأصل فيه ، وقد وصل الى درجة انه كان يرى ان الصهيونية منذ القديم قد اقنعت المغول بالهجوم على بغداد وتدميرها بدل الهجوم على الغرب المسيحي "!
 
   أما المأخذ الآخر وهو مرتبط بالأول ولا يخرج عن سياقه ، فيأخذ على الرئيس الشهيد قوله أن سبب مشاكله الأساسية مع اميركا تعود الى اسرائيل . وتستشهد دراسة البنتاغون لإثبات هذه "الجريمة" ضده بشريط فيديو تم العثور عليه بعد وقوع الإحتلال ، يتضمّن اجتماعا للقيادة العراقية يؤكد فيه الرئيس على هذا الكلام ، ويقول فيه أن مشاكله مع الأمم المتحدة لها علاقة بشخص بطرس بطرس غالي ، مذكّرا الحاضرين في معرض استعراضه لشخصيته ومواقفه إبان ترؤسه للمنظمة الأممية ان أمه يهودية وكذلك زوجته ـ حسبما تقول الدراسة ـ .
 
   وحتى في المشاعر الإنسانية المشروعة يأخذون عليه قوله : انا لو لم اكن عراقيا ، ولم اكن عضوا في حزب البعث العربي الإشتراكي لكنت قد ضعت " . ولم تخل الدراسة بطبيعة الحال من دس رخيص منسوب لبعض الرموز القيادية المعروفة بمبدئيتها وصلابتها ، التي إما أن تكون قد استشهدت أو انها لا تستطيع الكلام بحرية نظرا لوجودها في زنازين الإحتلال .
 
   وتصل فبركة الأميركان ذروتها التي تعكس عمق مأزقهم واستماتتهم في التمسّك ولو بقشّة لعلها تسعفهم في التخفيف من مهانة نهايتهم المرتقبة على ارض العراق ، إلى القول على لسان الرئيس الشهيد انه يعرف جيدا متى يفكّر المرء في خيانته حتى قبل ان يعرف هذا الخائن نفسه ذلك "!"
 
    طبعا ، لم تقتصر الفبركات ولا تجزئة اقتطاف العبارات او تحريف معناها عند هذا الحد ،فقد أخذت العديد من وسائل الإعلام الدائرة في فلك المحافظين الجدد الضرب على نغمة الأميركان ، ولم يخف بعضها مصدر معلوماته كصحيفة The   Australian الأسترالية التي طالعتنا في عددها الصادر يوم السبت 22 آذار الجاري بخبر "سري" قالت انها حصلت على وثائق اميركية تؤكده ، وهويتعلّق بمخطط لاغتيال السفير الأميركي السابق في اسرائيل مارتن انديك ، تم التنسيق بشأن تنفيذه بين "إرهابي" في غزه  والرئيس صدام ، إعتقادا منها ـ كاعتقاد إدارة بوش ـ أن كشف هذا ا"السر" من شأنه تشويه صورة الرئيس الشهيد وإظهاره بمظهر الإرهابي امام العالم .
 
     ومع ان هذه الصحيفة تعرف جيدا تاريخ انديك باعتباره يهوديا استراليا ، درس في الولايات المتحدة واستحصل على جنسيتها بلمحة بصر ، ثم انضم الى السلك الدبلوماسي الأميركي وتدرّج فيه بسرعة ملحوظة ، إلا انها اغفلت كشف جانب آخر أخطر من ذلك ، وهو انه اتُهم بالتجسس لصالح اسرائيل ، وبتحديد اكثر اتهم بتهريب وثائق رسمية من وزارة الخارجية الأميركية التي يعمل فيها الى الكيان الصهيوني ، وأنه رغم ذلك لم تجر محاكمته ،بل اكتُفي بمنعه من دخول مبنى الخارجية لعدة أشهر لا أكثر ، ثم عاد بعدها الى عمله كما كان وأكثر!
 
   إنهم عملاء لا اصحاب وجهات نظر
 
   هذا بعض ما طلعوا به علينا بهدف التغطية والتمويه على ما سيكتب في مناسبة ذكرى الغزو ، اما في الأحداث اليومية الدارجة خارج إطار المناسبات ، فماكينة كلاب المارينز " شغّالة " ليل نهار في صحف ومواقع وأجهزة إعلام " طوال العمر " ، الرسمية منها او المستترة بستار الإستقلالية والليبرالية لخدمة هذا الهدف ، وهي تقطر سمّا يضاهي ما تبثّه إدارة الرئيس الأرعن ، وتحاول استقطاب المزيد من انصاف المثقفين والمتفذلكين الساقطين من مسيرة احزابهم ومنظماتهم ،الذين لا يتركون فرصة أمام أحد لإبداء رأيه في أي حدث يستهدف النيل من أمتنا حتى يتهمونه بأنه من " أصحاب نظرية المؤامرة " !  
 
    لقد وصل الأمر في هذه المرحلة التي يستكلب فيها كتاب المارينز الى حد يستوجب الوقوف امامه والتصدّي لأدواته ومروجيه باعتبارهم عملاء وليسوا أصحاب "وجهات نظر" ، أو مجرد أنصاف مثقفين وما شابه ، ممّن يمارسون الديمقراطية التي ذبحها وزراء الاعلام العرب بقرارهم كمّ أفواه الفضائيات التي تتجرأ على نقد انحرافات أنظمتهم والنافذين فيها.
 
   فليس من المعقول – مثلاً – إذا قلت أن ما يجري في فلسطين منذ النكبة وحتى حصار غزة يعود إلى الصهاينة وحلفائهم أن يخرج من "يتّهمك" بأنك من أصحاب نظرية المؤامرة. واذا قلت أن ما يجري على ارض العراق والسودان ولبنان، وكذلك منطقة الخليج العربي..الخ ، يأتي في سياق التآمر على أمتنا، أن يجري إتهامك بنفس التهمة ، مع أن الحقائق أكثر من دامغة ، والمعلومات والمصادر الغربية – قبل العربية – لا تخالفك الرأي من حيث الجوهر والأساس.
 
   والسؤال الذي يجب طرحه هنا – ولو جدلاً –: هل ثمة مؤامرات بالفعل تقف وراء ما يجري منذ ما قبل سايكس بيكو ووعد بلفور والعدوان الثلاثي على مصر، وتقويض أول وحدة عربية ، وصولاً إلى احتلال العراق وتمزيق ارضه وشعبه ، وامكانية عودة الحرب الأهلية للبنان ، أم أن كل ما جري في الماضي والحاضر، وما تمارسه السلطات الرسمية في معظم اقطارنا وفي مقدمتها السعودية ومصر والكويت وغيرها ضد شعوبها ومصالح أمتها شيء طبيعي جداً وديمقراطي أيضاً، وهو من صنع أيدينا وحدنا ولا وجود لرائحة تآمر خارجي من أي نوع فيه ؟!
 
 الحق علينا لا على أعدائنا!
 
   الغريب هنا وعلى الرغم من أن ما أثبتته الأحداث بالوقائع والاعترافات الرسمية يؤكد على وجود المؤامرة في كل ما سبق من مصائب ، إلا أننا ما زلنا نرى من ينكر ذلك جملة وتفصيلا !
 
   أحد الكتاب المصريين المتأمركين خرج علينا مؤخرا في موقع الكتروني سعودي "ليبرالي" متصهين بمقال يمكن اعتباره مثالاً لشريحة من المنحطين وفاقدي الإحساس ، قال فيه باستهزاء أنه بدأ يؤمن بنظرية المؤامرة التي تذكّره بصديقه الذي لا يطيق حماته ، ويؤمن إيماناً مطلقاً بأنها سبب كل مشاكل حياته. إذا غضبت منه زوجته فلا بد أنها اتصلت بوالدتها التي ملأت دماغها ضدّه لتخرّب عليه بيته ، واذا لم يسمع كلامه أولاده فلا بد أن حماته قد قدّمت لهم رشوة لأجل استمالتهم ، وإذا تمّ طرده من عمله فلا بد أن حماته أيضاً قد اتصلت برئيسه للانتقام منه .. وهكذا – على حدّ قوله الملغوم رغم سخافته – " تبدو مشكلة إنفجار سكان غزّة وغزوهم برّ مصر رافعين اعلام حماس وفلسطين مؤامرة وراءها إسرائيل، كما ان أحداث 11 سبتمبر لا بدّ أن يكون وراءها – من باب سخرية الكاتب – اليهود وإسرائيل، لأنها بذلك ضمنت أن تخلق عدواً جديداً لأميركا والغرب بعد انهيار العدو الشيوعي. أما غزو الكويت بواسطة صدام حسين – والكلام دائماً للكاتب المصري المتأمرك في الموقع السعودي المتصهين – كان بسبب اسرائيل"!"
 
   وهكذا يتدّرج في أمثلته المسمومة حتى يصل الى مبتغاه الأساسي وهو تبرئة اسرائيل والمعسكر المعادي من أي تآمر ضد أمتنا ، فيقول ساخراً: "اسرائيل إذن وراء خلافات العرب وتفكّكهم. وراء فشل لبنان في انتخاب رئيس جديد للجمهورية،.. الخ؟ ثم يعرج إلى الغمز من القائد الراحل جمال عبد الناصر – تماماً كما يعرج "طوال العمر" في كل مناسبة حتى ولو كانت ضمن عمل تلفزيوني مصري قاموا بإنتاجه كمسلسل الملك فاروق فيقول: – واسمحوا لي أن أقول شيئاً سوف يغضب من يعبدون عبد الناصر. فلولا وجود اسرائيل ولولا عودة عبد الناصر مع الجيش المصري خاسراً بعد الهزيمة النكراء التي ذاق طعمها في حصار الفلّوجة لما سمعنا عن عبد الناصر ولما قرّر الإستمرار مع حركة الضباط الأحرار التي تخلّصت من الملك فاروق وكأنه هو سبب الهزيمة"!"
 
 سخافة هذا الطرح مع لؤمه وصغارة كاتبه لا يمنعنا من القول انه يستهدف محاولة دفعنا إلى إنحراف في الرؤية والتشكيك في خلفيّات وقائع تاريخية لا مجال للتشكيك فيها: هل الحرب التي شنّت ضد العراق وأدّت الى احتلاله مؤامرة حاكتها الولايات المتحدة أم حاكها الرئيس صدام حسين ضد بلده ونظامه ونفسه شخصياً..؟ وهل الحرب العدوانية التي شنّت ضد لبنان العام 2006 بداعي ملاحقة "ارهابيي" حزب الله مؤامرة حاكتها اسرائيل والدولة الأكبر – أم مؤامرة حاكها حزب الله ضد بلده لبنان؟
 
   وعلى نفس المنوال يجري التشكيك بأسباب استمرار الهجمة على شعبنا الفلسطيني لكي تصبّ ضد حركة حماس وسائر المناضلين الرافضين للإستسلام أمام الكيان الصهيوني وزعيمة الإرهاب الدولي التي يستقبل العديد من حكامنا رأسها الكبير برقصات السيوف الذهبية ويغدقون عليه الهدايا والعطايا..؟
 
    خلاصة القول: نعم هناك مؤامرات، قديماً وحديثاً ،نراها بالعين ونلمسها باليد ، ويشعر بنارها كل من يسري في عروقه دم عربي حُرْ أو مسلم حقيقي ، ليس كعروبة واسلام بعض وسائل الاعلام والمواقع المتخصصة بنشر فتاوي الحيض والنجاسة وإطاعة أولي الأمر ، وصولاً إلى تحليل شرب بول الرسول عليه الصلاة والسلام، فضلا عن تأليه الحاكم وتنزيهه عن أي خطأ أو مسؤولية. فعندما يتحدث قاضي قضاة فلسطين الشيخ تيسير التميمي ـ مثلا ـ عن مخطط صهيوني جديد يستهدف فرض السيطرة على الأماكن المقدسة والأثرية في مدينة القدس ضمن مشروع يُدعى "واجهة القدس" ويُبيّن خطوطه وكيف سيتحقق حسب الخطة الاسرائيلية. وعندما تسارع أقلام المارينز المتصهينة الى وصفه بأنه من أنصار "نظرية المؤامرة"، ثم نقرأ بعد ذلك بأسبوع أو اثنين أخباراً عن تصدعات في ساحة المسجد الأقصى وانهيارات في أماكن دينية وأثرية أخرى، هل يكون ما قاله التميمي انطلاقاً من وهم إسمه "نظرية" المؤامرة، أم من حقائق تعكس أبعاد مؤامرة حقيقية، كانت وما زالت مستمرة... الى حين؟
 
   نعم هناك مؤامرات ، وهناك سيل لا يتوقف من الأكاذيب والفبركات للتغطية عليها ، وان كان لا بدّ من وصف الذين يقرأونها ويستشعرون بوجودها ، فنعَم نحن من" أصحاب نظرية المؤامرة " أو المؤامرات... لا فرق .