السنة والشيعة: أصحاب دين واحد ورسالة واحدة .

د. أسامه محمد أبو نحل
الأستاذ المشارك في التاريخ الحديث والمعاصر

بادئ ذي بدء، ونتيجة لردود الفعل المختلفة التي تلقيتها تعقيباً على المقال الذي كنتُ قد كتبته بعنوان "الشيعة وزعامة العالم الإسلامي الجديد" في 17/2/2008م، والتي منها مؤيد بالمطلق لِما كتبته، أو معتقدٌ بأنني أُحابي فرقة على حساب أخرى، أو معتقدٌ بأني أقلّل من مقدار فرقة لحساب أخرى، لكن بالمجمل لاقى المقال انتشاراً واستحساناً، أحمد الله عليه في كافة أصقاع المعمورة، وتمَّت ترجمته إلى اللغة الفارسية دلالة على الاهتمام الذي لاقاه.
وبناءً على ما سبق، فعندما كتبتُ مقالي السابق لم أكتبه بنية تفضيل فرقة بعينها على حساب أخرى. فهذا الأمر كان خارجاً عن تفكيري وتصوُّري، وإنما شخّصت حالة أراها بعيني، باتت شبه موجودة. فهذا الأمر لم يكن في بالي، فالعبد لله ليس متخصصاً في دراسة علم الفرق الإسلامية أو العقيدة. فأنا لا أملك القدرة على الحكم على من فيهم على حق أو خلافه، فهذا لم يكن مقصدي من كتابة المقال السابق، فإذا كان ثمة اختلافًٌ فقهيٌّ بين الفرقتين، فلسنا نحن البشر من يقيم المحاكم لبيان ذلك، وإنما رب العباد هو من يحاسب. أما هدفي والذي أتبناه شخصياً أنني ضد الطائفية الدينية بين أبناء المسلمين على اختلاف مشاربهم. صحيح أنني أنتمي لفرقة أهل الجماعة أو ما يُسمى بالسُنَُّة، لكنني أولاً وأخيراً مسلم فحسب، وهكذا يجب أن نكون جميعاً، حتى لا يتمكّن منا عدونا اللاهث وراء فرقتنا، ولا يحابي فرقة على حساب أخرى.
إنَّ الله سبحانه وتعالى فضّل المسلمين على العالمين دون تمييز بين فرقة وأخرى، فالتفضيل هنا مُطلق وليس مقيد، ما دام كافة المسلمين يتّبعون الركن الأول والأساسي في الإسلام، وهو التوحيد أو الشهادة بأنَّ المرء مسلماً، بأن يشهد بأن لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله. وهذا الأمر كفيل بأن يُعصم دمه، وما خلا فإنها أمور حسابها عند الخالق؛ لذا فيجب على كافة المسلمون التوحُّد الديني، ونزع العصبية الطائفية من صدورهم، للتفرغ لصد عدوهم المشترك من ناحية، و نشر دعوة الإسلام العالمية بالحُسنى من ناحيةٍ أخرى.
والحقيقة، فإنه رغم خفوت الصراع الطائفي بين المسلمين لفترةٍ من الزمن، فإنه عاد من جديد مع نجاح علماء الدين الشيعة في إقامة نظام حكم جمهوري مبنيّ على العقيدة الدينية في إيران بعد خلع الشاه محمد رضا فهلوي عام 1979م، بعدما خشيت دول منطقة الشرق الأوسط السُنّية من أن يكون لدى حكام طهران الجدد، نيّة في تصدير الثورة إلى بلدانهم، فكان ما كان من اشتعال حربٍ ضروس بين العراق وإيران، استمرت ثماني سنوات من 1980 – 1988م، أكلت الأخضر واليابس، ثمَّ خفتت هذه النزعة الطائفية قليلاً حتى أحياها المستعمر الأمريطاني (الأنكلو – الأمريكي) من جديد بعد احتلاله للعراق عام 2003م، ووقوفه إلى جانب أصحاب المذهب الشيعي إلى حين، وتمكينهم من تولي زمام الحكم في العراق الجديد، عهد ما بعد الرئيس صدّام حسين بصرف النظر عما رافق عهده من جدلٍ سياسي، الذي كان عهده شئنا أم أبينا، رضي طرف منا أم لم يرضَ صمام الأمان لعدم حدوث صراع دموي في العراق، المعروف عنه تاريخياً كثرة صراعاته الداخلية، منذ ما بعد عهد الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، بل لا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا أن أهل العراق منذ القدم جُبلوا على هذه الصراعات، فكانت وزالت شيئاً اعتيادياً بالنسبة لهم.
والآن بعد أن حدث ما حدث، فإن ثمة بارقة أمل في أن تختفي هذه النزعة الطائفية بين قطبي المسلمين، ولجم عقالها من التمدد والتوسع كي لا تؤدي إلى زيادة التفسّخ بين مريديهم، لأن الغول الطائفي إذا ما أُطلق عنانه، فلن يكون بين الطرفين منتصر يسود الآخر، بل سيكونون لقمة سائغة لعدوهم ليتملّك أمرهم، وهذا ما نخشى حدوثه. لكن لغة العقل والمنطق تقتضي من علماء الدين عند كلتا الفرقتين أن يُحكّما لغة التوافق بينهما، وأن يجتمعا على قلب رجلٍ واحد، ويتفقا على إصدار ميثاق شرف، ينص على عدم تكفير أحدهما للآخر، والتحالف معاً لنصرة أحدهما للآخر ضد عدوهما المشترك.
وأكاد أجزم أنه لو قُدِّر لهم ذلك، سوف يكونون قوة ردع كافية للجم أطماع الطامعين فيهم من جهة، وتمنحهم قوة إضافية لتحرير التراب الإسلامي، وعلى رأسه أرض فلسطين من براثن الصهيونية العالمية من جهةٍ أخرى. إن فعلوا ذلك وهذا أمر ليس بالمستحيل، وقتها سوف يتناسى مريدو كل فرقة انتمائهم المذهبي، وسوف يتفاخر كل منهم أنه مسلم فحسب.
إن ما تمنيته من مقالي السابق بالفعل ألاَّ يكون مجرد حقل منافسة للمفاضلة بين الاجتهادين الإسلاميين السُنّي والشيعي ، بل أن يكون حافزاً يرقى بالجميع سُنَّة وشيعة إلى مصاف الصف الواحد، وإلى العمل كأمةٍ واحدة كما أمرنا القرآن الكريم. وأن يكون انتصار أحدهما انتصاراً للآخر، مثلما تشكّل هزيمة أي منهما هزيمة للآخر، لو حدث مثل هذا التقارب هنا سيكون يكون إنقاذ الأمة الإسلامية مما هي فيه من ضعف وهوان.