دمشق العروبة ومستوى التمثيل في قمتها !


كان السيد وليد المعلم لبقاً ودبلوماسياً حين تحدث عن تأثير الولايات المتحدة السلبي على مجريات عقد القمة ومحاولاتها عرقلة المساعي السورية الجادة والصادقة لإنجاحها ، ولم يتحدث عن مستوى التمثيل المتدني لدول مؤثرة في السياسة العربية وذات العلاقة الوطيدة معها ، وترك الأمر لاستنتاجات المستمعين في الربط المنطقي والمفهوم والمعروف بين هذا وذاك .
لقد تعود المواطن العربي على سلوك الولايات المتحدة وحلفائها فيما يخص أي جهد عربي جماعي للتصدي للمعضلات التي نعانيها في وطننا العربي المبتلي بعشرات المشاكل كما بقيادات الصدفة ، لكن هذا المواطن بقي على أمله في تغيير يطول أحلامه فيحولها لواقع يوفر له الكرامة كما لقمة العيش . وفي العرف السائد لعلاقات متوترة بين بعض الأطراف العربية كان عقد القمم مناسبة لرأب الصد وع وتسوية هذه التوترات ومعالجتها عبر حوارات الغرف المغلقة ، أو بوس اللحى العلني وتجاوز الخلاف المحدد من أجل إنجاح القمة وإظهار جدية تتناسب مع حجم الحدث لإقناع المواطن العربي أن هناك من يحترم رأيه ورغباته ، رغم كل الإحباط الذي يعتمل في نفوس الناس ونظرتهم السلبية تجاه هكذا لقاءات تجمع الصالح والطالح ولا تجد قراراتها أي بيئة مناسبة لتنفيذها . وقد ركز الإعلام خلال الفترة المنصرمة على مسألة مستوى التمثيل في قمة دمشق خاصة لدول ذات وزن ثقيل في السياسة العربية ومقررة تجاه العلاقات العربية الأمريكية ، هذه العلاقات شديدة الوضوح للمواطن العربي وشديدة الالتباس في مجال فهمها وتبريرها ، وحجم المصالح والمنافع المتوفرة لأمريكا من خلالها وبالتالي مدى مشروعيتها ، وما يعكسه ذلك من غضب وتساؤلات حول درجة الاستقلالية لهذه الدول وقادتها تجاه مستقبل شعوبهم وقضاياهم الجوهرية كالقضية الفلسطينية والاحتلال الأمريكي للعراق والتدخل الفظ في الشأن اللبناني ، ناهيك عن عشرات التدخلات السلبية في الشؤون العربية بما يناقض مصالح الأمة ويضع عراقيل حقيقية أمام تقدمها أو حصولها على حقوقها في بلدانها وأراضيها المحتلة .
إن دولة مثل السعودية أو مصر لابد أن تتحرى الدقة وتتبصر الأمور بكل اتزان وحكمة حين تقرر تخفيض مستوى تمثيلها في قمة دمشق بشكل ملفت ومزعج كما نرى ، وليس للمرء سوى أن يأسف لهذا ويعبر عن حزنه وألمه تجاه هذا الموقف المريب .
لقد دأبت الولايات المتحدة على اتهام سوريا بالمروق ودعم الإرهاب كما بالعمل على عرقلة انتخاب رئيس للبنان ، وحرضت ضدها في كافة المحافل ، بل وهددتها بالحرب والحصار ، وقامت بكل ما من شأنه إضعاف الدور السوري في المنطقة بما في ذلك تدخلها المعلن والمستتر في القمة العربية سواء قمة دمشق الحالية أو ما سبقها من قمم ، ولهذا فقد كان على ساسة مصر والسعودية أن يتنبهوا للربط المحتمل من قبل المواطن العربي بين هذا الموقف الأمريكي المعلن والمعادي لمصالحنا وبين التخفيض الفج والمخجل لتمثيلهما في القمة العربية المنعقدة في سوريا .
لقد أشرنا في مقالات سابقة إلى هذا الأمر ورجونا الأشقاء في مصر والمملكة أن يكونوا عوناً لدمشق وليس عوناً عليها ، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتدخل وضغط أمريكي يستهدف الدور السوري ، وقدرنا في حينه أن موضوع لبنان يمكن أن يسوى بما يخدم مصالح الأمة في سياق المواجهة المستمرة مع الكيان الصهيوني الذي لا زال يحتل الأرض العربية ويتمادى في عدوانه على أبناء الشعب الفلسطيني واللبناني ، ويستخف بكل ما هو عربي بما في ذلك مبادرة السلام المتبناة من قمم عربية سابقة والمقدمة من المملكة السعودية خصوصاً .
ربما يكون للسعودية ومصر ملاحظات على السياسة السورية والمواقف السورية ، وربما تكون هذه الملاحظات جدية وهامة وهو أمر ليس بالغريب أو المعيب ، لكن هذه الملاحظات لا يمكن أن تبرر هذا التخفيض المتساوق مع المواقف الأمريكية على الإطلاق .
تأخذ الولايات المتحدة على سوريا علاقتها مع إيران وتدخلها المزعوم في الشؤون اللبنانية باتجاه عرقلتها للتسوية الداخلية المنشودة لأوضاعه المأزومة ، وسنفترض أن ذات الأمر تأخذه المملكة ومصر فما هو الصحيح لمعالجة ذلك ؟ وكيف يمكن أن نسوي الأمور بطريقة تحفظ مصالحنا ولا تجعلنا رهائن للمحتل الأمريكي لأرضنا العربية في العراق وغيره ؟
إن أسلوب الإضعاف للموقف السوري عبر تخفيض مستوى التمثيل في قمة دمشق لا يقدم للقضية العربية أي فائدة ناهيك عن حجم السلبيات التي ستنجم عن هكذا موقف على مستقبل العمل العربي المشترك . أنا أعتقد أن إمكانية التفاهم مع سوريا على كافة القضايا بما في ذلك المسألة اللبنانية والعلاقات السورية الإيرانية وغير ذلك من نقاط الخلاف ستكون أكبر وأكثر واقعية عبر حضور متميز وكبير من قبل مصر والسعودية وليس عبر المقاطعة على شكل تخفيض لمستوى التمثيل .
لقد كانت دمشق دائماً عاصمة للعروبة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، وكانت تحمل باستمرار الهم العربي في مجمله القومي وعبر كل قطر يتعرض لمحنة أو عدوان ، وهي لا تزال ليس فقط كما العام الحالي عاصمة للثقافة العربية ، بل عاصمة للآمال العربية والحلم العربي في غد أفضل نستعيد فيه حقوقنا وما احتل من أرضنا ، ونستعيد فيه كرامتنا المجروحة من جانب الصهاينة والأمريكان . لن يضير سوريا عدم حضور أي دولة للقمة أو تخفيض مستوى التمثيل ، إنما ستضار المصالح العربية بمجملها ، ولهذا كان طموحنا كما أسلفنا أن يتنبه أشقاؤنا في السعودية ومصر لحساسية الأمر وحراجته ، في ظل أوضاع معقدة نعيشها ومعضلات صعبة تواجهنا بسبب من التدخل الظالم للولايات المتحدة الأمريكية صديقة مصر والسعودية في شؤوننا وضد مصالحنا القومية والوطنية القطرية .
وبسبب فهم سوريا لهذه الأوضاع وهذه التعقيدات فقد كان رد فعلها على سلوك السعودية ومصر هادئاً ، وينم عن فهم عميق لحراجة اللحظة السياسية ودقتها ، وكما تطالب هاتان الدولتان سوريا بإعادة النظر في مواقفها وسياستها تجاه بعض العناوين ، فان المطلوب منها بذات القدر من الأهمية بل بأعلى وأكثر إلحاحاً إعادة النظر في العديد من مواقفها ومجمل سياستها العربية والدولية خصوصاً علاقة التحالف والتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية ، هذه العلاقة وهذا التحالف الذي لا يجرح فقط مشاعر الشعب العربي وكرامة المواطن العربي ، بل يعزز الوجود الأمريكي الاستعماري في العراق وباقي المنطقة ، ويشكل غطاءً لممارسات العدو الصهيوني المدعومة أمريكياً سواء بقتل أبناءنا في فلسطين أو بناء المستوطنات فوق أرضنا واستمرار الاحتلال . وأخيراً وبسبب هذا التخفيض الذي تناولناه سيهتم المواطن العربي في كل مكان بقمة دمشق ، وسيراقب عن كثب قيادة الرئيس السوري بشار الأسد لهذه القمة متمنياً لها النجاح .
زياد ابوشاويش*