إعلان صنعاء تصريح الخروج من اليمن فقط !

بقلم: محمد أبو علان.
الشارع الفلسطيني كعادته في الشهور الأخيرة تعامل ببلادة وعدم اهتمام بما كان يجري في اليمن من مفاوضات بين حركتي فتح وحماس، ليس لسبب غير إدراك الشعب الفلسطيني من أنه لم يعد على أجندة أي من فصائل العمل الوطني والإسلامي، وأن أجندة هذه الفصائل المكاسب التنظيمية والسلطوية وعملية التقاسم الوظيفي بينها في مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية.
 
ناهيك عن أن تاريخ الاتفاقيات بين هاتين الحركتين لا يبشر بخير وتفاؤل، فمنذ شهر آذار 2007 وحتى توقيع اتفاق مكة وقع بين الحركتين أكثر من عشر اتفاقيات لوقف إطلاق النار وجميعها كانت تخرق قبل مغادرة المجتمعين قاعة الاجتماع، وبعدها جاء اتفاق مكة ليزرع الأمل الموهوم بين أبناء الشعب الفلسطيني في تحقيق الوحدة الداخلية الفلسطينية، ولكن هذا الأمل سرعان ما تبدد عبر مئات القتلى والجرحى، وعشرات المؤسسات المدمرة والمحترقة، والتي كانت محصلتها النهائية أن أصبحت الأراضي الفلسطينية أشبه بسفينة سيدنا نوح التي كان فيها من كل زوج اثنين.
 
ويبقى السؤال الطبيعي ماذا سيكون مصير إعلان صنعاء؟، هل سيلاقي مصير ما سبقه من اتفاقيات وتعهدات؟، أما سيحقق نقله نوعيه باتجاه الوحدة الوطنية؟، والمؤشرات الأولية لا تبشر بخير، فالخلاف بين طرفي الاتفاق بدأت قبل مغادرة العاصمة اليمنية صنعاء، فهناك من يعتبره للتنفيذ وفق بيان رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية، وهناك من يعتبره مدخل للحوار وفق تصريحات سامي أبو زهري الناطق الرسمي باسم حماس، لا بل حتى داخل مؤسسة الرئاسة الأمر ليس واضحاً حتى وصل الأمر للتراشق الإعلامي بين ممثلي هذه المؤسسة، فكم من الوقت ستأخذ الأمور حتى يتضح إن كان الإعلان مدخل للتنفيذ أم مدخل للحوار؟.
 
أما الحقيقية المرة حول هذا الإعلان فهي أن مصيره لن يكون أفضل من مصير ما سبقه من اتفاقيات لأسباب عديدة منها، الجدية في الحوار والوحدة غير متوفرة لدى طرفي الصراع فتح وحماس، فالواقع الموجود مريح للطرفين كون كل طرف يمارس هواياته السياسية والأمنية وفق رؤيته السياسية الخاصة به دون تنازل عن أي من أهدافه وطموحاته.
 
الأرضية الإعلامية والعلاقات الداخلية غير مهيأة لأي اتفاق، فكل طرف يتهم الآخر وعلى مدار الساعة بالخيانة والانقلاب والارتباط بأجندات خارجية، ناهيك عن عشرات المعتقلين والانتهاك لسيادة المؤسسات في شقي الوطن، فكل هذه المسلكيات لا تؤشر على نوايا حسنة تجاه الرغبة الحقيقية في المصالحة الوطنية.
 
والشيء الأهم أن أي اتفاق فلسطيني داخلي يقوم على مبدأ عفى الله عما سلف لا ولن يكتب له النجاح، فأي اتفاق يجب أن يعود بنا إلى الوراء عام واحد على الأقل لنتذكر كل تلك الدماء التي سفكت في الصراع الداخلي، ومحاسبة كل من كان له دور في سفك هذه الدماء سواء كان من القادة السياسيين أو العسكريين ومن كلا الطرفين، وبكل تأكيد لا يوجد بيننا من يريد اتفاقيات تعطي الحصانة لأي شخص كان من كان في سفك الدم الفلسطيني ومن ثم يبقى جزء من المؤسسة السياسية أو الأمنية الفلسطينية.
وحتى التشائل لا يمكننا الشعور به بعد إعلان صنعاء بل سيبقى التشاؤم سيد الموقف لأن هذا الإعلان لم يأتي بعد نوايا صافية للتصالح لدى الطرفين، وإنما جاء من باب المجاملة للقيادة اليمنية لا أكثر ولا أقل، وأنا اعتبره تصريح وقعه الطرفان لمغادرة اليمن بطريقه مريحة، أي هو تصريح الخروج لهم من صنعاء للتخلص من الضغوطات التي يتعرضون لها من القيادة اليمنية بهدف تحقيق مصالحة فلسطينية، وبعدها سيعود كل منهم لساحته الحقيقية، وهذا ما شاهدناه في الساعات التالية لتوقيع الإعلان، فشكراً لليمن والرئيس علي عبد الله صالح على جهوده ونواياه الصادقة تجاه قضيتنا الوطنية، أما لساستنا فالتاريخ سيحاكمكم إن لم يحاكمكم الشعب على مواقفكم.
*- كاتب فلسطيني