لماذا لا يريدون نجاح قمة دمشق !

كان يُفترض بالأنظمة العربية أن تتكاتف فيما بينها ،وتُسقط جميع خلافاتها ،ويحضر قادتها إلى دمشق من أجل التباحث في الموضوع الأهم، وهو ( كيفية الحفاظ على كيان الأمة العربية اجتماعيا وجغرافيا وثقافيا وحضاريا وأخلاقيا) والسبب لأن الأمة العربية في خطر حقيقي، لأنها تتعرض إلى مشاريع دولية خطيرة، فهناك معاول وبارجات وغواصات وصواريخ مختلفة، وأقمار مراقبة ومعها الصواريخ الإعلامية والدينية والثقافية والتي كلها تعمل على تفتيت الأمة العربية، وخلطها من جديد لتكون أمة بلا هوية، وأمة تابعة للأمم الأخرى، وأمة مليئة بالألغام والسرطان الذي يأكل جوفها ورحمها ويحولها إلى شجرة يابسة لا تعطي ثمرا ولا ظلا، وأن هذه الألغام هي بالدويلات والكانتونات الطائفية والإثنية والمناطقية والتي يريدون صياغة الدول العربية على أساسها من أجل التناحر والإلهاء فيما بينها، و بأوامر أصحاب المعاول والبارجات والأقمار، والذين يريدون إعادة تاريخ الحملات الصليبية ضد الأمة العربية والإسلامية.

فلقد كان الشارع العربي ولا زال ينتظر من القادة العرب شيئا يُشعره بالأمان، ويشجعه على التحدي وعدم الاستسلام ، ولهذا فقد عوّل الشارع العربي كثيرا على قمة دمشق، لأنها جاءت في وقت عصيب جدا، وجاءت كي تضع النقاط على الحروف، وخصوصا حول مستقبل هذه الأمة وشعوبها وخيراتها ومستقبل أجيالها، ولكن أصحاب المعاول والبارجات والصواريخ وقفوا ضد نجاح هذه القمة إستباقيا، وعلى طريقة حروبهم الإستباقية في المنطقة، وأمروا بل هدّدوا القادة العرب وأمروهم بعدم الذهاب نحو دمشق، أو إرسال من ينوب عنهم وبمستويات متدنيّة والهدف هو محاولة إفشال القمة، ومن ثم هي محاولة لإحراج دمشق ومحاصرة قيادتها.

ولو دققنا أكثر في هذا الإجراء، فهو بندا من بنود الحرب النفسية ضد دمشق، وبندا من بنود الحصار السياسي ضدها، وللأسف فلقد لبى بعض القادة العرب نداء اللوبيات في الإدارة الأميركية ،وأعلنوا بأنهم لن يحضروا ،وسوف يرسلون وفودا بسيطة من أجل المشاركة في قمة دمشق.

ولقد أعطوا أعذارهم والتي لم تُقنع الشارع العربي، وكذلك لم يقنعوا بها شوارعهم لأن العذر هو ( عدم حسم ملف الرئيس اللبناني) وكان يُفترض حضورهم شخصياكي يتم مناقشة الملف اللبناني من الألف إلى الياء، والخروج بحل يرضي جميع الأطراف، خصوصا ولدينا معلومات و من مصادر سورية رفيعة أكدت بأن القيادة السورية عزمت على بلورة مفاجأة كبيرة حول الملف اللبناني، وكانت ضمن كلمة الرئيس السوري بشار الأسد بصفته رئيسا للقمة، ولكن بعد اعتذار العاهل السعودي ، والرئيس المصري، والحكومة اللبنانية من عدم الحضور، سيضطر الرئيس الأسد إلى تأجيل أو حذف هذه المفاجأة، لأنه أراد أن يقدمها هدية إلى الشعب اللبناني والوفد اللبناني، ولهذا قال السيد وليد المعلّم في مؤتمره الصحفي من دمشق ( لقد أضاع لبنان فرصة ذهبية عندما قرر عدم الحضور).

والسؤال:
هل يستحق الشعب العربي الذي كان ينتظر حضور جميع القادة العرب في قمة دمشق كل هذا الجفاء وعدم الاكتراث من البعض، وخصوصا الذين قرروا عدم الحضور بشخصهم وبصفتهم الرسمية..؟

فما ذنب هذا الشارع الذي يبحث عن أمل أو بصيص أمل يُشعره بأن القادة العرب ساهرون من أجل هذا الشعب؟

فأين حكمة القفز على الخلافات والصعوبات من أجل مستقبل الأمة والأجيال العربية... فهل هي شعارات فقط؟

فالشارع العربي يبحث عن مسكّن أو محفز يعيد له الثقة بقيادته، ويعيد له الأمل بمستقبله... ولكن حتى هذا الأمل بالمسكّن قد حرمه منه البعض ، ولكن البركة بمن سيحضر ، والبركة بالقيادة السورية والتي يجب أن تثبت للعالم وللعرب وللمسلمين ولأصحاب المعاول والبارجات وللعرب الذي قرروا عدم الحضور بأنها قيادة منفتحة وبراغماتية من أجل العمل والسهر وتخفيف الصعاب كي تخرج هذه القمة بقرارات مختلفة، ونتمنى أن تُشعر المواطن العربي بشيء من قيمته وكرامته التي لم يبق إلا القليل منها نتيجة التقاعس العربي في الأسلوب والأداء.

ولكن لماذا يريدون إفشال قمة دمشق؟

أنهم يريدون إفشال قمة دمشق لأنها القمة الأولى التي جاء توقيتها في مرحلة صعبة للغاية، ولهذا لابد لها أن تكون فاصلة تقول من خلالها ( عهد مضى.. وعهد بدأ) أي عهد الوحدة والتآزر والنهوض بوجه المخططات ومغادرة عهد النكبات والاستسلام، وأنّكم تعرفون أن المكان ورئاسة القمة يلعبان دورا رئيسيا في هذا الموضوع ولهذا فالقيادة في سوريا ترفع وتعمل على شعار القومية العربية ،وعلى شعار المشروع العروبي والقومي، وهذا بحد ذاته يغيض الولايات المتحدة وإسرائيل، ويغيض بعض القوى في المنطقة لأنه نهج ضد مشروع الشرق الأوسط الجديد ( مشروع إسرائيل الكبرى) والذي يؤمن بتفتيت الدول الكاملة إلى دويلات وكانتونات ومشيخات طائفية وإثنية وعِرقية.

ويريدون إفشال قمة دمشق لأنهم تعودوا أن يرسلوا القرارات والتوصيات بالنسخة الإنجليزية وبختم البيت الأبيض، وقبيل انعقاد القمة، وتتم ترجمتها إلى العربية، ومن ثم يتم الموافقة عليها، ناهيك عن الاتصالات المستمرة مع قيادة القمة، وهذا ما حدث وجرى في أغلب القمم العربية، ولكن مع دمشق والقيادة في دمشق لم ينجح معها هذا الأسلوب لأنها لن تقبل الديباجة الإنجليزية، ومن ثم لن تقبل التوجيهات التليفونية، وتوجيهات الـ (SMS) والتي عادة ما كانت تصل إلى رؤساء (معظم) قادة القمم الماضية.

فالقيادة السورية، ومن وجهة نظر واشنطن والغرب أنها قيادة تقترب من محور الشر، ولهذا يحاولون حصارها والعمل على إسقاطها ، ومن هذا المنطلق يحاولون إفشال القمة، بعد أن فشلوا في عملية إلغائها أو نقلها إلى مكان آخر.

وأن المحرّك الرئيسي لهذا العداء ضد قمة دمشق هو البيت الأبيض، و لأنهم ليس لديهم وسيلة ليفرضوا ديباجتهم الإنجليزية على رئاسة القمة وعلى الوفود التي حضرت القمة ومثلما فعلوها في ( معظم) القمم العربية، وبالتالي لجئوا للضغط على بعض الأنظمة العربية، وهو ضغط شديد للغاية من أجل عدم حضور قمة دمشق، ولقد نجحوا مع البعض، ولكن لن ينجحوا مع الأغلبية لأن الوضع لا يحتمل هكذا إرهاصات وهكذا ضغوطات .

وأن العرب من حقهم أن يجتمعوا ويقرروا ما هو صالح لحاضر ومستقبل شعوبهم ودولهم، وأسوة بالتكتلات العالمية الأخرى، فخذوا الإتحاد الأوربي ، ومجلس التعاون الخليجي، وحلف الناتو، والإتحاد الإفريقي ، وإتحاد دول شرق آسيا ..الخ كلها تجتمع وتناقش وتقرر ودون أن تتدخل وتضغط الولايات المتحدة، وحتى وأن تدخلت فهي تكتفي بالإعلام، ولكن مع العرب فهي تستخدم أشنع الوسائل ضد كلمتهم وضد جمعهم.

وعندما يقررون الاجتماع أو القمة تتدخل واشنطن وإسرائيل والغرب من أجل عرقلة مناقشاتهم و اتفاقياتهم، وهو نوع من البلطجة وعدم الاحترام، ولكن من سبّب وأسس هذا النهج؟..الم يكن هم القادة العرب أنفسهم عندما تساهلوا كثيرا في نقاشاتهم وعلاقاتهم واتفاقياتهم مع واشنطن فجعلوها هي الرب والأمام والقدوة والأخ الأكبر؟..

وهل سمعتم يوما أن هناك صداقة حميمة ودائمة بين الراعي والذئب؟

وهل سمعتم وقرأتم نتيجة من يولّي عليه وعلى قبيلته واليا ليس منهم ومنها؟

فهذا هو حال القادة العرب.. فلقد تورطوا بدخول الكهف الأميركي وتاه عليهم باب الخروج منه ، ولكن لازالت هناك فرصة وكنّا نتمناها أن تكون في قمة دمشق كي تسلط الأضواء على باب الخروج من ذلك الكهف الذي أدخلتهم فيه واشنطن ، ولكن وعلى ما يبدو أن هناك من لا يريد الخروج من الكهف، فلقد أدمن البعض على جوف الكهف.

لهذا على القادة العرب تسليط الضوء على باب الكهف ومن خلال قمة دمشق للخروج بأقل الخسائر مع عدم قطع النصح والمساعدة إلى هؤلاء الذين يريدون البقاء في الكهف خوفا من الشمس وصاحب الكهف والسبب لأنهم يبقون عربا ويمثلون قسما كبيرا من الجغرافية العربية فلا يجوز أن يُتركوا في الكهف!!!!!!.

ويبقى العتب من الشارع العربي كبيرا ومؤلما على قيادات عربية كبيرة كان يُفترض بها أن لا تسمع أملاءات واشنطن، وأن لا تقف عند مواضيع شخصية مع المسئول السوري سين أو مع المسئول العربي صاد، وتقرر الحضور إلى دمشق من أجل الشعب العربي والأمة العربية، لأن حضور قمة دمشق واجب عربي، وليس مجاملة لسوريا أو للرئيس السوري بشار الأسد، فالرجل فتح ( مضيفه) وقام بدعوة جميع العرب وكان يُفترض بالقادة العرب جميعا أن يحضروا ودون المرور على الخلافات الجانبية، فانظروا لحجم الخلافات بين أعضاء الإتحاد الأوربي، ولكنهم يحضرون ويتصافحون ويتناقشون ويخرجون بقرارات مهمة تفيد دولهم وشعوبهم، ومن ثم تحافظ على كيان ونجاحات الإتحاد.

فلماذا لا نتعلم من الآخرين، والذين سبقونا علما أن الإتحاد الأوربي لا تربط أعضاءه إلا العلاقات الاقتصادية ونوعا ما الجغرافية ، أي هو لا يمتلك المقومات والروابط التي تمتلكها الدول والشعوب العربية، فبين العرب هناك روابط مهمة وتاريخية وهي ( الدم والنسب والدين واللغة والتاريخ والثقافة والجغرافية والاقتصاد والمصاهرة ..الخ) وكان يُفترض أن يكون العرب من أقوى التجمعات العالمية، ولكن لم يحصل هذا والسبب هي القيادات العربية نفسها التي لم تستثمر هذه النعم التي توفرت بين العرب!!.

فعلى بركة الله يا دمشق.. والله الموفق!.