ماذا تريد الأمة من القمة ?!.

بقلم/ د. رفعت سيد أحمد
إن مجرد انعقاد (القمة العربية) في دمشق السبت المقبل 29/3/2008، يعد في تقديرنا انتصار لسوريا، منهجاً ودوراً إقليمياً، يرفض الخضوع للتنازلات، أو للضغوط الأمريكية المباشرة أو عبر ما سموا تأدباً (بالمعتدلين العرب)، وهم من التابعين بجدارة والمنفذين عن اقتناع كامل للأجندة الأمريكية في المنطقة،.
* ولكن الأمر تعدى مجرد الانعقاد، إلى جدول مقترح للمناقشات والقرارات، تتصل بقضايا الأمة الرئيسية وملفاتها المتفجرة وفي مقدمتها ملفات (العراق وفلسطين ولبنان)، والتي يتمنى كل عربي مخلص أن تكون على مستوى الحدث، وسخونة ما يجري في تلك الملفات.
* حول ما تريده الأمة، من القمة القادمة سنسجل ما يلي من تأملات علها تفيد:
أولاً: لعل ما يجري في لبنان من توترات وصراعات يمثل أعقد الملفات التي تواجهها القمة، رغم أن البعض يحاول أن يدفن رأسه في الرمال متجاهلاً إياه، أو محاولاً تصويره وتقديمه للرأي العام على غير حقيقته، وهو ما يقوم به وبجدارة يحسدون عليها، حلفاء واشنطن، حين يصورون الأمر باعتباره مجرد اختلاف بين (أكثرية) ومعارضة، أو بين (حلف إيراني/ سوري) وحلف لبناني وطني يريد الاستقلال والتقدم ولكن على النسق والهوى الأمريكي، وهو الأمر غير الحقيقي، حيث الصراع في لبنان كان وسيظل صراع بين مسارين، مسار يسعى إلى استقلال فعلي للبنان وحماية حقيقية له من خلال وضع أزماته الحالية في سياقها العربي والإسلامي، ومسار يريد أن يجعل من لبنان مجرد تابع لاستراتيجية واشنطن في المنطقة وساحة لتواجدها كل ذلك حماية لأمن إسرائيل بالأساس، الأمر الذي يتطلب نزع سريع وكامل لسلاح حزب الله دونما ضمانات لحماية أمن لبنان، وأن يتحول الفرقاء في لبنان إلى ما يشبه حالة الحرب الأهلية بمعناها وأداءها القديم مع الخلع التدريجي للبنان من عروبته وانتماءاته التي يحكمها التاريخ والجغرافيا.
ولا بأس من أن يسمى كل هذا (بانتفاضة الاستقلال) أو حتى بصراع السنة ضد هيمنة الشيعة وحلف إيران ـ سوريا في لبنان، وهو التصوير الزائف للحقائق على الأرض وهو أيضاً الأمر البعيد عن الهدف وعن الواقع كلية.
* إن ملف الرئاسة اللبنانية، وتشكيل الحكومة، ونظام الانتخابات، تمثل قضايا التفجير داخل الملف اللبناني، وهي ذاتها التي تتوقع الأمة أن يجد الحكام العرب حلاً عربياً لا يمالئ واشنطن، أو يخضع لابتزازها كما هو حاصل اليوم للأسف. وما أسهل الحل العربي إن خلصت النوايا، وابتعد العقلاء والحكماء عن إتباع الهوى، أو الضغط الأمريكي الذي لا يرجى منه خيراً للمنطقة، إن الأمة ترنو بعين الرجاء أن يكون حماية سلاح المقاومة هو الهدف الأسمى لمؤتمر القمة العربية، لأن هذه المقاومة هي التي حمت لبنان وأخرجت العدو الصهيوني مهزوماً، مرتين الأولى في مايو 2000 والثانية في يوليو/ أغسطس 2008، وهي مقاومة ترفعت ولا تزال، عن صغائر السياسة الداخلية اللبنانية وصراعاتها، ولم تضبط ولو لمرة واحدة وهي تستخدم هذا السلاح المقاوم في صراعات أو فتن داخلية، لقد كانت دائماً تنزه هذا السلاح وتعلو به فوق المحن والفتن وهو الأمر الذي دفع واشنطن وتل أبيب إلى ترتيب المؤامرات منذ اغتيال الحريري (فبراير 2005) وحتى اليوم (2008) وكانت آخر مؤامراتها المباشرة ومن خلال الحلفاء هي الحيلولة دون القبول اللبناني بالمبادرة العربية، ومحاولة تأويلها وفقاً للمصالح الأمريكية وليس المصالح العربية / اللبنانية.
على أية حال.. المطلوب عربياً من القمة هو تفعيل المبادرة العربية، والإعادة الصحيحة والكاملة لدور لبنان العربي، وإقصاء روح التعصب والطائفية والأمركة من المشهد اللبناني، وحماية المقاومة وسلاحها والذي تسعى واشنطن وتل أبيب لضربه ونزعه.
ثانياً: أما الملف الثاني وهو الأكثر سخونة، ودماً فهو الملف العراقي، ذلك الملف الذي زاده الاحتلال الأمريكي، ألماً ودماراً، وكلما سعى العرب إلى علاجه تعمد الاحتلال إلى المزيد من عمليات تخريبه وتدميره، وإذا كانت واشنطن قد دفعت قرابة الخمسة تريليون دولار من قوت الشعب الأمريكي من أجل المغامرات غير المحسوبة للرئيس بوش الابن في أفغانستان والعراق في السنوات الخمس الماضية، فضلاً عن حوالي خمسة آلاف قتيل من ضباط وجنود الجيش الأمريكي، فإنه بالمقابل قد دفع الشعب العرقي (وقبله الأفغاني) ما يزيد على المليون عراقي شهيداً من جراء هذا الاحتلال والفتن التي خلقها داخل المجتمع العراقي الذي كان موحداً برغم الاستبداد والظلم، لقد تم تشريد 5 ملايين عراقي وزرع 5 ملايين لغم واحرتق الأخضر واليابس وتم تدمير الدولة العراقية، وأصبحنا إزاء عدة دويلات متنافرة ومتصارعة، يقف المحتل على قمتها، ينهب ويقتل. ويفرق بين الأخوة باسم المذهبية المقيتة والمغانم السياسية التافهة. إن هذا الملف الملغوم يمثل أحد أبرز الملفات أمام القمة العربية القادمة وما ينشده الإنسان العربي من قادة العرب في هذه القمة تجاه هذا الملف هو أن يخرجوا بقرارات تُنفذ بشأن مأساة الاحتلال، وبشأن الصراعات المذهبية والسياسية لأهل العراق، إن العراقيين بعد القتل والتشريد ينظرون بأمل، رغم الإحباط الشديد الذي يعيشونه ـ إلى القمة القادمة، لأنها تنعقد في (دمشق العروبة)، وهي دمشق التي تستضيف ما لا يقل عن ثلاثة ملايين عراقي، تعاملهم كأهل البلد بل أحياناً أفضل، وهذا ليس غريباً على دمشق قلب العروبة النابض، عن حق وصدق وليس عن ادعاء أو كذب.
إن هذا الملف يتطلب أيضاً فتحاً لحوار استراتيجي مع إيران الجار الأكبر والأبرز للعراق، وعدم التسرع بالإدانة في الحكم على دورها في العراق، كما يفعل بعض أتباع واشنطن في المنطقة، فبحكم الجغرافيا والتاريخ والمصلحة، مطلوب الحوار مع الدور الإيراني وليس معاداته أو اتهامه بالباطل كما يجري الآن من قبل بعض الساسة والمثقفين، ودور القمة العربية القادمة أن تتلمس هذا الحوار وتسعى إليه، دون تردد، فالمصلحة العربية، سواء في هذا الملف أو في غيره تتطلب الاصطفاف العربي/ الإسلامي في مواجهة الحلف الأمريكي/ الإسرائيلي.
ثالثاً: أما الملف الثالث المهم الذي ترنو الأمة بعيونها إليه في القمة القادمة، فهو الملف الفلسطيني بصراعه المفتوح مع الاحتلال، وخلافاته المفتوحة بين الأشقاء، إن الأمة تتطلع إلى أن يقوم قادتها في هذه القمة بخطوات عملية لفك الحصار المفروض (عربياً للأسف) وأمريكياً إسرائيلياً على الفلسطينيين، وأن يتبنوا مبادرة عربية جادة وصادقة للمصالحة بين الأشقاء في فتح وحماس، تعلي من خيار المقاومة وتخسف الأرض (إن أمكن!!) بخيار التسوية الذي أوصل القضية الفلسطينية إلى الدرك الأسفل من الاهتمام والفعل!! إن الأمة بإمكاناتها إن خلصت نية، وإرادة قادتها، أن تقدم الكثير لهذه القضية ولشعبها المظلوم، المقاوم، فقط نحتاج إلى إقصاء حقيقي للأجندة الأمريكية التي تحملها كل حين كونداليزا رايس، وديك تشيني ولا بأس من بوش الابن إلى المنطقة وبالمقابل تفعيل أكثر للدور والأجندة العربية المقاومة.
* إن القمة القادمة، تستحق، من حيث توقيتها ومكانها أن يهتم بها العالم، وأن تأمل فيها شعوب المنطقة خيراً، فالتطورات الدرامية للأحداث والسياسات والاستراتيجيات التي تجري حولنا تتطلب ذلك، وكون دمشق هي الراعية والمضيفة لهذه القمة، والتي تعقد فيها لأول مرة منذ عرفت الجامعة العربية مفهوم (القمة)، أي منذ 1946، يعد أمراً هاماً يستحق أن تحلم بشأنه الأمة، وأن تتوقع قرارات، وتوصيات، ومواقف تخرج من نطاق الأوراق المكتوبة عليه إلى الواقع المعاش، وهذا هو أمل الأمة في قمة دمشق وقادتها!!
على الهامش
في أربعينيته: فلتكن دماء عماد مغنية لعنة على الصهاينة ومن والآهم
مع حلول أربعينية الشهيد المجاهد الكبير عماد مغنية، نحتاج إلى تأمل جديد لعملية الاستشهاد بعيداً عن قصص وحواديت المؤامرة الصهيونية، وادعاءات الاختراق لحزب الله، نحتاج إلى القول بأن الشهيد عماد مغنية لقي ربه راضياً بعد أن ظل مطارداً لأكثر من ربع قرن، أسس فيه بنية مقاومة فذة، استطاعت أن تحقق النصر على العدو الصهيوني مرتين: الأولى عام 2000 والثانية عام 2006، وأنه كان يستعجل الشهادة في سبيل الله، وقد نالها عن جدارة، ويحتاج إلى التأكيد على حقيقة هامة، وهي أن المقاومة باقية بل هي تزداد تألقاً، وازدهاراً، بعد ذهاب مغنية، وبالقطع بسبب دماء هذا الشهيد ورفاقه الكبار الذكية العطرة، بمعنى أنه بموت هؤلاء المجاهدين، لا ولن تموت المقاومة، بل ستبقى وستعلو لأنها أضحت مؤسسة كبرى، غير مرتهنة بقاء ونهاية بفرد أياً كان وزنه وقيمته ودوره، بالإضافة إلى أن هذا (الفرد) سيكون في استشهاده كما هو الحال مع القائد الكبير (عماد مغنية)، قوة دفع لتقوية هذه المقاومة ودفعها للأمام؛ المهم من كل هذا أن تحول دماء (عماد مغنية) إلى لعنة على قاتليها، وهو ما يسعى حزب الله إليه، هو وكل المقاومات العربية والإسلامية الشريفة.
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون،،،