أغرب حزب مصري: نشاطه كتب في تفسير الأحلام وقراءة الطالع والدعوة إلى إعادة الطرابيش ودورات حلاقة الشعر ومسح الأحذية !


أغرب حزب مصري: نشاطه كتب في تفسير الأحلام وقراءة الطالع والدعوة إلى إعادة الطرابيش ودورات حلاقة الشعر ومسح الأحذية
أحمد الصباحي

 
وسط أجواء متوترة تصاحب إنطلاق الحملات الإنتخابية للمرشحين لإنتخابات المجالس الشعبية المحلية في مصر، وما يواكبها من أزمات سياسية وإقتصادية، بدءًا من طوابير الخبز، وصولاً إلى التضييق على راغبي الترشيح لتلك الإنتخابات، عاود أحمد الصباحي رئيس "حزب الأمة" المصري إضفاء لمساته الطريفة على الأجواء الملبدة بالغيوم، وهي اللمسة التي يعتبرها المراقبون في مصر أنها بمثابة "الوصلة الكوميدية" الطريفة، في ظل المشهد السياسي المصري الذي يبدو محتقنًا هذه الأيام، تمامًا كما حدث إبان أول إنتخابات رئاسية تنافسية شهدتها مصر، حين أعلن الصباحي حينذاك أنه سوف يتبرع بما قد يحصل عليه من أصوات للرئيس المصري حسني مبارك، لأنه يراه أجدر منه برئاسة البلاد، على الرغم من كونه منافسًا له.

وجاءت أحدث قرارات الحاج أحمد الصباحي ـ كما يطلق عليه أعضاء حزبه ـ بعد أن احتفل بعيد ميلاده الرابع والتسعين، إذ أعلن أنه سيترجل أخيرًا، ويعتزل العمل الحزبي والسياسي، وتمهيدًا لهذه الخطوة منح أحد نوابه الصلاحيات المالية والإدارية في إدارة الحزب إلى حين إجراء انتخابات جديدة على موقع رئيس الحزب، والتي أعلن أنها سوف تجرى خلال شهر أيلول/سبتمبر المقبل. وقد لا يعرف كثيرون أن "حزب الأمة" من أقدم الأحزاب التي أسست في مصر بعد عودة التعددية الحزبية في العام 1977 ، غير أن رئيسه ومؤسسه أحمد الصباحي دخل معترك العمل السياسي العام في مصر قبل ما يزيد عن نصف قرن، وإن لم يتجاوز نشاطه خلال هذه العقود بضعة كتب في تفسير الأحلام، وقراءة الكف والطالع، والدعوة إلى إعادة الطرابيش فوق رؤوس الرجال المصريين .

الحزب والأسرة

وللمرة الأولى منذ تأسيس هذا الحزب الفريد من نوعه في تاريخ السياسة المصرية، فلن يشارك مؤسسه الصباحي في المنافسة على رئاسته، لكن يبدو أيضًا ـ ولأسباب تتعلق بتعدد زيجاته، وخلفيات عائلية أخرى يطول شرحها ـ أنه يريد حرمان أكبر أبنائه من وراثته في رئاسة الحزب، وبالتالي فقد قرر الحاج أحمد الصباحي أن تكون انتخابات الرئيس مفتوحة لكافة أعضاء الحزب. هذه الخطوة التي اتخذها الصباحي، أثارت ابنه محمود، الذي يشغل في الوقت نفسه نائب رئيس الحزب، واعتبر أن ما حدث خطوة قبل الأخيرة في محاولات غريمه سامي حجازي وهو نائب آخر لرئيس الحزب الذي حصل على الصلاحيات المالية والإدارية للاستيلاء على الحزب، الذي يقول إنه بناه مع والده، وأضاف نجل الصباحي قائلاً إن حجازي سبق أن حاول الحصول على تفويض بإدارة الحزب ولم يتمكن، غير أنه وبسبب ظروف صحية أرغمته على الابتعاد عن الحزب قرابة أسبوعين انتهز حجازي هذه الفرصة، وأقام حفل تكريم للصباحي الأب، بينما أكد "الصباحي الابن" أنه سيدعو إلى مؤتمر عام لاختيار رئيس جديد للحزب .

وظل حزب الأمة في مصر، على الرغم من تواضع عدد أعضائه، وضآلة أنشطته ومشاركته في الحياة السياسية، مادة ثرية للجدل والسخرية والتندر، فقد طالب مرارًا بإعادة غطاء الرأس العثماني (الطربوش) زيًا رسميًا للمصريين، كما اشتهر عنه ولعه بقراءة الفنجان والطالع والكف، واقترح إنشاء مدارس للحلاقين وماسحي الأحذية، وأشياء أخرى غريبة من هذا القبيل. غير أن المثير في هذا السياق أن الصباحي أفلح طيلة العقود الماضية في أن يفلت من مأزق وقعت فيه غيره من أحزاب المعارضة المصرية الأكثر حضورًا على الساحة، وأدى إلى تجميد أنشطتها، وهو مأزق الانقسام الداخلي الذي أطاح حزبي الأحرار والعمل، وكاد في وقت مضى أن يطال الحزب المصري الأعرق وهو "الوفد" بعد وفاة زعيمه فؤاد سراج الدين باشا، إذ تمكن الصباحي من تحقيق النصر على منافسه في رئاسة الحزب وقتها، وهو رئيس تحرير صحيفة الحزب، وأنهى ازدواجية كادت تطيح برئاسته للحزب.

السياسة واللامعقول

والحاج أحمد الصباحي معروف بزيه الذي اختاره لنفسه سمتًا متميزًا، فقد ظل عقودًا يحرص على ارتداء الطربوش الأحمر الذي ألغته حركة الضباط عام 1952، والكرافتة ذات الألوان الثلاثة التي يتألف منها العلم المصري، وكان قد طلب من وزير التعليم تدريس منهج "تفسير الأحلام" في المدارس المصرية ، وذلك وفقًا لكتابه الشهير الذي نشره منذ سنوات، وكان قد عزز طلبه هذا بتأكيده على أن كل شيء موجود في الأحلام ومن يستطيع فك رموزها سيصبح بوسعه تحديد خطوط مستقبله بطريقة علمية، كما أكد انه سبق وأن حلم بانتصار مصر في حرب أكتوبر عندما نام وحلم أن مباراة كرة قدم جرت بين مصر وإسرائيل في ملعب السيدة زينب وفازت مصر 1/صفر فأدرك ساعتها أن الجيش المصري سوف يعبر القناة ويسجل هدفًا غاليًا في مرمى إسرائيل على حد تعبيره، وهو الأمر الذي رواه بنفسه للرئيس الراحل أنور السادات في لقاء جمعه به، ولقيت رواية الصباحي استحسانًا من السادات، كما يزعم الرجل .

ولم تقتصر شهرة الحاج أحمد الصباحي على الأوساط السياسية والصحافية والبرلمانية في مصر فحسب، بل يعرفه أيضًا كل الحلاقين في القاهرة، وكذا كل ماسحي الأحذية فيها، ولم يأت ذلك من فراغ لكنه حدث بعد سلسلة من الدورات التدريبية التي قدمها الحاج أحمد في مقر حزبه لتعليم العاطلين حلاقة الشعر ومسح الأحذية، ويقول الحاج أحمد إن "الأسطى من هؤلاء صار يكسب الآن أكثر من أي وزير، فهو على الأقل يكسب 200 جنيه مصري يوميًا، يعني ستة آلاف جنيه شهريًا، أي أكثر من ألف دولار أميركي".

وتمتد دائرة شهرة الحاج الصباحي لتنتقل من الأوساط السياسية ومحلات الحلاقة وماسحي الأحذية لتصل إلى دوائر القضاء، فالرجل تعرفه معظم المحاكم المصرية، وذلك بسبب ملاحقاته القضائية للصحافيين الذين يجرون معه حوارات صحافية حيث يدلي بتصريحاته الطريفة الشهيرة، ثم لا يلبث بعد نشر تلك الحوارات أن يقاضيهم بتهمة تحريف أقواله عمدًا، لدرجة أنه اتهم ذات مرة أحد الصحافيين بالإساءة إلى العلاقات المصرية العربية، وللأمن القومي المصري، ولعلاقات حزب الأمة بالأحزاب المماثلة في مصر والعالم العربي، فضلاً عن الإساءة إلى كبار رجال الدولة الذين تربط الصباحي صلة قرابة بأحدهم .