القذافي يوحد الأمة مجدداً انطلاقاً من كمبالا !!!


 
 
 
 
بقلم/ د. عبد الوهاب المتولي - جامعة عين شمس
يمكن القول أن رؤية القائد معمر القذافي في يوم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في كمبالا بأوغندا، تتلخص في دعوته إلى توحيد الأمة وإعلاء قيم الإسلام الحق، ونبذ التفسيرات الإسلامية ضيقة الأفق والتي تصادر روحية الإسلام وجوهر دعوته العالمية، وأن الدين الحق عند الله هو الإسلام وما عدا ذلك باطل.
لا نبالغ أو نجامل في القول بأن أفكار اللقاء التاريخي للقائد معمر القذافي يمكن أن تكون بداية لنهضة تاريخية إسلامية واسعة، ودعونا نقدم نماذج من أبرز القيم التي استطعنا أن نستخلصها من ثنايا أرساها هذا الخطاب التاريخي المهم:
أولاً: قيمة المنزلة العظمى للإسلام، لكونه رسالة للعالم أجمع وأن محمداً هو خاتم الأنبياء وأنه كنبي مرسل وخاتم يكفيه هذا الأمر ليكون صاحب الفضل الأكبر على الإنسانية التي ينبغي أن تؤمن به وفي هذا الصدد يؤكد القذافي معنى رائع ومهم للغاية حين يقول: الله أراد للبشرية أن تكون في النهاية في دين واحد وهو دين الإسلام، فمحمد أرسل لكل البشر خلافاً لكل الرسل الذين قبله ، الذين أرسلوا إلى أقوامهم وقبائلهم، أما محمد فأرسل لكل البشرية.
وإن الله يقول (إن الدين عند الله الإسلام)، ويقول أيضا (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). ويؤكد القذافي: إن القرآن الذي بين أيدينا الآن، هو الكتاب الصحيح المنّزل من الله. ثم يتقدم خطوة في رؤيته وموقفه الديني الحاسم والشجاع حين يقول: نحن نؤمن بالتوراة وبالإنجيل، ولكن العهد الجديد الموجود الآن غير الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى عليه السلام، والعهد القديم ليس هو التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام.
والدليل على ذلك أن محمداً كنبي خاتم للنبيين مذكور في التوراة وفي الإنجيل ثم ينتهي إلى القول: ولكن الإنجيل الموجود الآن والتوراة الموجودة الآن لا نجد فيهما ذكر محمد، وهذا معناه أنهما محرفان. فموسى عليه السلام قال لقومه إنه سيأتي نبي اسمه محمد، وعيسى قال لبني إسرائيل إني أبشركم بأنه سيأتي بعدي نبي اسمه أحمد. ثم يخلص القذافي إلى هذه النتيجة القيمة الهامة والمدوية
وأي توراة أو إنجيل غير مذكور فيه اسم محمد، فهو مزور.
* * * * * *
ثانياً: يرفض القائد معمر القذافي القراءات السطحية والمتخلفة لمعجزة القرآن والإسلام وربط هذه القراءات الجاهلة الإسلام بالمعجزات المادية والخرافية، يؤكد القذافي هنا معنى عظيم للغاية نتمنى الأخذ به وهو أن الإيمان الصحيح بمحمد يكون عبر الإيمان بكونه خاتم الأنبياء ولنتأمل قوله هنا بضرورة التوقف عن هذه الترهات التي تنسب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم . فمحمد هو خاتم النبيين ، وهذا لم يعط لأي نبي آخر .
ويقول: "والله وملائكته صلوا على محمد فقط .. قال الله تعالى "إن الله وملائكته يصلون على النبي"، الله أسرى بمحمد من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.. هذه معجزة.. هذه حقيقة، وأراه الآيات الكبرى ( ولقد رأى من آيات ربه الكبرى ) إلى غاية سدرة المنتهى (عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى) هذه معجزات وآيات بينات باهرات مذكورة في القرآن،.. هذه معجزات تكفي، أما أن ننسب لمحمد أشياءً ليست له، فهذا باطل".
ثم يؤكد وبشكل قاطع: "الدجالون الآن يضخون في شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت " معلومات من هذا القبيل، وهذه تخلق بلبلة في أذهان الناس". ثم يقول: "إن محمداً صلى الله عليه وسلم الذي نحتفل بمولده هذا اليوم، هو خاتم النبيين .. هو نبي كل البشر".
والذين يهاجمون محمداً في اسكندنافيا (يقصد أصحاب الرسوم المسيئة للرسول)، هم يهاجمون نبياً مرسلاً إليهم هم أيضا . الذين يهاجمون محمدا هم جهلة.. مرضى .. حاقدون ، عنصريون ، ضد الإنسانية ، ضد الله ، ضد عيسى ، ضد موسى ، لأن عيسى مؤمن بمحمد ، وموسى مؤمن بمحمد ، ومحمد مؤمن بموسى وبعيسى . ثم يقول القذافي بشجاعة يعجز باقي حكام المسلمين القيام بها لأنهم يخافون ويخشون الغرب أشد من خشيتهم لله: هل اسكندنافيا مؤمنة بعيسى ؟ أبداً .. ما دامت تهاجم محمداً ، إذن هي كافرة . هم يهاجمون نبي الله .. والله سيحاسبهم .
هم يعتقدون أن محمداً هو نبي العرب ! إن محمداً نبي العرب وغير العرب ، وسكان اسكندنافيا محمد مرسل إليهم رغم أنفهم.
وإن الله أكد أن دينه سينتصر ولو كره المشركون، لهذا سينتصر دين الله ولو كره الاسكندنافيون.
الله يقول في القرآن الكريم (النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل)، لكن التوراة والإنجيل الموجودين الآن ليس مكتوبا فيهما هذا الكلام.. إذن هما مزوران.. ليست التوراة الحقيقية ، وليس الإنجيل الحقيقي.
قال تعالى: (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد). هذا القول الواعي والشجاع من قبل الق1افي عن نبي الإسلام نعتقد أنه يمثل قيمة فلسفية ودينية عظمى تحتاج إلى من يأخذ بها في كل عالمنا المعاصر.
* * * * * *
ثالثاً: ثم قدم القائد معمر القذافي رؤية أخرى مهمة حول المعنى الصحيح للحج حول الكعبة وأنه طالما أن هذه الكعبة هي (أول بيت وضع للناس) وفقاً لنص القرآن الكريم لذا ينبغي أن نعيد النظر في مفهوم الحج وأن يكون الناس كافة شريطة ألا يكونوا من المشركين الذين عم نجس، وضرب القذافي أمثلة لهم، وربط الطواف بالكعبة بحتمية ألا يكون الطائفين من المشركين النجسين. وهذه الرؤية مهمة تحتاج لحوار موسع من قبل العلماء. والفقهاء المحترمين وليس وعاظ السلاطين الحاليين.
* * * * * *
رابعاً: ثم تأتي القيمة الرابعة المهمة الكبرى التي قدمها القائد معمر القذافي وهي قيمة الوحدة ودرء الفتن ورفض التعصب، مؤكداً أن الحل لكل هذا يكون من خلال إعادة طرح مفهوم وقيم الفاطمية الجديدة التي ساوت بين المسلمين ورفضت التعصب المذهبي، وفي هذا المعنى يقول القائد المفكر: "معنا هنا مسلمون من جميع أنحاء العالم ، وأنا أعرف أن عدداً كبيراً من المسلمين موجودين الآن معنا هنا مضطهدون ومطاردون وحتى مُكفرون من غيرهم ..عندنا هنا طوائف.. أناس يسمون أنفسهم سنة وشيعة. ثم يؤكد على اضطهاد طوائف إسلامية عديدة ويتحدى قائلاً: من منّا ينكر أن الشيعة ليست مضطهدة ؟.
الشيعة مضطهدون.. الأشراف مضطهدون.
طوائف من الشيعة يكفّرونها ويطاردونها ظلماً وعدواناً .. طوائف إسلامية معروفة تتعرض للاضطهاد. ويقول: أنا لا يهمني التفسير الديني للمشكلة ، يهمني الوضع السياسي لهذه الطوائف ، التي تعانى من الاضطهاد السياسي.
الشيعي مواطن من الدرجة الثانية والثالثة في البلاد العربية .. إذن لكونه شيعياً أُضطُهد سياسياً .. فقدَ حقه كمواطن من الدرجة الأولى ، ما هو ذنبه سوى أنه تشّيع لأهل البيت .. هذا هو السبب". ثم يستطرد القذافي بحسه الوحدوي الجامع قائلاً: "الذين قالوا إن علياً أولى بالخلافة ، أصبحوا شيعة . وفرق الشيعة من جعفرية وإسماعيلية وزيدية وما تفرع عنها.. هذه كلها طوائف تندرج تحت الشيعة ومضطهدة.
أنا لا تهمني الخلافات الدينية التي بينهم .. أنا يهمني أن الأسباب الدينية ترتّب عليها اضطهاد سياسي لهذه الجماعات". ثم يكشف عن جوانب من اضطهاد هذه الأقليات في العالم الإسلامي فيقول: "أنت شيعي ممنوع أن تكون رئيسا لهذه الدولة أو ملكا لهذه الدولة ، أنت من البهرة ممنوع أن تكون رئيسا أو ملكا ، أنت درزي ممنوع أن تكون رئيسا أو ملكا، أنت من الزيدية ممنوع كذلك .
أنت من الأشراف نفس الشيء ممنوع ، لأن الأشراف ينتمون إلى البيت النبوي الشريف.
ولأن التشّيع هو تشّيع لآل البيت .. إذن الشيعة والأشراف كلهم مضطهدون ومطاردون". ثم يربط القذافي وبإلحاح وذكاء هذا الاضطهاد بالأوضاع السياسية وليس الأوضاع الدينية ويقول أن هذا اضطهاد يتعلق بحقوق الإنسان . نحن بشر قبل أن تكون عندنا أديان .. نحن مواطنون في بلدنا قبل أن تكون عندنا مِلَل أو نحل .
إذن نحن يجب أن نكون متساوين سياسيا، ثم يخلص القائد في رؤيته هذه إلى أنه "وبسبب هذا الاضطهاد الذي تتعرض له هذه الطوائف، كان لا بد من الدعوة إلى إحياء الدولة الفاطمية الثانية لكي تحمي هذه الجماعات المضطهدة".
ويحسم القذافي تنبؤاته الصحيحة قائلاً وقد تقوم الدولة الفاطمية من شمال إفريقيا إلى الشرق الأوسط . ماذا لو قامت الدولة الفاطمية الثانية ، وأصبحت دولة قوية جدا ؟ عندها يندم الذين يضطهدون هذه الطوائف يوم لا ينفع الندم .
هؤلاء الضعفاء قد تقوم لهم دولة في يوم ما، كل هذه الطوائف المضطهدة قد يكون لها شأن في يوم ما. وهذه قضية تخص حياتنا وليست مسألة نقاش فلسفي أو تاريخي قديم ، لا .. فنحن نتكلم عن وضع سياسي قائم الآن.
* * * * * *
* إن هذه الرؤية القذافية عن ضرورة عودة الفاطمية هي من وجهة نظرنا دعوة لعودة قيمها وليس دعوة لإعادة البشر أو الأحداث أو التاريخ وهذا هو السبب في أن الكثير من عملاء أمريكا والغرب ودعاة الفتن يقفون ضد هذه الدعوة بل أحياناً يكفرونها.
على أية حال، هذه المحاور لخطاب كمبالا للقائد معمر القذافي تقدم في تقديرنا برنامج عمل سياسي واجتماعي وإنساني مهم، إذا ما أخذت به الأمة وجماعاتها الحية تستطيع أن تنهض وتقوى، فمن ضد الوحدة ومن ضد أن يكون الإسلام هو الدين الصحيح وأن محمداً هو خاتم الأنبياء الذي ينبغي إتباعه وأن الحج كفريضة إسلامية هو ملك الأمة كلها وليس من حق دولة أو عائلة أو فقه متخلف أن يحصره في دائرته الضيقة، وأخيراً من يقف وراء تمزيق الأمة إلى طوائف مضهدة متفرقة؟، أن من يقف ضد هذه (القيم) لا يمكن أن يكون مسلماً صحيح الإسلام، إنه إما جاهل أو عميل للغرب وإن إلتحف بأردية زائفة من التدين الشكلي ، إن جوهر دعوة القذافي سواء في كمبالا أو في غيرها من بلاد القارة السمراء (التي نسيها العرب للأسف وتذكرها هذا القائد عملياً وليس فقط من خلال الخطب أو التصريحات) إن دعوة القذافي وقيمها تلك هي في المحصلة الأخيرة دعوة للإحياء الإسلامي وللوحدة الإسلامية الصحيحة في مواجهة التحديات العالمية الجديدة وفي هذه الميادين من الصراعات فليتنافس المتنافسون في سبيل الله وفي سبيل الإسلام المحمدي الصحيح.