القصة الكاملة لولادة «إعلان صنعاء»

محمد السهلي
حتى ما قبل ساعات من توقيع «إعلان صنعاء»، كانت المؤشرات المتوافرة تؤكد أن وفدي منظمة التحرير وحركة حماس سيحزمان حقائبهما ويغادران العاصمة اليمنية مثلما جاءاها. فالوفدان تجادلا وتعارضا من خلال الوسيط اليمني إلى حد أن وفد منظمة التحرير فقد الأمل في إمكانية أن يقبل وفد حماس ببنود المبادرة اليمنية ويوقعها إيذاناً بتطبيقها، وأعلن يوم 20/3/2008 أن محادثاته مع وفد حماس قد فشلت وأنه يعتزم المغادرة إلى رام الله مساء اليوم ذاته.
فعلى ماذا اختلف الوفدان وقد أتى كل منهما إلى العاصمة اليمنية وهو عارف ببنود المبادرة السبعة وأعلن مسبقاً ترحيبه بها وبالجهود اليمنية لإنهاء الانقسام.
وأين اختفى رئيس وفد م.ت.ف. وظهر مكانه عضو الوفد والقيادي في حركة فتح، عزام الأحمد، موقعاً «إعلان صنعاء» مع موسى أبو مرزوق رئيس وفد حماس، ليبدو الأمر وكأنه نسخة مكررة عن الاتفاق الثنائي الذي وقع في مكة بين الحركتين، مع فارق التطورات المأساوية التي وقعت منذ اتفاق شباط (فبراير) 2007؟
نقطتا خلاف أساسيتان
مصادر فلسطينية ويمنية مطلعة واكبت محادثات صنعاء رأت أن هذه المحادثات مرت بمحطتين رئيسيتين أدت الثانية منهما إلى ولادة «إعلان صنعاء». وتقول المصادر المطلعة إن الخلاف الأساسي بين الوفدين يدور حول نقطتين أساسيتين:
الأولى: أن حركة حماس جاءت إلى صنعاء وعينها على حوار ثنائي مع فتح، ولم يرق لها أن تجد أمامها وفداً يمثل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير برئاسة شخصية غير فتحاوية في الوقت الذي كان فيه عزام الأحمد، رئيس كتلة «فتح» في «التشريعي»، مجرد عضو في الوفد مما عنى بالنسبة لوفد حماس ـ تقول المصادر ـ غياب الفرصة بالخوض في إحياء آليات المحاصصة الثنائية بين الحركتين انطلاقاً مما وقع في مكة في شباط (فبراير) من العام الماضي. وتشير المصادر المطلعة إلى أن غير شخصية من حركة حماس قالت إن مشكلتها في الأزمة القائمة هي فتح وليس مع منظمة التحرير.
النقطة الثانية: أن وفد حركة حماس جاء على صنعاء للتعامل مع المبادرة اليمنية كـ «إطار للحوار» مما يعني أن كل بند من بنودها خاضع للنقاش والتعديل في الوقت الذي أعلن فيه وفد منظمة التحرير أن المبادرة مطروحة في حال الموافقة عليها للتنفيذ وهي إطار لحل الأزمة الفلسطينية وليست إطاراً للحوار حول سبل حلها.
مطالب حماس بالتعديل
المصادر المطلعة أشارت إلى تعديلين طالبت بهما حركة حماس ينصبان على البند الأول للمبادرة الذي يقول «العودة بالأوضاع في غزة إلى ما كانت عليه قبل تاريخ 13/6/2007 والتقيد بما التزمت به منظمة التحرير، وإجراء انتخابات مبكرة رئاسية وتشريعية». والتعديلان هما:
1ـ المطالبة بشطب الفقرة التي تنص على «التقيد بما التزمت به م. ت.ف.» على اعتبار أن مضمون هذه الفقرة وارد في البند الثاني من اتفاق مكة والذي يقول باستئناف الحوار الوطني على قاعدة اتفاق القاهرة 2005، واتفاق مكة 2007. وتنقل المصادر على لسان وفد حماس قوله إن ما لم تقدمه الحركة في مكة من إضافات لن تقدمه في صنعاء.
2ـ التعديل الثاني على نص »العودة بالأوضاع في غزة إلى ما كانت عليه قبل تاريخ 13/6/2007» ليصبح حسب تعديل حماس «العودة بالأوضاع الفلسطينية إلى ما كانت عليه قبل تاريخ 13/6».
موقف وفد المنظمة
وتضيف المصادر المطلعة أن وفد منظمة التحرير اعترض على التعديلات المقترحة قائلاً إن تعديل «العودة بالأوضاع في غزة إلى ما قبل 13/6/2007» هو أمر مخالف لقرارات اجتماع وزراء الخارجية العرب في شهر حزيران (يونيو) 2007، وأشار وفد المنظمة أنه من غير المناسب حتى بالنسبة للأشقاء اليمنيين تبني موقف مخالف للإجماع العربي. وتشير المصادر المطلعة هنا إلى أن اليمنيين أكدوا بأنهم لن يتخذوا موقفاً مخالفاً للإجماع العربي.
وتنقل المصادرعن وفد منظمة التحرير قوله إن فتح الباب أمام تعديل المبادرة اليمنية سيخلق مشكلة، لأنه يفتح على تعديلات وتعديلات مضادة، والدخول بالتالي في دوامة لا تنتهي. وإن الوفد لا يمكنه حتى الموافقة على مثل هذه التعديلات لأن قرار اللجنة التنفيذية هو الموافقة على المبادرة اليمنية كما هي وبحث سبل تطبيق بنودها كاملة. كما نقلت المصادر عن وفد المنظمة تذمره واستياءه الشديدين من أن وفد حماس أعلن ثلاث مرات عن موافقته على المبادرة واستعداده توقيعها، ثم يعود في كل مرة عن هذا الموقف ويطالب بالتعديل أو إعادة نقاش بنود المبادرة.
تدخل الرئيس صالح
وتضيف المصادر بأن الوفدين أصبحا في موقعين متقابلين، وعبر عزام الأحمد، القيادي في حركة فتح وعضو وفد المنظمة (20/3) بأن الوفد تلقى اتصالات من الرئاسة الفلسطينية تطلب منه نقل شكرها وامتنانها للرئيس عبد الله صالح وللقيادة اليمنية على الجهود التي بذلت في محاولة إنهاء الانقسام الفلسطيني، وأنه وعلى ضوء تقلبات مواقف وفد حركة حماس من التوقيع على المبادرة وإصراره على إعادة نقاشها على أساس أنها إطار للحوار ـ على ضوء ذلك ـ فإن الوفد سيحزم أمتعته ويعود إلى رام الله معلناً فشل المحادثات مع حركة حماس.
هنا ـ تضيف المصادر ـ لوحظ حضور قوي للجانب اليمني، راعي المحادثات، ومن خلال شخص الرئيس ذاته الذي اجتمع مع الوفدين مشدداً على ضرورة إيجاد حل للأزمة الفلسطينية وأن الظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية تستدعي حل الخلافات الداخلية بأسرع وقت ممكن في ظل الاستحقاقات الإقليمية والدولية المعنية بها المنطقة بكاملها.
التبدل الأول في وقائع المحادثات تجلى في تمديد فترة المحادثات، ونزول وفد منظمة التحرير عند رغبة القيادة اليمنية بعدم مغادرة صنعاء في الموعد الذي سبق وأعلنه (20/3). وشهدت المحادثات نشاطاً قيادياً يمنياً في نقل الاقتراحات ومحاولة تجسير نقاط الخلاف واستمر الوضع على هذا المنوال حتى ظهر يوم الأحد (22/3).
التبدل الثاني الجوهري تمثل في صورة كل من عزام الأحمد وموسى أبو مرزوق وهما يوقعان «إعلان صنعاء» كممثلين لكل من حركتي فتح وحماس، ولوحظ غياب باقي أعضاء وفد منظمة التحرير عن مراسم التوقيع وبشكل خاص صالح رأفت رئيس الوفد، في الوقت الذي شهدت مراسم التوقيع، حضور شخصيات يمنية رفيعة المستوى وفي المقدمة الرئيس عبد الله صالح وإلى جانبه كل من رئيس مجلس النواب يحيى علي الراعي، ونائب رئيس مجلس الوزراء أكرم عطية ووزير الخارجية الدكتور أبو بكر قربي وأمين عام الرئاسة عبد الله بشرى.
المصادر المطلعة نقلت عن مشاركين في وفد منظمة التحرير أن الرئيس اليمني أكد للوفد أن المبادرة ببنودها السابقة مطروحة للتنفيذ وأن أية تعديلات وقعت لا تلغي هذه الحقيقة. وأنه معني بمتابعة الأمر حتى وصول المبادرة إلى خواتيمها المرجوة.
تفاعلات ما بعد التوقيع
أثار توقيع نص المبادرة اليمنية بالتعديلات التي وقعت زوبعة من المشادات داخل حركة فتح وفي أوساط عدة من منظمة التحرير. وحمّل كثيرون من قيادات فتح وكوادرها محمود عزام مسؤولية التراجع عن قرار اللجنة التنفيذية باعتماد المبادرة كما هي وبأن يكون التوقيع باسم وفد المنظمة وليس باسم حركة فتح، وفهم المراقبون من هذا الموقف رغبة أوساط عدة في حركة فتح في عدم فتح حوار مع حماس إلا بعد تنفيذ المبادرة وخاصة البند الأول (القديم) في التراجع عن الإجراءات التي قامت بها الحركة في قطاع غزة منذ استيلائها على القطاع يوم 14/6/2007.
لكن قيادات فتحاوية أخرى ومنها أحمد قريع، عضو اللجنة المركزية، ورئيس الوزراء الأسبق في حكومة السلطة الفلسطينية، صرح بأن «هناك أشخاص لا يريدون حل الأزمة الفلسطينية، ويعارضون إنجاز أية خطوة تؤدي إلى هذا الهدف». كما شهدت فضائيات عربية عدة سجالات حادة بين شخصيات فتحاوية انحاز كل منها لموقف مقابل للآخر حول التوقيع على «إعلان صنعاء» بالصيغة المعدلة وتحديداً في البند الأول.
التعديل يفتح أبواب وأبواب
العودة بالأوضاع الفلسطينية وليس فقط في غزة إلى ما قبل 13/6/2007 تعني الكثير. بدءاً من التراجع عن مراسيم أصدرها رئيس السلطة محمود عباس (أبو مازن) ربما بما فيها إقالة الحكومة الحادية عشرة، مروراً بتشكيل الحكومة التي يترأسها سلام فياض.
وتشير مصادر مطلعة في رام الله إلى أن أسباباً فتحاوية خالصة تدخل على خط الموقف من التوقيع على «إعلان صنعاء» من بينها الموقف من حكومة سلام فياض التي يرى قياديون في فتح بأنها جاءت على حساب دور فتح في قيادة المؤسسات الرئيسية في السلطة وفي المقدمة الحكومة، وأن هؤلاء يرون في إعادة تشكيل أوضاع السلطة الفلسطينية بدءاً من الحكومة يعيد لهم الأول في تقلد حقائب وزارية ويشير متابعون إلى أن ما يجري من تفاعلات في حركة فتح الآن لا يبتعد كثيراً عن استحقاقات مؤتمر الحركة الذي راهن كثيرون من كوادر فتح على أن يخرج بنتائج تنظيمية وبرنامجية تضع حداً لهيمنة «الحرس القديم» في عضوية اللجنة المركزية، وبالتالي في المفاصل الأساسية في هيكلية السلطة.
ويلفت المراقبون إلى أنه خلف كل هذا الغبار الذي أثير بعيد توقيع «إعلان صنعاء» تمثل حقائق أساسية لا يمكن تجاهلها، وأبرزها أن هذا الإعلان وعلى الرغم من النية الصادقة لأصحاب المبادرة في محاولة حل الأزمة، إلا أنه اتفاق ثنائي سيبقي الأزمة الفلسطينية في مربعها الأول وسيعيدنا إلى جدل تفسير النصوص وتأويلها في ظل غياب الإطار الوطني الجامع ممثلاً بمكونات الحالة السياسية الفلسطينية جميعها.