مصــر والسعـــودية والقــمــة العـــربــيــة !

مع أن القمم العربية يأتي حصادها دائما مخيبا للآمال وبعيدا عن طموحات وتطلعات المواطن العربي ولا تعدو أن تكون في أحسن أحوالها برتوكولات تبويس اللحى وتقبيل الخشوم إلى درجة الغثيان حتى أصيبت الشعوب بالبلادة واليأس من هذه القمم الفاشلة وقد غدت الجامعة العربية شبيهة شكلا ومضمونا بالعجوز الشمطاء المترهلة المثخنة بالعاهات والجراحات والعلل جاثمة بمآسيها على صدر الأمة وقد أعيت من يداويها ، تلك القمم التي تتزحلق قراراتها إلى سلة المهملات قبل أن يجف حبرها على قرطاس وقبل أن يغسل الزعماء أياديهم الطاهرة من مدادها ، غالبا ماكانت تنعقد في ظروف تطوق فيها المآسي الوطن العربي من محيطة إلى خليجه و الفقر والجهل والتخلف والاستعمار يفتك بشعوبه ، والفرقة وأخطار التقسيم والتشرذم يهدد كيانه ، وتحيط به الأساطيل من كل الجهات وينخر في جسمه الاحتلال الصهيوني القابع على أعظم مقدساته ، ويرابط بين النهرين المحتل الامريكي قابضا على بوابته الشرقية بأكثر من 140 ألف جندي أمريكي إلا أن تلك القمم تنعقد وتنقضي وتطوى صحائفها وقد طبقت المثل القائل (وكأنك يا بوزيد ما غزيت).لتعود الشعوب العربية من جديد إلى خيبة الأمل و ضرب الكفوف و عض الأنامل من الغيض .
 
إلا انه ورغم تلك النظرة التشاؤمية والإحباط من القمم العربية الذي أصبح فشلها من المسلمات في وجدان المواطن العربي إلا أن قمة دمشق تأتى هذه المرة في ظروف استثنائية وخاصة جدا
وعلى اثر مستجدات لم يعهدها العرب منذ عام 48 تاريخ الولادة الغير شرعية للكيان الصهيوني تلك المستجدات التي بدأت بحرب صيف2006 في جنوب لبنان ولن تنتهي ان شاء الله بانكسار الصهاينة وردهم على أعقابهم خاسئين واندحارهم من على تلال جباليا في غزة قد خلقت واقعا جديدا اثبت وبما لا يدع مجالا للشك أن موازين القوى في المنطقة قد عصف بها زلزل المقاومه وصمودها الاسطوري وان الآلة الصهيونية التي طالما أرعبت العرب قد فقدت مفعولها وان رغبات واشنطن واملاءتها قد أصبحت في ذمة التاريخ وان العرب قادرون إن شاءوا أن يخلقوا لأنفسهم مكانا تحت الشمس بقوة الارداة والأخذ بأسباب النصر وان الفرصة قد باتت سانحة ولم يعد الأمر يتطلب أكثر من قمة عربيه صادقة تضع النقاط على الحروف وتفتح صفحة جديدة في تاريخ امتنا المعاصر، من هنا تأتى أهمية قمة دمشق المصيرية و ليس أدل على ذلك من تلك الحركة الغير مألوفة بهذا الزخم في المنطقة والاستنفار البالغ الخطورة لمجهودات المستعمرين ودق أجراس الخطر في واشنطن وعواصم الغرب و تل ابيب وأصوات الضجيج و التهديد والوعيد وهدير الأساطيل وحاملات الطائرات وهي تمخر عباب المحيطات وتتمركز قبالة الشوطىء العربية ورحلات الشتاء والصيف ا المكوكية التي تقوم بها الوفود الغربية للمنطقة ابتداء من بوش وساركوزي والسيدة كوندليزا رايس وانتهاءا بحامل نذر الشؤم و الخراب والدمار ديك تشيني وما تعج به جعبته من مخططات شيطانية تهدف على ما يبدو إلى وضع اللمسات الأخيرة على مسرح العمليات بعد اكتمال بقية فصول ا لمحرقة التي يعد لها الصهاينة لذبح ما تبقى من الشعب الفلسطيني والإجهاز على المقاومة في لبنان وهدم آخر قلاع الممانعة في ربوع الشام ليتوج كل ذلك في النهاية بمخططات سايكس-بيكو جديد يقسم المقسم ويجزئ المجزأ ويعيد الهيمنة الصهيونية على المنطقة من جديد هذه الظروف و المخططات والمستجدات المتلاحقة تؤكد أهمية وضرورة انعقاد قمة دمشق مع ما يتطلبه من وحدة عربية وفزعة عمرية ناصرية تحي الامه من السبات والغفلة التي اتخمت العقول والقلوب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
 
إلا أن الشعوب العربية وأمام هذه المستجدات فاجأتها دون شك حملة تنسيقيه منقطعة النظير بين اكبر دولتين عربيتين هما مصر والسعودية ، تنسيقا يهدف إلى إفراغ قمة دمشق من مضمونها وذلك من خلال تقليص التمثيل فيها إلى أدنى مستوى بل وتحريض الآخرين بالإشارات والتلميحات والتصريحات ليحذوا حذوهم نكاية في سوريا الأسد الذي رفض الانبطاح للمخطط الصهيوني ورفض تسليم مفاتيح لبنان لجعجع وجنبلاط ورفض خنق المقاومة إلى تغض مضاجع الصهاينة ورفض فتح الباب مشرعا أمام أحلام تل ابيب بشرق أوسط كبير يؤمن حدودها الشمالية في فلسطين المحتلة ويئد المقاومة الفلسطينية ويخمد جذوتها ويعيد اختلال موازين القوى لصالح إسرائيل من جديد ويمهد الطريق أمام مشروعات التقسيم والتقزيم للامه العربية
 
إن السعودية ومصر الدولتان العربيتان اللتان علق عليهما أبناء العروبة والإسلام أمالا عريضة للتلاحم مع أسد الشام على اثر بوادر الوحدة التي أضاءت شمعتها عدت لقاءات جمعت الزعماء الثلاثة وطبعت في أذهاننا صورة مشرقة لمثلث عربي يحمل لواء الممانعة والصمود في وجه الهجمة الشرسة المسعورة التي تقودها أمريكا و تغذيها الصهيونية
بخبثها وعدوانيتها التاريخية المعهودة وأطماعها التوسعية في بلاد العرب للسيطرة على ثرواتهم ومقدراتهم وتدنيس مقدساتهم وزرع بذور الفتنة والشقاق والخلاف فيما بينهم حتى يسهل عليها تقزيمهم ،إلا أن الموقف المفاجئ للسعوديين والمصريين من القمة العربية التى ستعقد بدمشق أواخر شهر مارس ونكوصهما على عقبيهما وارتدادهما إلى حظيرة السيد الأمريكي قد بخر تلك الآمال وحطم تلك الأحلام
 
فهل يمكن أن تكون تلك الردة وذلك النكوس المعيب عن مواجهة قضايا الامه العربية والتغيب عن قمة مصيرية وما يترتب عليها من شق للصف العربي والانزلاق إلى أتون المخطط الصهيوني والأمريكي الساعي إلى إخماد جذوة الانتصار والمقاومة التي صنعها أبناء القسام في فلسطين
وليوث حزب الله في لبنان لمجرد تأخير انتخاب رئيس لبناني وغيابه عن القمة العربية ؟؟!! وهل يمكن أن يبلغ الحقد والانتقام من بشار الأسد إلى درجة الاستهتار بقضايا الأمة ومستقبل وجودها !!؟؟ وهل إرضاء سعد الحريري وجنبلاط بيك وحقيقتهما الضائعة يستحق تمزيق الصف العربي وتعريض الأمن القومي للخطر وتفويت فرصة التلاحم والوحدة والنهوض بأمة أشقاها الخلاف والشقاق وملت التبعية والانبطاح؟؟!!
 
إن كل ذي لب يدرك اليوم أن الأمة العربية تمر بأصعب لحظات تاريخها المعاصر و تقف على مفترق الطرق وان الطوفان يقف خلف أكمة القمة العربية بدمشق فإما مشاركة فاعله و قرارات حاسمة تصون ما تبقى من الكرامة العربية وتشد عضد المقاومين والممانعين وتفشل المخططات الصهيونية في المنطقة وإما العودة مجددا إلى سياسة الانبطاح والاستسلام للملاءات الأمريكية والغربية
 
وإذا كان بعض القادة العرب يظنون أن الشعوب العربية جاهلة أو غافلة عما يفعلون فعليهم أن يدركوا أن ا لشعوب شهداء الله في الأرض وان التاريخ لا يرحم و سوف يسجل على صفحاته السوداء مواقف كل المتخاذلين والمفرطين بمقدرات الشعوب وكرامتها وان الأجيال سوف تلعن كل من تقاعس عن الذود والدفاع عن الشرف والأرض والعرض والكرامة إلى ابد الدهر
فهل من مدكر