ايام بوش في معدودة، ومعه سيرحل عملائه في العراق

رسميا يتمسك الرئيس الاميركي بوش وما بقي معه من طاقم المحافظين الجدد بالابقاء على القوات الاميركية في العراق حتى تتوفر ظروف ملائمة حسب تقديرات البيت الابيض تسمح للحكومة الموالية لواشنطن في بغداد بالسيطرة بمفردها على الأمن والاستقرار وتوفر ظروف تدفق مستمر وسلس للنفط العراقي نحو الاسواق الخارجية.

إصرار بوش هذا يسير ضد تيار كل التقارير حتى الصادرة من طرف عدد من فروع المخابرات الاميركية وهيئات البحث المستقلة التي تقدم النصح للادارة الاميركية، بأنه من الصعب كسب المعركة في العراق ما دام الشعب العراقي يرفض الاحتلال والادارة التي فرضت عليه بعد سقوط بغداد في 9 ابريل 2003، وأنه من الافضل في المرحلة الحالية البحث عن مخرج وإن كان يحتم التفاوض والاتفاق مع قوى رفضتها واشنطن.

بوش الذي يناور منذ الصيف الماضي لاقناع مواطنيه ان هناك تحسنا في الاوضاع الامنية في العراق بعد ارساله تعزيزات تزيد على 33 الف جندي الى بلاد الرافدين ليرفع تعداد القوات الاميركية هناك الى حوالي 165 الف جندي، بدأ في الربع الاول من سنة 2008 يتراجع عن وعوده ببدء سحب القوات الأميركية. وفي نفس الوقت شنت وسائل الاعلام الاميركية خاصة تلك الخاضعة للمركب الصناعي العسكري حملة تضليل لحث الاميركيين على مواصلة تأييد استمرار التدخل العسكري، على أساس انه الكفيل وحده بإبعاد التهديدات الارهابية عن الولايات المتحدة وتوفير استقرار في السوق النفطية اسعارا وانتاجا خاصة ان بإمكان العراق التفوق على السعودية في مجال كميات النفط المصدر والوصول به الى 10 ملايين برميل يوميا خلال سنتين.

النهاية تقترب

في الوقت الذي يسبح فيه طاقم المحافظين الجدد ضد التيار، تجري تحركات تشير الى ادراك العديد من مراكز صنع القرار ليس في أميركا وحدها بل لدى أقرب حلفائها بأن العد العكسي لنهاية الاحتلال في العراق تقترب بسرعة، وانه يجب الاعداد لذلك على أكثر من صعيد.

يوم الاثنين 24 مارس 2008 ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية ان حكومة لندن ستنقل اعتبارا من شهر ابريل 2008 الفي عراقي من بلدهم الى اراضيها بعد ان عملوا لحساب العسكريين البريطانيين في العراق. وافادت الصحيفة ان وزارتي الداخلية والدفاع البريطانيتين تبحثان مع جهاز اللجوء في مساعدة العراقيين على الاقامة في بريطانيا.

ولم تعلق الوزارتان على الفور على هذه المعلومات. وافادت وثائق من الوزارتين ان "العراقيين يستقبلون في سلاو غرب لندن قبل نقلهم الى مناطق اقامتهم في شمال انكلترا او اسكتلندا".

وقالت الغارديان ان وزارة الخارجية اكدت انه تمت الموافقة على 450 طلب اقامة ورفضت 450 اخرى، وما زالت تنظر في حوالي مائتي طلب اخرى. واكدت الصحيفة ان نقل العراقيين الى بريطانيا سيتم خلال 17 شهرا.

سحب المتعاونين دليل على ان لندن تدرك انه لن يعود أمامها أكثر من أشهر معدودة لإستنفاد الاستفادة من هؤلاء.

قبل ذلك بيومين كشفت عدة مصادر في العاصمة الاميركية انه تم تسريع نقل العراقيين الذين عملوا مع قوات الاحتلال الى الولايات المتحدة لحمايتهم من الانتقام. وأفادت الارقام الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية ان 444 عراقيا وصلوا في فبراير 2008 مما يرفع عددهم الى 1876 منذ بدء السنة المالية الاميركية في الأول من اكتوبر 2007.

وحددت الادارة الاميركية لنفسها هدفا هو استقبال 12 الف عراقي من الذين لجأوا الى الاردن وسوريا وتركيا ولبنان او الى دول الخليج العربي بعد ان تعاونوا بشكل أو بآخر مع قواتها أو الادارات المتابعة التي وضعتها في بغداد بعد سقوط البوابة الشرقية للامة العربية.

وزيادة على هؤلاء، تعهدت الولايات المتحدة بان تستقبل سنويا 500 عراقي عملوا مباشرة لحساب الحكومة الاميركية كمترجمين وعائلاتهم في اطار برنامج تأشيرات دخول خاصة، فضلا عن خمسة الاف عراقي عملوا مباشرة او غير مباشرة لحساب الولايات المتحدة ويواجهون "تهديدات جدية" في العراق.

لا مكان للمتعاملين

منظمة "انترناشونال رسكيو كوميتي" المدافعة عن حقوق اللاجئين لا ترى ان واشنطن تقوم بما يكفي ففي تقرير اصدرته اخيرا بعنوان "اللاجئون العراقيون: رد الولايات المتحدة والعالم غير مناسب اطلاقا" اشارت الى انه "لن يكون في وسع العديد من اللاجئين العراقيين العودة بأمان الى بلادهم ايا كانت الظروف". وتابعت المنظمة "انه من واجب الولايات المتحدة الاخلاقي تأمين الملجأ لهم ولعراقيين اخرين معرضين ولا سيما ارامل واطفال ولعشرات الاف الاشخاص الذين جازفوا بحياتهم للعمل لحساب الاميركيين في العراق".

وتابع التقرير ان "هدف الادارة القاضي باستقبال 12 الف لاجئ هذه السنة ضئيل للغاية بالمقارنة مع عدد اللاجئين الذين انقذتهم الولايات المتحدة من فيتنام والبلقان" داعيا الى رفع هذا العدد الى "ثلاثين الفا في السنة لعدة سنوات".

وتم استقبال نحو 130 الف لاجئ فيتنامي في قواعد اميركية عند سقوط سايغون عام 1975 واعقبتهم دفعات اخرى من الفارين في السنوات التالية، بعد ان فضلت قيادة فيتنام الموحد التخلص من هؤلاء الذين خانوا وطنهم بإرسالهم الى الولايات المتحدة بدلا من الزج بهم في السجون أو اعدامهم بتهمة الخيانة العظمى.

تحذير عدة منظمات دولية من المصير البائس الذي ينتظر العراقيين الذين عملوا مع الاحتلال، زيادة على انه صفعة لإدعاءات طاقم بوش بأنهم باقون في بلاد الرافدين، فإنه كذلك تكذيب لإدعاءات البيت الأبيض بأن العراقيين راضون عن التدخل الأميركي وفرحون بالتخلص من نظام الرئيس صدام حسين، وان العمليات العسكرية المناهضة للوجود الأميركي في العراق ليست من فعل العراقيين بل من عمل تنظيمات غير عراقية كالقاعدة وغيرها.

الأمر اللافت للانتباه ان تسريع وتيرة ترحيل العراقيين تزامن مع جهود البنتاغون الاميركي لتعزيز قواته المسلحة بعدد من الناطقين باللغة العربية، وقالت إدارة الدفاع الأميركي ان هذا الطلب فرضه تزايد مهمات جيوشها في المنطقة العربية، وخاصة في العراق، حيث تشتد الحاجة إلى وجود عناصر من أصول عربية للتفاهم مع السكان.

ترحيل عراقيين خدموا الجيش الأميركي في وقت يريد فيه بوش وخليفته المحتمل ماكين ابقاء جيوشهم في بلاد الرافدين لسنوات اخرى، والعمل في نفس الوقت على تجنيد آخرين بسبب الحاجة الملحة لهم، يكشف عن ارتباك في توجهات مراكز القرار بواشنطن، وهو ربما يبين كذلك أنه يوجد داخل الإدارة الأميركية قوى تعمل في اتجاه التلاؤم مع ما تراه حتمية الإنسحاب من بلاد الرافدين.

البحث عن مجندين جدد

وتشير التقارير إلى أن الجيش الأميركي ينشط بصورة كبيرة منذ اكتوبر 2007 في مدينة ديترويت ومحيطها حيث استقر عدد كبير من العرب الذين خدموا الجيش الأميركي سواء في العراق أو لبنان أو مناطق اخرى من الوطن العربي، ويستثني المهجرين بعد سنة 1992، اضافة الى عرب خدموا في أفغانستان والبلقان مباشرة لحساب الإدارة الأميركية او جندوا من طرف المخابرات الأميركية بينما كانوا يعملون في تنظيمات مختلفة. ويقطن في ديترويت أكثر من 300 ألف عربي جزء منهم منذ عقود.

البنتاغون يعترف بالصعوبات الكثيرة التي تواجه جهوده، حيث أن مواقف السكان متباينة، إذ يرحب البعض بالتطوع في الجيش وإن سرا للتغلب على المصاعب الاقتصادية. بينما يرفض آخرون بصورة قاطعة خاصة هؤلاء الحديثي العهد بالاستقرار بالولايات المتحدة، قائلين إن ارتداء زي الجيش الأميركي سيجعلهم محل انتقاد واسع من قبل المحيطين بهم، وسيتهمون مباشرة بأنهم "خونة" يقتلون "أبناء جلدتهم" في العراق.

وتوزع القوات المسلحة الأميركية آلاف المنشورات الدعائية والملصقات في شوارع ديترويت وعموم ولاية ميتشغان، في مسعى منها لجذب السكان المنحدرين من أصول عربية إلى صفوفها.

وعلى منشور يتم توزيعه باللغة العربية، ورد الإعلان التالي "في أرض عامرة بالفرص، هذه واحدة منها ربما لم تخطر لك على بال، وظيفة في الجيش الأميركي.. اتصل".

عقارات ومزارع

المتعاونون من الدرجة الرابعة أو الثالثة مع قوات الاحتلال ليسوا وحدهم الفارين من العراق. هؤلاء الذين أتوا على دبابات الغزو من لندن وأوروبا وحتى الذين دخلوا من إيران بمباركة من واشنطن يرحلون منذ مدة أو يعدون للرحيل لأنهم يدركون أن فرص بقائهم ليزيدوا من رصيد نهبهم لأموال الشعب العراقي تتقلص يوما بعد آخر، وانهم ان تخلفوا قليلا فقد لا تتاح لهم فرصة النجاة على متن آخر طائرة عمودية تقلع من سطح السفارة الأميركية في بغداد، كما حدث لأمثالهم في فيتنام سنة 1975.

مع بداية سنة 2008 عادت الصحف البريطانية والفرنسية وغيرها الى الحديث عن تكثف عمليات شراء عقارات ومزارع في البلدين من طرف ساسة عراقيين يشاركون في العملية السياسية والادارة الجارية في بلاد الرافدين. وقد حذرت صحيفتا الاندبندنت والغارديان من ان عمليات الشراء المكتشفة هذه والتي تفوق قيمتها منذ بداية السنة 620 مليون يورو يمكن ان تتسبب في مشاكل قانونية لاحقا لأن المستحوذين على العقارات والممتلكات الجديدة قد يتابعون مستقبلا من طرف حكومة مستقلة في بلادهم بتهمة الفساد وسرقة أموال الدولة.

وذكرت هذه الصحف بعشرات فضائح السرقات والاختلاسات وانتقال بعضها الى أرصدة في بنوك بريطانية وسويسرية.

وكذلك بتقارير لأربع منظمات دولية، أكدت ان العراق بات الدولة الأكثر فسادا.. والثالث بين 60 دولة فاشلة في العالم، وتحول الى دولة قاتمة المعالم بسبب تفشي الجريمة والعنف المسلح. وحسب تقرير لمنظمة الشفافية الدولية، فان العراق يتصدر قائمة أسوأ دول العالم في الفساد المالي والإداري.

وتتناسل فضائح سرقة أموال العراق في ظل الإحتلال الأميركي، ويقوم أنصار الإحتلال بفضح بعضهم كلما بعدوا عن السلطة وهلم جرى. وفي هذا الإطار أبرزت صحيفة صنداي تايمز في شهر مارس 2007 ما أسمته أكبر عملية سرقة في وزارة الدفاع العراقية منذ احتلال العراق في 9 ابريل، وقالت إن وزير الدفاع العراقي السابق الذي تزامنت خدمته خلال عشرة أشهر مع اختفاء 800 مليون دولار أميركي من الوزارة، يعيش طليقا في عمان ولندن رغم صدور مذكرة اعتقال له.

وقالت الصحيفة إن حازم الشعلان الذي كان رجل أعمال صغير في لندن حتى عام 2003، ظهر نجمه في عام واحد كأحد أهم الشخصيات في الحكومة العراقية المؤقتة التي أدارت العراق بين 2004 و2005.

المبلغ الذي اختفى هو جزء من شحنة تتألف من 8800 مليون دولار أميركية من الاموال العراقية التي كانت محتجزة في أميركا قبل احتلال العراق، وقد شحنت من نيويورك للعراق بعد سقوط عاصمة الرشيد.

مبلغ الـ 800 مليون دولار ليس سوى قمة جبل الجليد العائم، حيث كشفت وتكشف حتى التقارير الرسمية الأميركية عن سرقة عشرات المليارات من الدولارات من طرف المسؤولين الذين نصبتهم واشنطن في المنطقة الخضراء أو من طرف الشركات والسياسيين والعسكريين الأميركيين.

85 مليار دولار

ففي شهر مارس 2007 كشف مصدر عراقي مسؤول لرويترز، النقاب عن فقدان نحو 85 مليار دولار من الخزينة العراقية، منذ الاحتلال الأميركي في ربيع عام 2003، وإلى نهاية عام 2006، متهما عددا من المسؤولين العراقيين الذين اختارهم الإحتلال بالتورط في قضايا فساد كبيرة.

وقال المصدر، الذي فضل عدم الإشارة إلى اسمه: "إن أحد المسؤولين الحاليين، والذي تقلد منصبا وزاريا في حكومة مجلس الحكم السابقة، قام ببناء مستشفى في لندن بلغت كلفته نحو 37 مليون جنيه إسترليني، مع العلم أن هذا الشخص كان يقيم في لندن قبل سقوط بغداد تحت الإحتلال، ويتقاضى راتبا من مؤسسة الرعاية الاجتماعية البريطانية، وكان مسجلا لدى تلك المؤسسة على انه مصاب بالضغط من اجل أن يتقاضى مبلغا إضافيا". وتابع ان "هناك مسؤول آخر كان يبيع الخضر والفواكه في لندن، قبل سقوط العراق، هذا المسؤول اشترى في بداية سنة 2007 فيلا في لندن، بلغت قيمتها نحو 11 مليون جنيه إسترليني. وذكر المصدر ان هناك آخرون ممن تحتفظ أوساط عراقية بنسخ من عقود الشراء للعقارات التي استملكوها في دول الجوار أو في بلدان أوروبية، مع العلم أن اغلب هؤلاء لم يعرف أنهم من الأثرياء سابقا، كما يفسر لماذا أن نحو 80 في المائة من "المسؤولين" العراقيين لم يجلبوا أسرهم معهم إلى العراق بعد سقوط بغداد".

جنرالات جيش من اللصوص

وفي نهاية شهر أغسطس 2007 مثلا قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في تقرير لها أعدته عبر مقابلات مع المسؤولين الأميركيين، إن عددا من الوكالات الفدرالية تقوم بالتحقيق في شبكة واسعة من القضايا الجنائية تشمل عمليات بيع وتسليم أسلحة وإمدادات بمليارات الدولارات للقوات الأميركية والعراقية. وأكد المسؤولون الذين التقتهم الصحيفة واشترطوا عدم نشر أسمائهم أن تلك القضايا ارتقت لتصبح أكبر حلقة تزوير وعمولات يتم الكشف عنها.

ولفت المسؤولون النظر إلى أن التحقيق أدى حتى الآن إلى توجيه العديد من الاتهامات بحق أميركيين، وأشاروا إلى أن إحدى القضايا طالت ضابطا رفيع المستوى عمل عن قرب مع قائد القوات الأميركية في العراق ديفيد بترايوس في إعداد العمليات اللوجستية لتوفير الإمدادات للقوات العراقية، عندما كان الأخير مسؤولا عن تدريب وتجهيز تلك القوات عامي 2004 و2005.

وفي شهر أكتوبر 2007 ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال نقلا عن مصادر قضائية أنه يجري التحقيق مع شركات أغذية من بينها "سارة لي كورب" و"كون اجرا فودز" و"بيردو فارمز" للاشتباه في تورطها في عمليات احتيال وفساد في توريد اغذية للجيش الاميركي في العراق، وجاءت هذه التحقيقات بعد فضيحة شركة هالبيرتون التي كان يرأسها نائب بوش تشيني والتي تتعلق بعقود بمليارات الدولارات.

وقالت الصحيفة ان التحقيقات التي تجريها وزارة العدل ووزارة الدفاع تدرس ما اذا كانت تلك الشركات قد تقاضت أسعارا أعلى من اللازم من شركة المخازن العمومية الكويتية التي اصبح اسمها الان "اجيليتي" وهي المورد الرئيسي للمواد الغذائية للجيش الاميركي في العراق.

واضافت ان المخازن العمومية التي تتقاضى اكثر من مليار دولار سنويا لإطعام القوات الاميركية في العراق ربما تكون قد استردت اموالا من الموردين على نحو غير سليم. وذكرت الصحيفة أن الشركة الكويتية نفت ارتكاب أي مخالفات، واشارت الى أن ساسة كبار في الكويت يملكون أغلب أسهم الشركة.

وهنا أذكر ما قاله زميلي علي الصراف في مقابلة اجرتها معه صحيفة الأنوار الأسبوعية التونسية، حيث وصف الولايات المتحدة بانها ليست سوى امبراطورية نهب وقتل وجريمة وهيمنة، كما وصف المرجعيات الصفوية في العراق بانهم شيوخ صهاينة الإسلام، واتهم المسؤولين الإيرانيين بانهم يتحكمون بكل خيوط اللعبة الطائفية في العراق، وضباطهم هم الذين يتولون قيادة اعمال القتل والتطهير الطائفي وادارة اعمال التعذيب والتحقيقات داخل السجون.

وفي سبتمبر 2007 أكد تقرير رسمي أميركي نقلت وكالة رويترز مقتطفات منه أن الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي ينخرها الفساد وامتنعت عن إجراء تحقيقات تتعلق بحلفائها السياسيين لم تمنع بعض المسؤولين من ممارسة الفساد ولم تجر تحقيقات فعالة في هذا الشأن.

كما قال التقرير ان مفوضية النزاهة العامة التابعة لمجلس الوزراء والمكلفة مكافحة الفساد "هي جهاز سلبي وليست جهاز تحقيق فعليا".

وفي محاولة للتخفيف من وقع التقرير الذي ورد في 82 صفحة، صرحت المتحدثة بإسم السفارة الاميركية في بغداد ميريمبي نانتونغا ان التقرير لا يزال مسودة وان هناك اسئلة حول مصداقية بعض المصادر.

ولم تعلق واشنطن بعد ذلك على تأكيد منظمة الشفافية الدولية الاضافي عن ان أموال الفساد تأتي من الشركات المتعددة الجنسيات التي مقرها الدول الغنية في العالم، وان هذه الشركات تساهم في تبييض الأموال التي يسرقها المسؤولون.

قوات عاجزة

العديد من المراقبين يتوقعون الأن مع بداية شهر أبريل 2008 أن تتصاعد وتيرة الفرار من العراق خاصة بعد تبدد أوهام الرئيس بوش في تحقيق تقدم عسكري، وبدء إنهيار التحالفات الطائفية التي صنعت في ظل الاحتلال وبمباركة منه وبمساعدة طهران.

المواجهات التي جرت في آواخر شهر مارس في المناطق الممتدة بين بغداد في الوسط والبصرة في جنوب العراق بين وحدات جيش المهدي من جهة وما تسميه واشنطن وعملاءها بجيش العراق وقواته الأمنية الذين ساندتهم القوات الأميركية، فضحت للعراقيين ككل وخاصة المخدوعين منهم، حجم المؤامرة الأميركية الإيرانية على العراق وسياسة فرق تسد وأسلوب تعديل التحالفات.

ويعتقد عدد من المحللين ان مشاركة قوات بدر الذراع العسكرية للمجلس الاسلامي الاعلى في العراق التي كانت مرابطة في إيران حتى الغزو، بزعامة عبد العزيز الحكيم في هذه المواجهات الى جانب "الجيش" العراقي، سيدفع الكثيرين في مليشيات الطرفين الى هجر تنظيماتهم المبنية على أسس طائفية والانضمام الى المقاومة العراقية.

وبينما سعى المالكي الى تصوير العملية العسكرية على انها محاولة لاستعادة سيطرة الحكومة على البصرة وشن حملة ضد "المجرمين" وليس ضد الاحزاب السياسية أشار كثير من المحللين ان وراء هذه الحملة دوافع سياسية ومالية، وعملية إعادة ترسيم موازين القوى لمرحلة جديدة.

وأضافوا ان "المجلس الاعلى الاسلامي العراقي" وهو أكبر حزب في الحكومة العميلة للاحتلال وحليف لحزب "الدعوة" الذي يتزعمه المالكي يخوض معركة من اجل السيطرة على البصرة ومنافذ تهريب النفط التي تدر مئات الملايين من الدولارات، في حرب عنيفة تضعه مع الحكومة في الغالب في مواجهة ضد التيار الصدري وحزب الفضيلة الاصغر الذي يسيطر على صناعة النفط المحلية.

كما أكدوا انه لا يجب اخراج المواجهة من أطار صفقة جديدة متعددة الأطراف بحكم وقوعها بعد أسابيع قليلة من زيارة الرئيس الإيراني نجاد الى بغداد في ظل حراسة أميركية مباشرة، ثم اتصالات سرية بين واشنطن وطهران بعد تأجيل اللقاء العلني بينهما في العاصمة العراقية، ومباحثات المالكي مع أطراف إيرانية، ثم زيارة نائب الرئيس الأميركي تشيني الى العراق وغيره من الساسة الأميركيين، وكذلك بعد استقالة الأميرال فالون قائد المنطقة الوسطى التي تضم العراق وأفغانستان بسبب خلافات مع طاقم البيت الأبيض على تسيير الحرب في المنطقة.

صفقة

الدليل على وجود صفقة في معارك العراق الأخيرة التحمس الشديد الذي لبسه الرئيس الاميركي جورج بوش حيث صرح يوم الاربعاء 26 مارس ان المواجهات في البصرة تشكل "لحظة ايجابية جدا" فيما سماه سيادة العراق.

وبينما التزم ساسة طهران الصمت قال بوش في لقاء مع عدد من وسائل الاعلام الاجنبية ردا على سؤال عن المعارك في البصرة ان هذه الحوادث "لحظة ايجابية جدا في تطور امة تتمتع بالسيادة وتعتزم السيطرة على عناصر خارجين عن القانون".

واضاف "نحن نساعد العراقيين لكن من المهم ان تعرفوا انهم هم الذين يقودون العملية".

واكد بوش ان القوات الاميركية "ستقدم الاشراف على العملية والدعم عندما يطلبون ذلك".

البنتاغون كان متسرعا في الجري وراء سراب تبخر بعد أيام قليلة حيث عبرت وزارة الدفاع الاميركية يوم الاربعاء كذلك على لسان الناطق بإسمها عن ارتياحها لتحرك قوات الأمن العراقية في البصرة، معتبرة ان اداءها يؤكد "نجاح" خطة تعزيز القوات الاميركية في هذا البلد عام 2007.

وقال جيف موريل المتحدث باسم البنتاغون ان "رئيس الوزراء يستحق الاشادة لاتخاذه المبادرة بالذهاب ومقاتلة المتطرفين والمجرمين في البصرة" مذكرا بان العراقيين "لم يكونوا يملكون هذه القدرات قبل بضعة اشهر".

في النهاية جاءت النتيجة مخيبة لبوش وعملائه ومنهية للكثير من الاساطير حيث لم يحقق "الجيش" الذي جندته واشنطن نتائج تذكر، في حين أكد ضباط وجنود عراقيون فروا من القتال في البصرة لعدة وكالات أنباء ان عدم التكافؤ وسوء إدارة المعركة كان وراء استسلام المئات من العسكريين، فيما اصدرت وزارة الداخلية أوامر بطردهم. وأفادت مصادر متعددة نقلا عن وزارة الداخلية ان "الوزير" جواد البولاني أصدر أوامر تقضي بطرد آلاف الضباط والعسكريين في البصرة وبغداد ومدينة الصدر والكاظمية والناصرية والعمارة، وغيرها من المدن والمحافظات التي شهدت معارك إثر رفضهم القتال وانضمام بعضهم الى المقاومة او الى جيش المهدي.

انها النهاية لأحلام المحافظين الجدد والتحالف الصهيوأميركي، المقاومة تسير على طريق النصر والعملاء يهربون بما استطاعوا نهبه من أموال بلاد الرافدين، والحساب آت لا ريب في ذلك من أجل مليون و120 الف عراقي قتلوا بيد قادة الامبراطورية الجديدة ولصوص الصفويون، ومن أجل وقف مسيرة قطر كان لولا الحصار والغزو قوة اقليمية أساسية تحمي الأمة العربية.

انه الرحيل والفرار الكبير من بلاد الرافدين مع قرب بزوغ فجر الحرية.
 
 عمرنجيب*