قراءة في مزاج الحراك الجنوبي اليمني وتحولاته..مستقبل اليمن ..إلى أين.؟؟


 
تقرير / رداد السلامي
ماذا يحدث في الجنوب .؟سؤالٌ قد يبدو للوهلة مملا من كثرة ترداده وتوضيح أسبابه..،لكن ما يحدث الآن خطير ولم يعد بالإمكان استسهاله.
 
بالتأكيد الكل يعرف مبعث الفعل الحاصل، غير أن اشتداده واختلاط الحابل بالنابل كما يقال يجعل السؤال أكثر حضورا وإلحاحا ،وعلامة الاستفهام أكثر استفرادا بالعقل ،حتى يحل اللغز وتقرأ شيفرة هذا الحراك.
 
هل بدأ بركان عدن بالحياة..؟ فمن المعروف أنها تقع على فوهة بركان ،لكن هذا البركان نذير احتراق يمني لن يصل إلى غير أبعاد البلاد ولن يتعدى أطرافها .
 
والكل في سفينة واحدة ،غير أن ربانها فقد بوصلة تحديد الجهات وحدسه لم يعد قويا بما يكفي ،فبدأت تميد بمن فيها لتصفع كل وجه وتمس كل خد خشن كان أم ناعما ،فاسد أم شريفا، الكل في خطر ..هكذا يبدو المشهد ،وهكذا تنحو حركته باتجاه السالب.
 
قد يكون قدرنا كيمنيين أن نعيش في تعاسة ..لكن قدرنا إن أردنا أن نعيش أيضا في استقرار ورفاهية وإخاء ،ومنشا تعاستنا تكمن في عدم وجود دولة بحث عنها أجدادنا على مر التاريخ تارة أوجدوها وأخرى تقاصرت الهمم فتحاورت السيوف والرماح وكان اللون الأحمر هو البارز في عثراتنا وانتكاساتنا وفرقتنا.
 
الجار لم يعد يؤتمن والشقيق كذلك وبأي ثمن سيعمل من أجل إعاقتنا كي نتقاتل ونفترق وكي يكون دوما على اخترق مباشر لتفكيرنا الجامع كي يرسم أمام توحدنا مستحيلا بلون الدم الأحمر ساسه حمران العيون الذين لم يعودوا قادرين على فعل شيء سوى النقيض.
 
بالتأكيد لن تكون اليمن دولتان إذا ما تحققت إرادة من يريد ذلك،سواء كان المريد بلجباب وحدوي كما تدعي السلطة أو بوضوح سافر كما يريد دعاة الانفصال والتقسيم بل سيكون التشضي وتعدد التفكك هو البارز في ملامح يمن الغد ، وما دام أنه حتى اللحظة لايوجد للغد الوطني رجاله كما يبدو ،فإن الأوضاع تتجه نحو ما لايجب أن يكون ،وما سيكون مخيف رغم بصيص التفاؤل المستند إلى واحدية الهم الوطني المشترك كون الجميع واقع تحت الضرر من هكذا سياسات .
 
الاستاذ باسل السيد- نائب شورى الإصلاح بعدن- يقول أن السلطة هي من تنتج العنف وتنحو بالمسار النضالي نحوه ثم تعمد إلى اتهام اللقاء المشترك الذين يعملون في إطار المسموح دستورا وقانونا .
 
ويضيف السيد"الذين يمارسون العنف هم من يقوم الحزب الحاكم بدعمهم بالرواتب والسيارات وهدف السلطة من خلال هذا العنف هو ضرب الحراك الحاصل بتأزيم الأمور وشق العصى بين قادة الحراك وتقسيمه وهذا برأيي يزيد الطين بلل فبدلا من معالجة الأمور بشكل صحيح وإعطاء الناس حقوقهم والاعتراف بقضيتهم تسعى إلى شق العصى بينهم .
 
ويرى السيد أن المستقبل إذا استمرت السلطة في إنتاج العنف وتوليده من خلال إيجاد الانقسامات وحل الأمور بهذه الطريقة سيكون سيئا ولا تحمد عواقبه ويى أن الحل يبدأ بالاعتراف بالقضية الجنوبية بالنسبة للسلطة أما بالنسبة للحراك فإنه يؤكد على ضرورة تحرك الناس في كل المحافظات دون استثناء حتى يقطعوا دابر الانفصال خصوصا التحرك من قبل المناطق الشمالية ويرى أن الحل الحاسم بيد اللقاء المشترك وقاداته فعليهم أن يتقوا الله حد قوله ويقوموا بتعبئة الناس بالوعي بحقوقهم مبديا إيمانه أن الحق لايضيع ووراءه مطالب.
 فيما يرى المودع –كاتب وسياسي- أن هذه الموجة الحاصلة في الجنوب كان يمكن ان تكون مفتاح للإصلاح وإحدى وسائل الضغط من قبل قوى المعارضة الناضجة على النظام لإدخال إصلاحات حقيقة ولو محدودة ،كما يرى أن المحتجين أو من يسمون بقادة الحراك ارتكبوا أخطاء حين استسلموا للوهم وساعدهم بذلك بعض المنظرين الذين بدأوا بطرح أفكار لايمكن قبولها مثل تقرير المصير والكنفودرالية وغيرها من المصطلحات. مؤكدا على أن هذه الأوهام جعلتهم ينحرفون عما كانوا بدأوه بشكل صحيح ولو أنهم اكتفوا بشعار المواطنة المتساوية كان سيلتف الناس حولهم ولن ينكر أحد أيا كان موقع إنكار هذ1ا المطلب
  
ويضيف المودع" لو أنهم أصروا على ذلك لكانوا انجزوا حراكا حقيقا على المستوى الوطني العام ولساندهم الجميع بما فيها القوى السياسية ،فاستعداء الأحزاب السياسية عمل لن ينجز لهم أي تحول على الصعيد الواقعي . ويشخص المودع أساب الضعف لدى هذا الحراك قائلا "أن إشكالية هذا الحراك أنه لم يحتمي تحت مضلة الأحزاب السياسية إذا أنه لا أحزاب بديلة لديهم متسالا في إطار رسمي سيمارسوا العمل السياسي وكان عدم احتمائهم بمضلة قوى المشترك خطأ قاتلا لأن اللقاء المشترك كان سيمثل لهم إطار يجمع كل مفردات الحل السياسي الغير مرتبط بالنظام ويوفر لهم دعما شعبيا، ويضيف " فالحراك كان من الممكن أن يكون الرافعة لبوابة الاصلاح لكنه إذا اتجه نحو العنف والقلاقل والفتن العنصرية فإنه سيكون سبب لمزيد من التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي "
  
محمد علي محسن يقول الحراك قضية موجودة لكن ما يبدو الآن كما لو أن هناك اتجاه نحو تقاتل داخلي فارز على أساس شمالي وجنوبي في إطار اليمن الواحد وهذا المنحى يدل على عدم وجود مشروع أو رؤية لدى لدى السلطة و حاملو القضية على السواء ، وأبدى محسن أسفه من أن القضية الجنوبية كان يفترض أن تتبناها الأحزاب السياسية فالقضية كانت موجودة منذو 1994م ولكن لم تجد الحامل لها ،وقد يكون عدم وجود الأحزاب وتأخرها عائد إلى أسباب منها ظروفها وبيئة نشأتها "
 
وعن تشخيصه للحراك الدائر اليوم يرى محسن أن ثمة مزاج سيء ورؤى متقلبة تقوده فالحراك في الجنوب كما يقول يعاني الآن من تقلبات وتنافر فيما بينهم.وهو ما يدل على عدم وجود رؤية وكذلك دليل انقسامات.
 
فيما يرى العميد الركن/ محمد السعدي- أحد قادة الحراك- أن الحراك في الجنوب سلمي جاء إثر تمادي سلطة المنتصرين عام 1994م في عدم معاجلة آثار تلك الحرب بل ضاعف منها على مدى 13عاما وأقصى قيادات وكوادر وعمال الجنوب من جميع المؤسسات بل وحول البعض إلى مجرد موظفين لديه فخصخص مؤسسات القطاع العام هناك لصالح المتنفذون في سلطته فتراكمت المعاناة وتكدس الناس في شوارع البطالة وازداد الخريجين العاطلون عن العمل من الشباب فخرج الناس في جميع محافظات الجنوب الى الشوارع وهذه ظاهرة حاصلة حتى اليوم"
 
وأضاف " هذا الحراك وجد كي يستمر حتى تنتصر القضية التي خرج من أجلها الشعب في الجنوب " ويرى السعدي أن الحلول كانت متعددة فبعد حرب7يوليو 1994م طرح مشروع إصلاح مسار الوحدة وتبنى هذا الطرح الدكتور محمد حيدرة مسدوس وحسن باعوم داخل الحزب الاشتراكي إلا أن سلطة ما بعد حرب 94م تجاهلت هذا الطرح حد قوله وراكمت الأخطاء حتى شعر أبناء الجنوب أن ما تمارسه السلطة هو الشعور بكبرياء المنتصر والاستخفاف بحقوقهم والاستهزاء بهم مؤكدا اولا وأخير على أن الحل وحل أي مشاكل ليس بالقوة ولكن بالحوار فالقوة لم تكن يوما مدخلا لأي حل بل تضاعف الأزمات"
   
نبيل البكيري-صحفي- يقول ما يحدث في الجنوب نتيجة طبيعيه للفشل الذريع في إدارة البلاد من قبل النظام طوال سنوات الوحدة فقد تعامل مع إدارة الدولة وكأنها عبارة عن "عزبة خاصة " وليست دولة ومؤسسات ونظام وقانون وشعب وظل طوال السنوات الماضية لا هم له غير كيف يمكث أطول وقت ممكن في قمة هرم الدولة متخليا عن كل مسؤلياتة تجاه الوطن.
  
كما يعبر عن حجم الاحتقان الحاصل في هذا الوطن ككل ولكن زيادة التردي وردة الفعل في هذه المحافظات جاء نتيجة للوعي التأريخي الذي أكتسبه هذا الجزء من الوطن في نضاله ضد الاستعمار البريطاني .
 
ويرى البكيري أن تطور الإحتجاجات إلي أعمال شغب وعنف سببها النظام الذي من أوصل الحال إلي ما هو عليه الآن فطوال سنة كاملة من الإحتجاجات السلمية خرجت من هذه المحافظات وفي عموم البلاد كلها كانت سلمية وذات مطالب حقوقية واضحة ولكن الغباء واللامسؤلية في التعامل مع هذه المطالب هي من أوصلها إلي أن تصبح مطالب سياسية بامتياز.
 
ويضيف " برأي الحل لا يكون بالاتهامات لهذه الاحتجاجات والتحضير للاعتقالات والمحاكمات بل الحل هو الاعتراف بقضية الجنوب و العمل على حلها من خلال الإعلان عن حكومة وحدة وطنية من مهامها هي حللت الأمور في الوطن ككل وتحضير البلاد لانتخابات حرة ونزيهة"
 
ويعتقد محمد الشبيري-صحفي- أن ما يسمى ' القضية الجنوبية ' هي محاولة لفك الارتباط الشعبي الضاغط على النظام نحو تحقيق وعوده وإلا فما معنى أن يتظاهر الناس في محافظات جنوبية ويسكت آخرون في الشمال وهل الشمال أحسن حالاً من الجنوب .
 
ويضيف الشبيري "صحيح لدى الأخوة في الجنوب حقوق انتهكت لكننا كما يقال ' في الهواء سوى ' ! النظام في اليمن يحاول جاهداً أن يجعل من القضية الجنوبية ( لهّاية) للآخرين ومجرد ورقة يبتز بها معارضيه.
 
والخلاصة أن قادة الرأي سواء في الشمال أو في الجنوب لم يستطيعوا،على الأقل إلى الآن، أن يهذبوا هذا الحراك الشعبي الضاغط نحو استرداد حقوق الناس وقد ركب بعض المندسين هذه الموجة واستغلها بطريقة تسيء إلى أصحاب المطالب الحقيقية التي يتساوى فيها ابن الشمال مع ابن الجنوب .
 
المشكلة تكمن في أن قلّة في الشمال وأقل منهم من أبناء الجنوب نصّبوا أنفسهم أوصياء على الآخرين وهذا جوهر المشكلة إذْ بات هؤلاء يديرون مقاليد السلطة تبعاً لأرائهم ومصالحهم الذاتية غير آبهين بما دون ذلك.
 
ويرى أن الحل في أن يعيد النظام حساباته في تعاطيه مع هكذا قضايا وأن ينظر بعين البصيرة نحو مطالب الناس جميعاً دون تمييز وإلا فان النتيجة قد تتعدى مجرد الدعوة إلى الانفصال إلى ما هو أعظم من ذلك في ظل تلاعب مراكز القوى بما يجري في البلاد