الفرار يحقق الحلم بوطن عظيم.....!

(1) مع إشراقه شمس كل صباح،,تحزم مئات العقول والأيادي بعض الخرق الموجعة والقديمة،بغية أن تنعم بالخير الوفير وان تنال قسطاً من الحرية ، الغداء و المأوى التي فقدت بين إغماضه عين وأخرى فما يناله المرء منها هو مكسب لسلالة البشرية قاطبة ، ومحاولة جادة للقضاء علي انقراض سلالة الإنسان عموما ،أدمغة وأيادي وأرجل ترحل ، تصبو إلي العلى، تتطلع إلي الشمس ،تعلن الشبع من الظل المقيت، تغادر تاركة كومة من الذكريات الأليمة ، لتصنع الكثير وتقدم الإضافة، إضافة ما في مكان ما .
(2)
أمور كثيرة طاردة في الوطن ، أولها الإهمال الذي تمارسه الحكومات العربية علي مواطنيها وتعمدها عدم التقدير للطاقات ،حفريات مهولة تضم آلاف المقابر الجماعية التي تقبر بها أحلام الشباب ،تنكل أي تنكيل بالمواهب ،الإهمال المتعمد هو ما يؤدي إلي المغادرات الهائلة التي تحدث كل يوم، أرقام رهيبة من المهاجرين تتخذ من أوروبا و أمريكا واستراليا أوطانا بديلة عن ألأوطان، فعندما يصبح الحلم أمرُ صعب، والصوت مكبل ، وينذر الخبز والماء والحرية ، يصبح التعايش مع المكان ضربا من ضروب الجنون .
(3)
نحن عرب رحل نرى ذلك من صفحات التاريخ الذي نظل نوهم أنفسنا انه ناصع ولا يضاهي، نرحل من مكان إلي مكان بحثا عن البقاء،عن حياة كريمة , فما الذي يربطك بالوطن إذا شح عليك وابدي البعض على البعض ، ولم يكن كريماً ،وما الذي يوطد علاقة ما ،بينك وبينه إذا رميت في زقاق التجاهل والتهميش.
(4)
التركيبة الجديدة للعالم وأقول ذلك بألم ،تؤيد هذا المعني فيكاد يندر وجود شيء يحمل مواصفات الوطنية ، الشركات الكبرى بلا جنسيات ،كثيراً من النجاحات لا تنسب إلي وطن ، بل إلي أفراد هم مكسب إنساني حقا ونجوم تتلألأ ، لا تخفت أبدا ، والشواهد لأتعد ولا تحصي، من كتاب اليوم، وما يسمي بالجنسية يصبح مجرد أوراق بلا معني ، مجرد إثبات ،وشهادة ميلاد ليست ضرورية ولا معني لها.
(5)
تاريخ الهجرات العربية قديم بعض الشيء ،يرجع إلي تلك الهجرات المسيحية من المشرق العربي،نتيجة التضييق عليها من الإمبراطورية الإرهابية العثمانية ،فلقد بدأت أول الهجرات عام 1875 ميلادية ليخرج العرب مرغمين للبحث عن ما هو أفضل،تلهب جلودهم السياط ويسحلون فوق تراب الوطن،في البدء لم يتشجع أتباع محمد صلي الله عليه وسلم كون العالم الآخر غير مسلم وبالتالي ستكون الحياة صعبة في مجتمع (كافر) ولم يكن لأحد وقت ذاك ان يعلم بان الأزمة هي ما تجعلك تصنع منجز وعمار أنساني مشهود ،فلولا مرورك في ممر مظلم لما استطعت أن تري النور .
(6)
تأتي الهجرات العربية اللبنانية من اعلي نسب الهجرات العربية , تليها الهجرات السورية واقل الحقائب المغادرة هي من الخليج واقلها علي الإطلاق الليبية منها ،يمكن أن نرجح قله الهجرة من الخليج إلي الطفرة الاقتصادية والبحبوحة النسبية التي ينعم بها المواطن في الخليج العربي ،أما في ليبيا يمكن أن يكون لهذا السبب تأثير ما ،لكنه علي الأرجح هو ليس السبب الجوهري ، في إحجام الليبيين عن الهجرة رغم أن الحالة القاتمة قد تكون في وطني ليبيا متفوقة.
لكن الخوف من المجهول يغلب علي دوافع الهجرة، وان كانت تتواجد بعض الأرقام ، لكنها تظل ضئيلة، واقل من غيرها وليس لها النفع الاجتماعي الكبير ، لان المهاجرين لا يعودون بتاتا لأسباب تفسيرها مقلق ومعقد ، وبذلك لأيتم استثمار الروح المدنية التي يحضون بها في بناء ذهنية انفتاحية ليبية ، ويظل الوطن علي حاله دون استفادة من تلك العقول والأيادي المهاجرة .
(7)
من طبيعة تكوين الشخصية الليبية ، عدم ميولها للمغامرة، فمادام الشاب ينال الكثير من الأبوين ، وهما يضمنان قوته حتى مراحل متقدمة من العمر ، ويصل الأمر إلي تجهيز عش الزوجية له ، والتكفل بحاجياته و الدولة توهمه من خلال إعلانها المستمر عن ضمان مستقبله وبوضع البرامج المؤجلة لمنح الشاب المسكن والمركوب وغيره ،فهو بذلك يبتلع جرعات مسكنة، تجعل منه آلة انتظار لا تتقادم ولا تصدأ ولا يتمكن من تحصيل شيء إلا مغنما .
(8)
لأبعاد استراتيجية وسياسية , دعمت الدولة الليبية الراغبين في الهجرة إلي أفريقيا،منحتهم التساهيل والأموال للاستثمار،لكن لا يزال الجميع يعتقدون إنها حالة إبعاد عن الوطن فيزيد هم ذلك تمسكا وعنادا ولا ادري أي معني لهذا التشبث بتلابيب المكان ربما يعود ذلك لليقين ان أفريقيا ليس بها ما يفيد حضارية ومدنية على مجتمعنا ,فالنفع ليس ماديا بالدرجة الأولي وهذا أن سلمنا أن أفريقيا مجال استثمار وارض بكر وقادرة فعلا أن تكون أرضا للخيرات, فالايجابيات كافة تكمن في الهجرة إلى دول متحضرة اجتماعية وسياسية واقتصادية ،حينها نتمكن من استيراد ما يعود بالنفع علي الوطن، فبالمغادرة والفرار يحقق الحلم بوطن عظيم و هذا الكفيل بتغير ما في عقولنا واكتساب الروح المدنية التي تنقصنا ونستمدها من الآخر .