خفايا دعوة الحاخامات الاسرائيليين لمؤتمر في الرياض !


أرادها " طويل العمر " بالتزامن مع الذكرى الخامسة للإحتلال .. لكن يديعوت أحرونوت كشفتها قبل الميعاد !
 

 
خفايا دعوة الحاخامات الاسرائيليين لمؤتمر في الرياض
 
من نصدّق: تأكيد "خادم الحرمين" أم إنكار مفتي السعودية أم معلومات ممثل " جمعية الصداقة الإسرائيلية ـ العربية "يسرائيل عفروني ؟
  
نبيل أبو جعفر *
 
 يبدو أن السعودية لم تتّعظ مما جرى في مؤتمرات الأئمة والحاخامات التي أُقيمت سابقاً في أكثر من بلد دون أن تُحقّق أية نتيجة، وكان من أبرزها "المؤتمر الأول للقاء الأئمة والحاخامات من أجل السلام" الذي عُقد ببروكسيل مطلع العام 2005، وقد كان من المقرر عقده في المغرب وتحت رعاية الملك محمد السادس، إلاّ أن ظروفاً عديدة حالت دون ذلك ، فارتؤي نقله إلى العاصمة البلجيكية . ثم تلاه مؤتمر مماثل في برشلونة باسبانيا ، كما تبعه بعد شهر واحد فقط مؤتمر آخر للأديان السماوية الثلاثة عُقد في قطر .
 
   لو أرادت السعودية ان تدرس جيداً ما جرى في هذه المؤتمرات لوقفت على حقيقة مُرّة كان من المستحيل "تحليتها" بالكلام الطيب أو بالضرب على الوتر الانساني لدى الحاخامات ، من خلال تذكيرهم كيف لجأ اليهود الى بلادنا هرباً من الملاحقات والعذابات التي كانوا يواجهونها في الغرب، وكيف أن بعض الأئمة المسلمين في فرنسا أصدروا وقتها شهادات تُثبت إسلام بعض هؤلاء المُلاحقين كي يحموهم من الأذى والمصير المتربص بهم، إلاّ أن ذلك لم يُغيّر من قناعات الحاخامات المشاركين ولم يدفعهم الى القبول بالحد الأدنى من الإدانة للإرهاب الصهيوني ضد المدنيين من أبناء فلسطين، في سياق إدانة الارهاب بشكل عام ضد بني الانسان، بل أصّروا على إدانة الإرهاب الفلسطيني بشكل محدد.
   
التعنّت الحاخامي انسداد كامل
 
   ولم يقف إصرارهم عند هذا الحدّ ، بل أصّروا أيضاً على ضرورة تغيير مناهج التعليم والعبارات التي يعتبرونها معادية وقاسية في القاموس العربي . ويُقصَدْ بذلك القرآن الكريم بالدرجة الأولى ، وما تكتبه الأقلام التي تركّز على كشف الإرهاب الذي تمارسه القيادة الاسرائيلية وآلتها العسكرية ضدّ العزّل بشكل خاص، وكانت النتيجة النهائية لانسداد آفاق التفاهم والحوار أن تمّت "ضبضبة" المؤتمرات الثلاثة المذكورة – وهي الرئيسة – عبر إصدار بيانات ختامية إنشائية لا يختلف عليها مطلق إثنين محايدين أو متفرجين، تضمّنت كلاماً عمومياً عن أهمية السلام والأمن وضرورة بناء جسور التفاهم والاحترام المتبادل... إلى آخر الكليشيه المعروفة. كما تمّ أيضاً وحسبما ورد في نص البيان الختامي لمؤتمر بروكسيل "إعلان المؤتمرين عن التزامهم بالعمل المتواصل لوضع حدّ لإراقة الدماء والهجمات على الأبرياء من بني الانسان". وورد في الفقرة الأخيرة من البيان إعلانهم عن "تأسيس لجنة مشتركة دائمة، تهتم بتطبيق كل الإلتزامات السابقة، واقتراح مبادرات مبرمجة ومنظّمة تنسجم مع المقترحات التي عُرضت خلال المؤتمر".
 
   ولكن ، بعد ثلاث سنوات ونيّف من هذا التاريخ لم نلمس أي تقدّم أو إنجاز، ولم نسمع شيئاً عن هذه اللجنة المشتركة ذاتها ، بل على العكس سمعنا ورأينا كل يوم عن "تطوّر" نوعي في الهجمات الإرهابية الاسرائيلية ضد المدنيين بمن فيهم الأطفال الرُضّع في كل مكان من أرضنا المحتلة، سواء في بيوتهم أو في الشوارع وحتى على شواطىء البحر كما حدث في غزة، وامتدّ هذا الارهاب نحو لبنان وسورية وساد العراق المحتل من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه.
 
     لقد ثبت بالملموس أن هذا هو موقف الحاخامات " المبدئي " وغير القابل للتحوّل خصوصاً في هذه الأيام . واذا كان مؤتمر الأديان في قطر قد تميّز عن مؤتمري حوار الأئمة والحاخامات في بروكسيل ولشبونة من حيث التركيز على أهمية الحوار وتعزيز التواصل بين الديانات الثلاث – أي الجانب النظري الإيماني لأصحاب هذه الديانات -. واذا كان قد حضره 13 حاخاماً جاؤوا من أرجاء العالم المختلفة كاميركا وبريطانيا ودول الاتحاد الاوروبي، وكان من بينهم ثلاثة حاخامات من اسرائيل، وجميعهم تحدّثوا بكلام شفهي "جميل" ، إلاّ أن الخلاصة لم تخرج عن إطار طحن الماء دون نتيجة؟
  
إذن: لماذا هذه المبادرة؟
 
   السعودية التي أعجبها تكرار حوار الأديان على أيدي " خادم الحرمين " هذه المرّة، دون أن يُسجّل عليها أنها أول من فتح باب استقدام الحاخامات الى بلاد العرب والمسلمين ، وقّتت الإعلان عن مبادرة جديدة لها مع حلول الذكرى الخامسة لاحتلال العراق ، بهدف تأكيد حسن نيّتها وسلوكها أمام قطب الإرهاب الأول في العالم بهذه المناسبة ، سواء بالنسبة لمكافحة الإرهاب وفق المفهوم الأميركي ـ الإسرائيلي ، وتأكيد عدم تحمّلها المسؤولية عن اي مواطن "سعودي" يحمل السلاح فوق اي ارض مقاومة ، أو لجهة التزامها بتغيير المناهج وتهذيب العبارات "المعادية والقاسية" في القاموس العربي .
 
    غير أن الأخبار سبقت توقيت " طويل العمر " بكشفها عن البدء بتحرك سعودي في هذا الإتجاه يحظى بمباركة ورضى الملك عبد الله شخصياً، وهو ما كشفت النقاب عنه بصراحة مفصّلة صحيفة "يديعوت أحرونوت" أواخر آذار المنصرم بقولها أن مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ اتصل بممثل جمعية الصداقة الاسرائيلية – العربية يسرائيل عفروني طارحاً عليه الفكرة، وداعياً حاخامات اسرائيل الى حضور مؤتمر للحوار بين الديانات السماوية سيجري عقده في الرياض ، وجاء في الصحيفة الاسرائيلية على لسان عفروني قوله بالنص – وهو ما أوردته وكالة يو بي. آي من تل ابيب أيضاً - : "دعانا آل الشيخ الى لقاء لرجال دين سيُعقد في السعودية، وأوضح لنا الترتيبات" ، وتابع قائلاً: "اتفقنا أن يتم عقد هذا اللقاء بعد الفصح (اليهودي) وبعد أن نُبلور مجموعة بالتنسيق مع وزارة الخارجية في اسرائيل، ولم يحدّد على وجه الدّقة موعد هذا المؤتمر".
 
  وفي توضيحه لبعض التفاصيل الإجرائية قال عفروني للصحيفة الاسرائيلية ـ وهو ما قرأناه بعد ذلك في الصحف ـ أن السعودية ستُسهّل دخول الحاخامات المدعّوين من خلال جوازات سفر مؤقتة تُصرف لهم في الأردن (أي من قبل السفارة السعودية على الأغلب)، وتكون صالحة لعدّة أيام هي مدّة انعقاد المؤتمر.
  
ترحيب سعودي بمبادرة الملك
 
   إلى هنا ثمة مفاجأة واحدة لا يوجد حولها أي التباس أو ظنّ ، خصوصاً وأن السعودية لم تُكذّب ما ورد في الصحيفة الاسرائيلية ولم تتهّم عفروني بفبركة هذه المعلومات، بل على العكس طبّلت لها بعض الأقلام والصحف – السعودية قبل غيرها – فرحة بمبادرة "خادم الحرمين" ورعايته الكريمة لأصحاب الديانات الثلاث، وكان من أبرز ما كُتِب إعجاباً بها ما نشرته صحيفة "الرياض" في يوم 31/آذار تحت عنوان "حوار الأديان وصيانة النظام الأخلاقي العالمي" بقلم الدكتور علي بن حمر الخشيبان، جاء فيه، "دعاء (يقصد دعوة) خادم الحرمين – حفظه الله – الى مؤتمر لحوار الأديان (تأتي) من أجل صيانة الانسانية والعالم. ومما جاء في كلمته – حفظهُ الله – (كرّرها الخشيبان مرة أخرى) قوله للمشاركين في منتدى حوار الحضارات بين العالم الإسلامي واليابان الذي عقد بالرياض: "يا إخوان، لا تصدّقون كيف تفكّكت الأسرة. اعتقد إخواني، هؤلاء يحسّون بها، وكلّكم تحسّون بها. تفكّك الأسرة وكثرة الإلحاد في العالم، وهذا شيء مخيف لا بدّ أن نقابله من جميع الأديان بالتصدّي له وقهره".
 
وأكمل كاتب صحيفة الرياض معقّباً على الموضوع قائلاً أن دعوة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله الى مثل هذا المؤتمر سوف تمنح العالم الإسلامي مساراً مختلفاً في التواصل مع الآخرين.
 
   وحتى لا نسترسل أكثر في إيراد نماذج مما كتبته الصحف السعودية في معرض مديح مؤتمر الأديان ، يمكننا الإكتفاء بما أورده موقع الإسلام اليوم (Islamic today) – الذي يشرف عليه الشيخ سلمان بن فهد العودة – حيث قال في تغطيته لمبادرة الملك عبد الله في خبرٍ مجرّد من التعليق (بتاريخ 25 آذار)، أي قبل عدة أيام من كشف يديعوت أحرونوت بعض تفاصيل ما تمّ : "دعا العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الى عقد مؤتمر يجمع الأديان السماوية الثلاث". وبعد أن أشار الموقع السعودي الى عرض الملك الفكرة على علماء المملكة وترحيبهم بها ، نقلت على لسانه قوله بالنص وعلى طريقته في الكلام : "لهذا نويت إن شاء الله أن أعمل مؤتمرات وليس مؤتمراً واحداً ونبدأ نجتمع مع إخواننا في كل الأديان التي ذكرتها: "التوراه والانجيل".
  
.. ثم تأكيد ونفي في آن!
 
     قد يقول قائل أنه لا جديد بالنسبة لمفاجأة "خادم الحرمين" وهدفها، ذلك لأنها ليست اكثر من تكرار لتجربة فشل فيها غيره ، على أمل أن تتمكن المملكة بامكاناتها "البرميلية" المعروفة من تحقيق تقدم في هذا الإتجاه . ولكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد ، فقد فوجئنا بعد عدة أيام فقط بمفاجأة ثانية نقيضة للأولى ، تمثّلت في تصريح أصدره المفتي العام للمملكة عبد العزيز آل الشيخ ، نفى فيه كل ما نشرته وسائل الاعلام حول دعوة حاخامات اسرائيليين الى مؤتمر ديني، واصفاً ذلك بأنه عارٍ عن الصحة ولا أصل له، وناشد الجميع لزوم التثبّت والتبيّن قبل النقل، مع ان الشيخ آل الشيخ يعلم أن الجميع قد نقلوا الخبر عن مصدر واحد هو يديعوت أحرونوت التي أوردته بدورها نقلاً على لسان عفروني، وكان الأحرى به تكذيب الصحيفة الاسرائيلية أو تكذيب ممثل "جمعية الصداقة الاسرائيلية – العربية" الذي كشف عن المستور قبل الموعد المحدد لكشفه من قبل المملكة ، وتحدّث ـ فوق ذلك ـ عن "الترتيبات" وكيفية دخول الحاخاميين الاسرائيليين أرض المملكة ، محدّداً أكثر من ذلك أنه سوف يعرض الأمر على الحاخام الأكبر شلومو عمّار وعلى حاخامات المناطق والمستوطنات في الضفة ولا سيما يهودا والسامرة، تمهيداً لتشكيل الوفد الاسرائيلي الذي سيشدّ الرحّال الى بلاد خادم الحرمين.
 
   هنا نُصبح أمام إشكالية متعدّدة الجوانب. فطالما أن الصحافة السعودية نقلت خبر مبادرة الملك وكتبت عنها الكثير. وطالما أن المملكة لم تنفِ ذلك، ثم نشرت الصحيفة الاسرائيلية ما يؤكد ذلك وعلى لسان شخص معروف نقله عن لسان المفتي آل الشيخ، فإن نفي المفتي يضعنا أمام حيرة، ويفرض علينا البحث عن جواب للسؤال الأساسي والهام: أيهم أصدق هنا "خادم الحرمين" أم المفتي، أم يديعوت أحرونوت أم ممثل جمعية الصداقة يسرائيل عفروني؟
 
   واذا كان ثمّة تناقض أو سوء فهم أو نقل خاطىء... الخ، فإن نفي المفتي بالصيغة التي ورد فيها لا يكشف خفايا القصّة، ولا يردّ على تساؤلات الناس وما تناقلته وسائل الاعلام، خصوصاً أن ما تمّ نقله لم يقتصر على الصحافة السعودية ولا العربية أو الاسرائيلية، بل تناقلته العديد من وسائل الاعلام الدولية المهمة وبفرح زائدٍ "!" مثل الـ CNN التي قالت على لسان مراسلتها اوكتافيا ناسر أن دعوة الملك عبد الله حول حوار الأديان تجعله صانع تاريخ، وكذلك الأمر بالنسبة لدوره في دعم عملية السلام بالشرق الأوسط ، كما علّق المحلّل السياسي موريس جولز على هذه الخطوة بالقول أن الولايات المتحدة يملأها الأمل بقدرة العاهل السعودي على تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط.
 
   خلاصة القول: إذا كان المغرب قد تبنّى فكرة الحاخامات قبل بضع سنين وأراد عقد "مؤتمرهم" على أرضه ثم اضطر لعقده في الخارج، دون أن ينفي علاقته بالموضوع ، واذا كانت قطر قد أقدمت على خطوة مشابهة وأعلنت عن ذلك، فما الذي يدفع السعودية لتكرار نفس التجربة المحكومة سلفاً بالفشل مع أناس يصرّون على القتل أو التفرج على القتل دون التحرّك لوقفه أو الحدّ منه؟
 
    ثم، وهو الأبرز والأكثر لفتاً للإنتباه : لمَ كل هذا الإرباك والإرتباك في الموضوع، والخوف الذي يملأ البراميل السعودية الساعية لأي "إنجاز" ولو مع الحاخامات، وفي هذا التوقيت بالذات الذي تزامن بالصدفة مع هزيمتها بالنقاط – إن لم نقل بالضربة القاضية – في مؤتمر قمة دمشق ، ومع تجاهُل طلب ممثل نظام العراق المحتل بإدانة الإرهاب في "بلده" ضمن البيان الختامي للمؤتمر ، قاصدا بذلك عمليات المقاومة لا الإرهاب الحقيقي الذي تمارسه الميليشيات الطائفية وفرق الموت الرسمية المدعومة من الإحتلال ؟؟
 
 
 
                      على الأغلب لا جواب ، فمن لا يمتلك حرية القرار ليست لديه القدرة على الإقرار .