إخفاء الشاهد المتهم ليس مصادفة من يزرع الريح يحصد العاصفة

كشف إعلان وزير الخارجية الفرنسي عن اختفاء الشاهد- المتهم بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، المأزق السياسي والأمني الذي تعيشه باريس، في علاقاتها الدولية والعربية وفي ترتيباتها الداخلية.

كما أن ربط هذا الإعلان بهجوم غير مسبوق وليس معتادا في العلاقات الدبلوماسية على المعارضة اللبنانية ورئيس المجلس النيابي اللبناني والتدخل المباشر بشأن دستوري داخلي في لبنان من قبل وزير الخارجية الفرنسي، يعطي هذا الإخفاء أو الاختفاء البعد الحقيقي ويوضح أكثر فأكثر المأزق الفرنسي.

بالتأكيد وزير الخارجية كوشنير ليس مسؤولاً بأي شكل من الأشكال عن هذه القضية في بدايتها ولا في تطورها ولا في محاسبة المسؤولين عنها إن كان من خلال مسؤوليته أو من خلال موقعه السياسي، لكنه يعرف بالتأكيد أنه سيكون مسؤولاً عن نتائجها ليصبح هو «الشاهد اللي ما شافش حاجة».

وهذا الإعلان تزامن، في مصادفة مهيأ لها، مع العديد من الأجندات السياسية والروزنامات.

فقد تزامن مع زيارة رئيس وزراء لبنان إلى المملكة العربية السعودية ولقائه هناك- بين من التقى بهم- الأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس جهاز الاستخبارات السعودية، حيث تحول هذا الأخير إلى جزء لا يتجزأ من البروتوكول الملكي في لقاءات المسؤولين اللبنانيين وهو أمر غير معهود في المراسم الملكية السعودية سابقا، حيث بات رئيس الاستخبارات السعودية يستقبل بصورة ميكانيكية مسؤولي قوى 14 آذار في لبنان ويعلن عن وجود سعد الحريري رئيس الأغلبية اللبنانية في وفد استخباراتي سعودي في باكستان.

ويتزامن إعلان كوشنير «اختفاء» الشاهد «الملك» في وقت بدأ فيه التحقيق في قضية اغتيال الحريري يأخذ منحى آخر بما لا يرضي الأغلبية النيابية التي لا يخفي كوشنير والرئيس ساركوزي دعمه المطلق لها. وبعد أن تم تسريب خبر الاختفاء المزعوم من قبل الاستخبارات الفرنسية، لم يكن باستطاعة أحد معرفة ما إذ كان هذا الشاهد- المتهم قد اختفى أم لا لولا هذه الإشارة الإستخباراتية وفي وقت تعاني فيه هيكلية الاستخبارات الفرنسية من تغييرات وإعادة تنظيم جذرية، ترضي البعض وتغضب آخرين كالعادة في كل عملية تغيير، ما يرسم علامات استفهام كبيرة حول دور هذه الأجهزة في عملية الإخفاء واستحالتها في وضع مثل وضع الشاهد- المتهم الموضوع نظريا بحماية الأجهزة الفرنسية والاستخباراتية. والإعلان الدبلوماسي الفرنسي عن قضية بهذا الحجم يأتي يوم مناقشة تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية في مجلس الأمن حيث ظهرت فرنسا كأول متواطئ أو متهاون في إيصال التحقيق إلى مبتغاه الحقيقي في حين تستعمل المحكمة الدولية أداة ابتزاز سياسي في علاقاتها مع المسألة اللبنانية.

ولا يبدو مصادفة أن يتزامن الإعلان مع طرح المندوب الروسي في مجلس الأمن قضية الضباط الأربعة المعتقلين سياسيا في لبنان بناء لأقوال الشاهد- المتهم الفار حاليا. فمسؤولية باريس عن هذا الاعتقال السياسي لم تعد خافية بدءاً من حمايتها للشاهد – المتهم حتى تهريبه ومرورا بمنع القاضية اللبنانية من التحقيق معه في باريس بحجج أقل ما يقال عنها إنها واهية. لذا يبدو واضحاً أن وزير الخارجية الفرنسية قد بدا يتحول فعلياً في ظل تعدد مراكز القوى في فرنسا حالياً إلى شاهد ما شافش حاجة وعليه أن يكون في واجهة المطالب الدولية والفرنسية معاً.

وليس أدل على ذلك سلسلة الاتهامات التي يكيلها لسورية وهو لم يكلف نفسه اللقاء مع أي مسؤول سوري.

بل إنه كان في المسألة اللبنانية أيضاً بعيداً عن لب المشكلة باعترافه هو أيضاً حيث يقول إن المشكلة هي في سورية، ما يطرح سؤالاً بديهياً إذا كانت المشكلة في سورية فماذا كان يفعل في لبنان إذاً؟ باريس المربكة حتى العظام في مسألة إخفاء أو اختفاء أو تغييب الشاهد-المتهم في هذا الوقت عليها أن تواجه العديد من الأسئلة وتقرر بين أن تبقى محايدة ودولة قانون أو أن تتحول إلى دولة متواطئة في قضية تقول هي عنها إنها الأساس أو أن تصبح دولة كدولة غوانتانامو والسجون السرية التي ما انفكت تنتقدها حيناً وتتحالف معها وتتبعها أحياناً.

صورة فرنسا المستقبل بيد مسؤوليها وديمقراطيتها طبعاً.