المحرقة المحـرّمة


محمدعبدالرحمن 
أمس الأول ، وأثناء مناقشة فواجع ومآسي غـزة في مجلس الأمن الدولي ذهب المندوب الليبي مجازياً إلى تشبيه المذابح الصهيونية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني (بالمحرقة اليهودية) فكان أن قامت عليه قيامة سفراء الحضارة الغربية لدى هذه المنظمة الدولية .
المندوب الليبي في الواقع لم ينحت اصطلاح (المحرقة) من عندياته البلاغية بقدر ما استعاره من موسوعة (ماتان فيلناي) نائب وزير الحرب الصهيوني الذي سبق واستخدمه حرفياً بالصوت والصورة قبل أقل من شهرين في إحدى حملاته التوعّدية على الفلسطينيين من أبناء آدم أبو البشرية .
في حينها ، وبينما راحت تهديدات هذا التنين الصهيوني تأخذ طريقها إلى الترجمة الفورية الحرائقية على الأجساد الفلسطينية فإنّ ذات ممثلي الحضارة الغربية هؤلاء صمتوا صمت القبور وفي أحسن الأحوال إنتقدوا على استحياء (رد الفعل الإسرائيلي المفرط ) على (فعل الإرهاب الفلسطيني) !!، أما الآن فإن زعيقهم سبقهم إلى الخروج الإحتجاجي من قاعة الإجتماع الأممية لا لشيء سوى لأنّ المندوب العربي (قارن) بين مجازر الصهاينة في غزة وما اصطلح عليه بالهولوكوست !.
نعم : سـفراء الضميرالغربي يتقدمهم بالطبع السفير الأمريكي ومن مواقعهم الأممية كمجترحين وحراس كونيين للمبادئ الإنسانية العليا يستكثرون بل يحرّمون على القتلى من العرب أن يجتمعوا والقتلى من اليهود في حيـّز قيمي مشترك ، إنهم وهم يتماهون مع المتماهية من عقدة الذنب تجاه المؤسطرة من سيرة المحرقة اليهودية في أوربا يفردون لضحاياهم اليهود ذاك (التابو) الماورائي العصّي على الإختراق ، الحصين ، الجامع المانع ، الواحد ، المتوحد ، الوحيد ، الأبعد من متناول أرواح قتلانا فكيف إذا بأحياءنا يجترؤون عليه مجازياً ؟ كيف إذا باللسان العربي يتطاول على التابو اليهودي حين يرفع من شأن الأضاحي الفلسطينية إلى درجة مقارنتها بالهولوكوست ؟!.
إنها جريمة الجرائم العظمى ، وعليه فإن أبسط القواعد الأخلاقية تفرض على سفراء الحضارة الغربية في الأمم المتحدة أن يتصرفوا بمثل ما تصرفوا به عندما امتشقوا سيوف المقاطعة وانهالوا بها على المتبقي من أجنحة اللسان العربي لكي يعرف هذا مستقبلاً حدوده ولا يقترب بدناسته الضّادية من سماء المقدس الغربي فأنّ الهولوكوست فوق التوصيف والمقارنة والتشبيه والتورية والإستعارة والإعارة والطباق والجناس والكناية ، إنه عالم قائم بذاته من ذاته في ذاته ، عالم سببي كل ما بعده نتاجه ، جوهري كل ما حوله إطاره ، محوري كل محيطه لباسه ، أزلي دائم سرمدي مطلق كل ما عداه محدث طارئ فان نسبي .
 أي نعم ، إنّ تابو الهولوكوست (الشايلوكي) الشـّره ولأنه بطبيعته هذه لا يشبع ولا يقنع فإن عقدة الذنب الغربية النفاقية ستظل أبداً تدفع له ضريبته الرّبوية حتى ولو على شكل مواقف لا أخلاقية خسيسة من الحقوق الوطنية والإنسانية الثابتة للشعب الفلسطيني وحتى لو تطلب الأمر التعامي عن الفظاعات الدموية الصهيونية اليومية بحق هذا الشعب ، إذ لا يكفي أنّ فلسطين التاريخ والجغرافيا والإنسان لمّا تزل تجزرها سكاكين المؤامرة الغربية الكبرى منذ تخليق اللقيطة الصهيونية قبل ستة عقود ، بل يتوجب على العرب عموماً أن ينصاعوا لمشيئة القداسة الهولوكوستية ويرتبوا حياتهم على أساس تعاليمها السماوية التي تطوع الغرب المؤمن ليكون قاصدها الحاخامي بعد أن تخلى حتى عن مسيحيته قرباناً ربوياً على مذبح دَينها (لا دينها) الأسطوري.