صفقة مع من.. و لماذا ؟

أسعد عبود
ليس من دولة في العالم لا تتلقى رسائل غير معلنة, يعني سرية. العمل الدبلوماسي السياسي لأي بلد ليس كتاباً مفتوحاً تقرأ كل صفحاته..

هناك صفحات تحجب عن هذا أو ذاك أو عن الرأي العام.‏

الأسباب مختلفة, منها أن تكون أوراقاً بعموميات غير منتجة في وضعها الراهن, ويمكن أن تصنع إرباكاً وضبابية للرأي العام أكثر مما توضح, هذا عام في كل الدنيا, لكن هذه الرسائل مهما حوت من طروحات واحتمالات ومشاريع عروض لا يمكن أن تشكل صفقة, ولا محادثات, ولا مشاريع سلام.‏

طبعاً هي ليست مجرد عبث, بل لها قيمتها, قد تحرك ساكناً باتجاه ما..قد تأتيها ظروف تساعد على تطويرها باتجاه التحادث , وبالتالي رسم مشروع.‏

السياسة السورية بشكل عام لم تشأ يوماً أن تطورمثل هذه الرسائل باتجاه محادثات سرية توصل إلى مشروع سري.. إن كانت يمكن أن توصل لشيء فلعمل علني واضح في ضوء النهار,وليس أبداً لعقد صفقات..! كل مبدأ الصفقة لم نره في العمل السياسي السوري قط..قد تكون محاولات حصلت لجرّ سورية إلى صفقات , لكن لم تصل إلى نتيجة, ولا يمكن أن تصل,وبالتالي من السذاجة أن تتنطح دولة أو قوة أو هيئة ما لتقول: إنها لن تقيم صفقات مع سورية على حساب كذا.. أو كذا.‏

هذا كلام سوقي أو بازاري,له هدف أساسي,أن يقول: هناك في السر ما يدور ويغاير المعلن. هذا كلام ينضوي تحت عنوان الدعاية المضادة فعلاً.. له من يتداوله, ولأن الناس بطبعهم يحبون أن يتداولوا ما خفي, لأن ما علم قليل الإثارة وما خفي أكثر قابلية للجذب, وهذا يشكل مشجعاً آخر لمنتجي هذه الادعاءات الملتبسة.‏

لماذا رفض التداول السري والصفقات?‏

لأن العلنية خيار سياسي سوري, لم يُعتمد بعبثية, بل له أسبابه التاريخية والموضوعية.‏

تاريخياً كل الصفقات والمحادثات السرية من محادثات حسين - مكماهون..مروراً بسايكس - بيكو.. وانتهاء بأوسلو وجوارها وحواليها, لم تكن لمصلحة المنطقة, وبشكل أوضح كانت دائماً لمصلحة الأقوى, وبطابع تآمري إلى حدّ ما.‏

وموضوعياً فإن ما تعلنه سورية من خطوط عامة لتوجهاتها السياسية هو حقائق تعيشها ومناهج سياسية اتبعتها, وبالتالي لا يمكن أن تتحادث »تتصافق« مع أحد على حسابها! هذا عمل خاسر قبل أن يبدأ أو أن يُفكر به.‏

قضية المنطقة هي قضية الحرب والسلام, وكل ما عداه فقاعات أو هامشيات على جانب هذا الموضوع المحوري الأساسي, وسورية رأتها قضية سلام لأنها سبق أن أعلنت أنه خيارها الاستراتيجي, وما زالت عند رؤيتها تلك..السلام يعني إنهاء الاحتلال, بما يعني تماماً انتهاء مشروع الحرب.حتى المقاومة لن يكون لها مبرر مع قيام السلام,وفي إطار هذا الوضوح قطعت السياسة السورية شوطاً بعيداً في عملية التحادث العلني للسلام..وبالتالي هي بالضرورة ملتزمة بخط مشت عليه, ولم يقل أحد إنها غير جدية, حتى محادثوها من الجانب الإسرائيلي أو الراعي الأميركي,ووصلت في هذا التحادث إلى مستوى السلام المنجز, لو كانت إسرائيل جاهزة له, وجادة فيه,وهذا ما أكده الرئيس الأميركي الراعي للمحادثات في تلك الفترة بيل كلينتون في مذكراته.‏

هذا كله يوضح السياسة السورية, ولا يترك فرصاً لصفقات, وعلى الجميع أن يقتنعوا تماماً بأن ما تعلنه سورية هو ما تعنيه وليس ما تخفيه.‏

والأهم من هذا كله أن هذا المعلن كافٍ وجاهز لحلّ كل مشكلات المنطقة على أساس السلام.. بدءاً من إنهاء الاحتلال ومعه الحروب وكل ما يسجل على هامش هذا وذاك من تحركات وهوامش سياسية.‏

ثم,نعتقد أن الإدارة الأميركية تبالغ كثيراً إن ظنّت أن ثقة سورية بها كافية لعقد صفقات سرية معها.‏