يا حكامنا... إنهم يطفئون ضحكات أطفالنا


 
د. عوض السليمان* – فرنسا
هل نظرتم بالله عليكم إلى الصورة التي وزعتها بعض المواقع الإخبارية لرجل فلسطيني، فلاح وبسيط، يحمل بيديه طفلاً رضيعاً بريئاً لا يتجاوز عمره السنة وقد استشهد جراء القصف الصهيوني على غزة.
وفي الخبر، فقد قام الجيش الصهيوني بهجوم على شمال غزة أدى إلى استشهاد أربعة أشقاء أكبرهم لم يتجاوز الخامسة من عمره. ليس فحسب بل توفيت أمهم بعد تعرضها للإصابة ونقلها إلى المستشفى. بما يعنيه أن ذلك الرجل الذي رأيتموه في الصورة قد فقد أطفاله الأربعة وزوجته أيضاً. في الوقت الذي يهرول فيه حكامنا لعقد المحادثات واللقاءات مع أركان القيادة الصهيونية دون النظر إلى هذا السيل من الدماء الذي لم يتوقف منذ ستين عاماً على مرأى ومسمع القادة العرب ودون تحريك ساكن.
  
فليضع كل واحد منا نفسه مكان ذلك الرجل، وليحاول أن يشعر شعوره، وليتصور أنه فقد أولاده كلهم بغارة صهيونية غادرة. بينما يتمتع الحكام العرب جميعهم بفرشهم الوثيرة وأحلامهم الوردية.
 
 ستسمعون اليوم لا شك بعض التصريحات العربية حول هذه الجريمة، وسيكون أشجعها إدانة مقتضبة للعدوان وربما تذيل تلك الإدانة بدعوة مركزة للعودة بسرعة إلى طاولة المفاوضات، وفي أحسن الأحوال قد تطالب بعقد جلسة لمجلس الأمن حيث سيجتمع المجلس ليتشف أن الأطفال الأربعة وأمهم إرهابيون وقد استحقوا الموت ونالوا جزائهم العادل. بعد ذلك يتحجج العرب بالشرعية الدولية ويعودون إلى ما كانوا عليه من رقص وفجور واتجاه نحو الداخل اضطهاداً وقتلاً وترهيباً
   
ولنتصور أن مجلس الأمن أدان تلك المجزرة الرهيبة، فهل يعني هذا، أن ذلك الرجل الظاهر في الصورة قد استعاد دم أبنائه، وهل يعني أنه قد أخذ حقه وأن أطفاله سيضحكون من حوله كما كانوا يفعلون. أم أن صمتهم سيمتد إلى الأبد؟.
   
أما عن العالم المتحضر، الذي يعرف المدنية ويمارسها، فلن تبث وكالات أنبائه الخبر أصلاًُ، ولن يطلع المواطن الأمريكي أو الأوروبي على الحادث من أصله. أما الحكومات الغربية فستطلب في أحسن الأحوال ضبط النفس، وعدم الإفراط في استخدام القوة، إذا تكفي دبابة واحدة لقتل أطفال غزة ولا حاجة للقصف الصاروخي والمدفعي أما لو تعلق الخبر بإطلاق رصاصة على الكيان المغتصب فإن الدنيا تقوم ولا تقعد، ولا يبقى مسؤول صغير أو كبير في أوروبا وأمريكا إلا ويدين ذلك العمل بأقوى العبارات ويعلن تعاطفه مع الصهاينة إلى أبعد الحدود. وما علينا إلا نتذكر كيف وصف هذا العالم المدني هجوم القدس الأخير، فقد نعته بعضهم بالعمل الجبان، والخسيس والإرهابي، والإجرامي. وألفاظ أخرى كثيرة، بينما يذهب دم أربعة أشقاء برآء هدراً أمام هذا العالم الذي لا يعنيه لو قتل العرب والمسلمون عن بكرة أبيهم.
  
ولعل الصحيح أن نقول هذا العالم الذي يعنيه بشدة قتل العرب والمسلمين عن بكرة أبيهم.
  
لا شك أن العقل لا يكاد يتصور هذا الذل والانحطاط واللامبالاة في المواقف العربية، وكيف يقبل حكامنا أن تراق دماء الأطفال يومياً وأمام أعينهم فلا يحركون ساكنا ولا يأبهون. بل إن بعضهم فوق كل ذلك، يستقبل كبار المجرمين المسؤولين عن ذلك مسؤولية مباشرة.
  
منذ أسابيع قليلة كانت ليفني في قطر وتحدثت عن الديموقراطية، ووصفت كيانها الإجرامي بالديموقراطي، وعلمت العرب الصامتين ما يفعلون وما يتركون، والتقت بأهم مسئولي الحكومة القطرية، وقبل أسابيع عدة، زارت "رايس" ووزير الدفاع الأمريكي وجورج بوش نفسه دولا عربية عديدة، وقلدوا الأوسمة وتمتعوا بمشاهدة الرقص الشرقي وبتذوق الوجبات الشرقية التي كلفت حكومات تلك الدول ميزانية قد تفوق ميزانية دولة فلسطين ، ولقد رأيتم كما رأينا كيف استقبل العرب "جورج بوش"استقبال الأبطال، وكأنه فتح بغداد أو بيت المقدس، ومن يدري فلعل بعضهم يظن كل الظن أنه فتحمها فعلاً.
  
في كل مرة يتحرك أحد مسارات السلام، اعلم أن مجزرة صهيونية في الطريق، واعلم أن أطفال فلسطين هم وقود تحريك هذا المسار.
  
وبعد كل مجزرة يطل علينا أحد المسؤولين الفلسطينيين باقتراح زيارة جديدة أو محادثات جديدة مع أركان الحكومة الصهيونية، ولا أدري كيف لا يوقف الرئيس محمود عباس المفاوضات مع العدو فوراً ويتجه إلى المقاومة، وهو يعرف كما نعرف أن هذا الكيان إلى زوال وأنه لن يتحمل المقاومة إلى ما لا نهاية.
  
ماذا نفعل إذا كانت قدرة حكامنا تتوقف عند حدود الإدانة والشجب والاستنكار، ويجب أن يعرف القارئ أن الحاكم في البلاد العربية لا يكلف نفسه عناء هذا الاستنكار بل يقوم المكتب الصحفي بالشجب بدلاً منه، ولا تستغربوا إذا عرف الحاكم الخبر متأخراً!!.
  
إن فلسطين أرض جهاد ورباط، ولن يعيدها إلى أهلها إلا الرباط والجهاد، ولن تنعم هذه الأرض بدفء شمسها وكرم بياراتها، حتى تتوقف محادثات السلام كلية مع العدو، وترجع الأيدي جاهزة للضغط على الزناد، وينظف أصحاب السلام بنادقهم من الصدأ ويقفوا صفاً واحداً ضد الكيان العنصري الصهيوني، إما هذا، وإلا فستضيع فلسطين كلها بضفتها وقطاعها، وتلحقها دول عربية أخرى في هذا الطريق. إنه صراع وجود ولا بد للأمة من أن تعلن الجهاد وتتعلم فقه الحرب وتنفك عن اللهاث خلف السلام الذي لن يجلب للشعوب العربية إلا مزيداً من الموت والقتل والدمار، وضياع الحقوق "والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين".