الديمقراطية الإجبارية !!



لحسن عيساني
من أغرب ما يحدث في الجزائر أن الديمقراطية أصبحت تعني كل أضدادها  ولا تعني معناها الحقيقي الذي جاءت لتحققه في دنيا الناس. ففي الجزائر لا ندري إن كانت الدولة علمانية أم دينية أم قروسطية…
فهي علمانية إذا ما اختار الشعب حزبا إسلاميا , وسرعان ما ينتفض من يعتقدون أنفسهم سدنة الديمقراطية وحراسها ويرغون ويزبد ون ويلوحون بالخطر الداهم الذي يتهدد الجزائر إن هي أسلمت مقاليد أمورها لمن ينعتونهم بالظلاميين والذين صيروهم إرهابيين حين أنكروا عليهم حقا أعطتهم إياه الصناديق التي يفترض أنها المقياس الأوحد للديمقراطية ..
وبعد سقوط مئات الآلاف من الضحايا اكتشف سدنة الديمقراطية وأرباب التعذيب في السجون والمعتقلات ومنتهكو حقوق الإنسان طيلة عشرية كاملة أن من الضروري عقد مصالحة مع من هضموهم حقهم الديمقراطي ورموهم في المعتقلات والمحتشدات في غياهب الصحراء ونكلوا بهم والأدهى والأمر أنهم يريدون مصالحة الذئب مع الغنم.. مصالحة لا اعتراف فيها بذنب ولا دفع فيها لثمن, يحافظ فيها زبانية التعذيب على كراسيهم وعلى غيرهم الاعتذار والعودة إلى صف الخنوع وكأن شيئا لم يكن…
ثم الجزائر دولة دينية حين يريد الذين يعتقدون أن آباءهم ورثوهم ملكها , فهم ينفضون التراب عن بقايا الطرقية والزوايا وما يليها من خزعبلات ليجابهوا بها, على ما يعتقدون, خطر المساجد والدين المتنور الذي يتجاوز الدروشة وهز الرأس ورقصات الوعدات* إلى مناقشة مفاهيم الحكم الرشيد ومسؤولية الحاكم أمام محكوميه…فهاهي صلاة الجمعة صارت تنقل من الزوايا بدل اقتصارها على المساجد, والعمل السياسي الذي يضيق فيه على الأحزاب, سواء كانت تروتسكية أم إسلامية, صار يسمح به لهذه الزوايا التي تصلح للمساندة والمباركة والدعاء للحاكم وإن لم يكن رشيدا… ولا ينقصها إلا إنشاء وزارة الزوايا…
والجزائر دولة قروسطية…ترقد على أنهار من النفط والغاز والذهب, ويجوع شعبها إن لم يكن من سلالة الحاكم الرشيد وحاشيته, وترفل بورصتها في سبات عميق رغم ضجيج موقعها, وتلتهب فيها أسعار البطاطا التي صار نيلها لمن استطاع…
الجزائر قروسطية ما تزال الجرذان تتجول في الشوارع جهارا نهارا كأنها تدل السواح والزائرين…وما يزال رعاياها حتى لا أقول مواطنيها يسكن بعضهم الكهوف والمغارات والأكواخ العاصمية في أحسن الأحوال…ويحلمون باسطوانة غاز في بلد الغاز .
الجزائر قروسطية ما يزال تلفزيونها يلوك العلكة القديمة الممجوجة : ذهب فخامة الرئيس, عاد فخامة الرئيس,هنأ فخامة الرئيس,عزى فخامة الرئيس, أرسل فخامة الرئيس برقية من الجو, مع أننا معه على الأرض ولا يتذكرنا…ولكنه لا يتحدث عن مرض الرئيس وثروة الرئيس …
الجزائر قروسطية ما يزال رعاياها يصابون بالسل والجرب وباقي أمراض الفقر…قروسطية تملأ الكلاب الضالة شوارعها ويموت البعض بين أنيابها…
الجزائر قروسطية لأن وزير داخليتها يعتقد أنه ما يزال في زمن العبودية حيث على المملوك أداء فروض الطاعة للسيد دون نقاش …أليس يطارد هذه الأيام الجزائريين الذين رفضوا المشاركة في تمثيليته البايخة التي يحلو له تسميتها انتخابات تشريعية, ليبرروا له ما لا يبرر ويقولوا له ما لا يعرفه وهو أنهم يريدون التغيير وملوا الأكاذيب ووعود الوزراء المعمرين والبرلمان القروسطي الذي يملأه التصفيق وتفوح منه رائحة الانتهازية والأمية ..
الجزائر قروسطية مادامت الديمقراطية قد تحولت إلى ديمقراطية إجبارية يقول فيها الحاكم للمحكوم عليه: مالك من إله غيري, انتخبني أنا ولا أحد سواي, بارك نهبي لك أنا وذريتي , دعني أطبق عليك القانون وحدك واعفي نفسي, دعني أغتني أنا وذريتي من بعدي واقتت أنت من المزابل وعيالك , دعني أشيد القصور ولا تتذمر من سكنى المقابر…
الجزائر قروسطية ما بزال فيها المسؤولون إذا ما تكرموا بزيارة رعاياهم, يستقبلون بالطبل والزمر وهز البطن تماما كما في زمن العبودية حين كان الحاكم يعد إلها… ثم يكسرون رؤوسنا بالخطب الجوفاء عن أننا في زمن العولمة وأن الجزائر تزدهر… تزدهر…