ليكن يوماً لمحاربة الجشع والفقر

حسن حسن
منذ أن أطلق(أوجست سبايس)كلماته الراسخة والمشهورة قبل إعدامه في 11/11/1887بمدينة شيكاغو رداً على قمع

السلطات الامريكية التي فتحت النيران على العمال حينذاك بحجة قيام العمال بإطلاق النار على الشرطة ,وأصدرت ضد بعضهم أحكاماً قاسية بما فيها الإعدام زوراً مجسدة بذلك تلك الوحدة الصلبة للعصا الإمبريالية, الكذب والقسوة.‏

منذ ذلك الوقت حين قال سبايس:(سيأتي اليوم الذي يصبح فيه صمتنا في القبور أعلى من أصواتنا اليوم).منذ ذلك اليوم يتواصل نهج النقيضين الذي لا يعرف الهوادة:العمال وخصومهم,ويتواصل النضال من أجل الخبز والحرية من جانب العمال,والجريمة والكذب من جانب الطغاة.‏

وبالفعل ,فإن أحداث أيار ,1886أصبحت في كل عام صرخة مدوية لعمال العالم,تدعوهم للوحدة من أجل الدفاع عن حقوقهم وانتزاع المكاسب لهم للعيش بكرامة إنسانية.وعلى أثر المجزرة التي حدثت في أيار عام,1886فقد دعت الأممية الثانية عام 1889إلى اعتبار الأول من أيار يوماً عالمياً للعمال,يرمز إلى تحركهم ونضالهم من أجل حقهم في العمل والراحة والثقافة والتعليم,وحددت الأممية الثانية الأول من أيار1890يوماً لبدء الاحتفال بالمناسبة.‏

ومنذ الأول من أيار عام ,1890بدأ العمال في دول أوروبا المختلفة بالاحتفال بالمناسبة,ثم انتشرت الاحتفالات إلى كل دول العالم,حتى أصبح الأول من أيار رمزاً لوحدة العمال,ويوماً يشعرون فيه بانتصاراتهم وقد استطاع العمال في مختلف دول العالم جعل الأول من أيار عيداً رسمياً مدفوع الأجر, عدا الولايات المتحدة التي تعتبر عيد العمال أول يوم اثنين من أيلول من كل عام,في محاولة لكي تنسي العمال المجزرة التي ارتكبتها الشرطة بحقهم قبل أكثر من مئة عام,والتي اضطرت عام 1893 إلى إعادة النظر بها,وإعادة محاكمة القادة النقابيين والإفراج عمن تبقى منهم على قيد الحياة.‏

لقد كانت تلك الأحداث بمنزلة دعوة جادة لجميع العاملين الكادحين من أجل التعاون والتضامن والنضال المشترك ضد الظلم والاستغلال وكل أشكال الهيمنة والتسلط,وتداعت جماهير العمال في جميع أنحاء العالم لاعتماد الأول من أيار عيداً عالمياً تعبيراً عن تلاحمها الطبقي,وتقديساً لكفاحها المشروع ضد الاستغلال.‏

فالرأسمالية التي وجهت سهامها المسمومة ضد الطبقة العاملة في شيكاغو 1884 وصلت اليوم إلى أعلى مراحلها,وبالتالي تصاعد تعسفها واستغلالها لجهود العمال والعاملين,وأصبح الرأسمال والسلطة والتشريع ملكاً للطبقة الاحتكارية الأمريكية,وانتقل النظام الإمبريالي من قمع حركات العمال الأمريكيين والزنوج إلى قمع حركات الشعوب والأمم المناضلة في سبيل الحرية والاستقلال وهو يدرك الدور التاريخي للطبقة العاملة كمحررة للمجتمعات من شتى أنواع الظلم والاستغلال وتمسكها بمبدأ العمل هو المصدر الوحيد للقيمة,وأن العامل هو المنتج المباشر الذي يقدم العمل ولا يتقاضى إلا الجزء اليسير الذي لا يتناسب مع الجهد المبذول والدخل الناجم عن هذا الجهد حيث تعود الأرباح والفوائد إلى الاستثماريين أرباب العمل.‏

وانطلاقاً من التناقض بين الدخل المتأتي عن العمل المأجور والدخل المقتطع من عمل المنتجين المباشرين اكتشف قانون القيمة الزائدة التي يحصل عليها الرأسمالي,وهو القنبلة المؤقتة التي تحدد مستقبل قوى الاستغلال.‏

فالأول من أيار له دلالاته وأبعاده الثورية,ويعبر عن معانٍ وقيم ٍإنسانية تمس قضايا العمل وحقوق العمال,وتهدف إلى تعزيز مواقع الطبقة العاملة,وتفعيل دورها وعطاءاتها كماً ونوعاً وتصعيد نضالها على المستويات كافة.‏

وإذ تحتفل الطبقة العاملة السورية بهذه المناسبة في كل عام,فلأنها تعتبر الطبقة العاملة العربية هي امتداد للطبقة العاملة العالمية,ويجمع بينها قاسم مشترك هو رفض كل أشكال الظلم والهيمنة والاستغلال,والتصميم على مواصلة النضال من أجل حماية الحقوق والمكتسبات وترسيخ مبادئ العدل والمساواة.‏

ففي الأول من أيار تتجدد الذكرى بما تحمله من معان وأبعاد اجتماعية وإنسانية لتحرك الهمم,وتذكر الطبقة العاملة بما كان وما يجب أن يكون,وأن الحياة صراع دائم بين قوى الخير والشر,بين الحق والباطل,وأن حادثة شيكاغو كانت البداية لمعارك مستمرة من أجل حماية الحقوق والمكتسبات العالمية,من أجل إحقاق الحق ودحر الباطل,ومن أجل رفض كل ظواهر التمييز والقهر والاستعباد وتعميق وتعزيز مبادئ التعاون والعدل والمساواة.‏

والأهم من كل هذا,وما يجب أن تلحظه وتعيه الطبقة العاملة هو ترجمة هذه الحقائق والمسلمات إلى واقع وفعل,وترجمة هذه الروح إلى عمل إيجابي بناء,ولن يتحقق ذلك إلا عبر العنصر البشري ومن خلاله خبرة وسلوكاً ووعياً وأخلاقاً.‏

وفي هذا السياق,فإن الطبقة العاملة السورية مدعوة في كل وقت إلى العمل الجاد والدؤوب من أجل تعزيز قدرات الوطن وتطوير وتفعيل المنجزات التي تحققت في ظل ثورة البعث,بما يشكل القاعدة التنموية الصلبة لمواجهة التحديات المصيرية وفي مقدمتها التحدي الإمبريالي الصهيوني الهمجي الذي يستهدف وجود الأمة وابتلاع الوطن.‏